الجزائر تستعطف المحتجين خشية انفجار اجتماعي وشيك
وصف رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد، تهريب العملة الصعبة للخارج والفساد المالي والسياسي، بـ”الفايروس الأكثر خطورة على مصالح الدولة من جائحة كورونا العالمية”، وهو تلميح إلى المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد البلاد، في ظل تغلغل واستشراء الفساد في مؤسسات ومفاصل الدولة.
وجاءت تصريحات عبدالعزيز جراد، بالموازاة مع الكشف التدريجي لتفاصيل محاكمة مدير الأمن السابق في نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، حيث أقر الجنرال عبدالغني الهامل الذي أدار منظومة الأمن لأكثر من عشر سنوات، عن حصوله على مزايا وعقارات وممتلكات وصفت بـ”الخيالية”.
ورغم أن تصريح رئيس الوزراء انصب على توضيح مخطط حكومته لمواجهة التداعيات الخطيرة لوباء كورونا على اقتصاد بلاده، لاسيما بعد انهيار أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، تشبه كثيرا أزمة ثمانينات القرن الماضي، لما قارب سعر البيع لنفقة تكاليف الاستخراج والنقل، إلا أن مخاوف عجز السلطة عن الاستمرار في سياسة شراء السلم الاجتماعي، ومن انفجار اجتماعي وشيك، استشفت من تصريح عبدالعزيز جراد للإذاعة الحكومية صباح الأحد.
ودعا المتحدث إلى “ضرورة إجماع كل القوى السياسية والشعبية مع مؤسسات الدولة، على التخندق في معسكر واحد لمواجهة التداعيات الخطيرة التي أفرزها الوباء العالمي، خاصة في ما يتعلق بالجبهتين الاقتصادية والاجتماعية”، وهو تلميح مبطن إلى مخاوف الانفجار الاجتماعي، لاسيما في ظل الاحتجاجات السياسية المستمرة منذ أكثر من عام.
ويبدو أن السلطة تبحث عن دعائم سياسية لتجسيد مشروعها الجديد، وأن الطابع المستقل لرئيس البلاد الحالي عبدالمجيد تبون، والتكنوقراطي للحكومة، بات في حاجة إلى دعم سياسي وحزبي لتمرير برنامجها، وأن التفكير في خارطة حزبية تلتف حول السلطة قد دخل حيز التنفيذ.
ويبدو أن الإخواني والمرشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة عبدالقادر بن قرينة، وبدرجة أقل رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، ذراعان جديدتان للنظام، بعد إظهارهما لبوادر انقلاب على الشارع المنتفض والارتماء في أحضان السلطة.
وتجلى ذلك في مبادرة رئيس حركة البناء الوطني، التي دعت “الجميع سلطة ومعارضة حكاما ومحكومين أحزابا ومجتمعا مدنيا ونقابات وحراكا وشخصيات لتأجيل خلافاتها، وإعلان هدنة عامة سياسية واقتصادية واجتماعية قصد تخفيف الاحتقان تسمح للوطن ولنخبه في البحث بكيفيات تجاوز المخاطر المفروضة على البلاد من الخارج، كتدهور أسعار نفط، وباء كورونا، تحرش وأمني حدودي، ومحاولات متكررة لاختراق السيادة”.
وحض بن قرينة على “وجوب التكامل مع أدوار السلطات العمومية في التجند والوعي لحماية الجزائر من أخطار الوباء العالمي”. ودعا المجتمع المدني إلى “حملات توعية واسعة تتناسب مع تهديدات الوباء الذي مس دولا عديدة ولا تزال الجزائر تصنف في خانة الوضع غير الخطير”.
ولم يستبعد القيادي الإخواني، فرضية عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الطبقة الشغيلة والفئات الاجتماعية، بسبب تقلص مداخيل الخزينة العمومية تحت ضغط الانهيار غير المسبوق لأسعار النفط في الأسواق الدولية.
وهو السيناريو الذي تتهيأ له السلطة باستعطاف مبكر للطبقة السياسية والشعبية، حيث أبدى عبدالعزيز جراد، ليونة في تصريحه تجاه قوى الحراك الشعبي، لما وصفها بـ”الأخوة”، عكس وزير داخليته الذي “اتهم بعض نشطائه بالعمالة والعمل لصالح جهات أجنبية تريد ضرب استقرار البلاد وأمنها”.
ويتابع الجزائريون أطوار محاكمة عدد من رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، كرئيسي الوزراء السابقين عبدالمالك سلال وأحمد أويحيى، وبعض الوزراء ورجال الأعمال، المتهمين في ملفات فساد ضخمة، كما تم تحويل ملفات أخرى إلى المحكمة العليا، تشمل وزراء من حكومة نورالدين بدوي السابقة.