الجزائر تجس نبض المحتجين بإعلان انتخابات تشريعية مبكرة
قرر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة قبل نهاية العام الجاري، في جولة جديدة من الحرب الناعمة التي تقودها السلطة ضد الحراك الشعبي، فبعد تنظيم المؤسسات الانتقالية لانتخابات رئاسية أفرزت تبون رئيسا جديدا للجزائر، يتجه الرجل إلى حل المجالس المنتخبة قريبا، في خطوة لصناعة تغيير سياسي في البلاد.
وتغامر السلطة بتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، في ظل رفض قطاع عريض من الجزائريين لأجندة السلطة، وتجاهلها المستمر للمطالب الأساسية المرفوعة في الشارع، الداعية لرحيل النظام وتحقيق انتقال سياسي شامل.
ويبدو أن حيازة السلطة لآليات تمرير الاستحقاق الرئاسية والمقرر في الثاني عشر من ديسمبر الماضي، أكسبها ثقة لتمرير استحقاق جديد يعد الثاني من نوعه لأنه سيعقب تنظيم استفتاء شعبي على تعديلات دستورية عميقة، سيكون على الأرجح بعد عدة أسابيع فقط.
ووسط جدل محتدم حول عزم السلطة على الذهاب إلى أبعد الحدود في تنفيذ أجندة تثبيت وتجديد أركان النظام، رغم استمرار الاحتجاجات الشعبية، يخيم الغموض على مستقبل وشرعية المؤسسات المستجدة، ومدى قدرتها على إقناع الجزائريين المحتجين بالعودة إلى بيوتهم والاقتناع بما تحقق.
وكشف مصدر مطلع لـ”أخبارنا الجالية ”، بأن إجماع قوى الحراك على إضافة يوم احتجاجي ثالث في الأسبوع (السبت) إلى الحركة الاحتجاجية، يزعج السلطة كثيرا، وقد أنهك قوات الأمن، الأمر الذي ترجمته الممارسات القمعية ضد مظاهرات السبت، بغية إجبار الشارع على حذف اليوم المذكور من مسلسل الاحتجاجات، فضلا عن إطلاق وزير الداخلية كمال بلجود، لتصريحات مثيرة تجاه الحراك الشعبي.
واتهم بلجود “قوى ودول خارجية منها إسرائيل ودولة عربية، على العمل على زعزعة استقرار بلاده”، واتهم قيادات لم يسمّها في الحراك الشعبي، بالولاء لجهات خارجية تملي عليهم توجيهات ضرب أمن واستقرار البلاد.
وهو التصريح الذي انطوى على رؤية محددة لدى السلطة تجاه الاحتجاجات الشعبية منذ فترة المؤسسات الانتقالية، حيث لا تزال زوايا التجاهل والتخوين والمقاربة الأمنية تحدد رؤية السلطة، ولا شيء يوحي بأن النظام المتكئ على عكاز شرعية مهزوزة للرئيس تبون، يفكر في التعاطي مع الشارع المنتفض منذ أكثر من عام.
ويعكس تصريح وزير الداخلية وقبله تصريح مشابه لرئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، حجم الانزعاج لدى أركان السلطة من استمرار الاحتجاجات، وأن التوجه إلى تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة، يستهدف نقل اهتمامات الشارع من احتجاجات التغيير الشامل، إلى الانخراط في مسار انتخابي يفرز مؤسسات جديدة يعوّل عليها لامتصاص غضب الشارع.
وذكر جراد، أن “الحراك الشعبي بات مطالبا بالتخفيف من حدة مطالبه السياسية، ومنح الفرصة الكافية للمؤسسات الجديدة لتجسيد مخططها للقطع مع العهد البائد، وقيادة البلاد إلى جمهورية جديدة”.
وما زالت عقدة الشرعية تؤرق الرئيس تبون إلى حد الآن، لاسيما في منطقة القبائل التي سجلت نسبة تقل عن الواحد في المئة خلال المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما خلق قطيعة شاملة وغير معلنة بين المنطقة وبين مؤسسة الرئاسة.
ويبقى الرجل الذي وعد بزيارة كل ربوع البلاد وأولها منطقة القبائل خلال حملته الانتخابية، حبيس أسوار قصر المرادية، ولم يتحرك إلى أي مدينة أو محافظة رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انتخابه، وحتى النشاط الميداني لطاقمه الحكومي لا يزال محتشما.
ورغم قدرة النظام الجديد على استقطاب قوى سياسية تقليدية إلى مسار تجديد المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها الأحزاب الإخوانية كحركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية وحركة الإصلاح وغير بعيد حركة النهضة، فإن عدم بروز قوى سياسية جديدة من صلب الحراك لإضفاء الشرعية على الاستحقاق المنتظر، يبقي السلطة في ديكورها السياسي التقليدي المنبوذ من طرف الشارع.
ومع استمرار التضييق على الحريات السياسية والإعلامية، وحتى اضطراب الأوضاع الداخلية داخل الأحزاب التقليدية الكبيرة الموالية للسلطة، تطرح استفهامات جوهرية حول مستقبل النظام في ظل عدم ضمان استمرار ولاء الأحزاب التقليدية له، ورفض الاستحقاق مطلقا من طرف الشارع، وما سينبثق عنه من حكومة ومؤسسات رسمية.