شهرزاد تفرد ظلها على جوائز المهرجان الوطني للفيلم في طنجة

عشية اليوم العالمي للمرأة، وفي حفلة الإعلان عن جوائز الدورة الـ21 من المهرجان الوطني للفيلم المغربي بطنجة، هيمنت المرأة على جوائز وأفلام الدورة الأخيرة من المهرجان، وقد شهد المهرجان حضورا قويا للمرأة، أمام وخلف الكاميرا، في الأفلام التي عرضت ضمن المسابقة الرسمية لهذه الدورة.

لا تزال الإحصائيات الدولية عن حضور المرأة في الأفلام السينمائية تدعو إلى الكثير من الإحراج، سواء تعلق الأمر بالمخرجات اللواتي يقفن وراء الكاميرا، أو تعلق بالممثلات اللواتي يقفن أمامها.

وكثيرا ما يتم تقديمهن مثل سلعة، وتسويق أجسادهن في سياقات من الإشهار المجاني والإغراء التجاري، ترسيخا لتلك النظرة الذكورية التي تمعن في تسليع صورة المرأة، وتشييء كينونتها وإنسانيتها.

لكن المهرجان الوطني للفيلم المغربي بطنجة في دورته الأخيرة خالف ما كان سائدا حيث توجت المرأة بالعديد من الجوائز بعدما توج فيلم “تفاح الخريف” لمحمد مفتكر بالجائزة الكبرى للمهرجان، بينما حصلت المخرجة المغربية مريم التوزاني على جائزتي أفضل إخراج وأفضل سيناريو، عن فيلمها “آدم”، وفازت بطلة الفيلم نسرين الراضي بجائزة أحسن دور نسائي. وفاز حسن ريشوي بأحسن دور رجالي عن فيلم “أولفير بلاك”، وحصل فيلم “سيد المجهول” على جوائز العمل الأول والصوت والإنتاج.

مخرج أمام الكاميرا

اختار المخرج المغربي محمد نظيف أن يكشف عن أعماق المرأة المغربية، وأن يسبر أغوار ومكابدات نساء هذا البلد العربي، والتي لا تكاد تختلف عن أوضاع ومآلات المرأة في سائر البلدان العربية سواء بسواء. وضمن مقاربة سينمائية ذكية، اختار المخرج أن يصور لنا التراجيديات المتجاورة لثلاث نساء، أو لزوجتين وشابة يافعة، إذ العبرة بالأنثى. وقد ساقت الأقدار الثلاث إلى العيش سوية في مستشفى للأمراض النفسية. أمل، التي فر ابنها من يديها، فكان ضحية حادثة سير قاتلة، جعلتها تدخل في حالة اكتئاب قاسية، وهي تحمّل نفسها مسؤولية هذا القدر اللعين.

الأفلام المغربية تكشف عن نساء يلجأن إلى المقاومة الجماعية في المجتمع ويواجهن أقدارهن بدلا من الهروب

وهنالك ابتسام التي تزوجت من ابن خالتها، ضمن قدر عائلي، قبل أن تكتشف علاقاته الجنسية الشاذة، وريم التي تعرضت لاغتصاب مقيت على يد والدها، كما حدث لأختها الكبرى، وتريد أن تحرر أختها الصغرى من المصير ذاته. حيوات متجاورة ترسم انكسارات النساء ودخولهن في حالات متقدمة من الاكتئاب، في مجتمعات مكبوتة لا تغفر للمرأة أنها ولدت أنثى.

ولربما نجح المخرج، إلى حد بعيد، في إثارة المتلقي، وضمان تعاطفه مع الفيلم، عبر جملة تقنيات أخرى، على إيقاع موسيقى الفنان يونس ميكري، وعبر تسليط إضاءة غائمة ضاعفت الوضعيات الحزينة لبطلات الفيلم، مع تقطيع مشهدي يتكرر من محكي فيلمي إلى محكي آخر، تقدم له في كل مرة صورة بانورامية لمدينة الدار البيضاء، أكبر مدن المغرب على الإطلاق، ولسان حال المخرج والكاميرا أن ما يحدث للإناث الثلاث يحدث مع كل المغربيات، وغيرهن من ضحايا الذكورية في المجتمع العربي.

وقبل أن نتعاطف نحن مع بطلات الفيلم، تتعاطف معهن طبيبة في مستشفى الأمراض النفسية، وهي حليمة، التي غامرت بعملها، وكثيرا ما قامت بتهريب الفتيات الثلاث ليلا، على متن سيارتها، فرارا نحو ساحة للألعاب أو نحو سهرة ليلية للاحتفال بعيد ميلاد ريم. مقابل ذلك، اختار مخرج الفيلم محمد نظيف أن يلعب دور مدير المستشفى النفسي، وأن يتحول إلى ممثل يقف أمام الكاميرا، في فيلم من إخراجه، يقتضي منه أن يكون خلف الكاميرا أولا.

وهكذا، انتقل المخرج من مهمة إدارة الممثلين أو الممثلات، على الأصح، إلى مهمة إدارة الشخصيات التي تجسدها الممثلات، حين كان يلتقي بهن في جلسات استشفاء جماعي، ويطلب من كل واحدة أن تتجرأ على ذكر الأسباب والأقدار المأساوية التي أودت بها إلى مستشفى للأمراض النفسية، وعدم القدرة على مواجهة العالم. وقد انتهى الفيلم بتعاون الفتيات الثلاث على حل مشاكلهن بشكل جماعي.

وقد كان هذا اللجوء إلى المقاومة الجماعية مدخلا لإعادة اندماجهن في المجتمع من جديد، ومواجهته ومواجهة أقدارهن، بدلا من الهروب. مثلما يخبرنا الفيلم بأن الصداقة قيمة قادرة على مواجهة قسوة الحياة، تدفع الضحايا إلى التكتل والتسلح بالأمل. في هذا الفيلم تقاسمت الممثلات الثلاث إلى جانب الطبيبة أدوار البطولة، لولا أن المخرج نفسه أراد أن يتقاسم معهن البطولة، مصرا على أن يقف خلف الكاميرا وأمامها في الوقت نفسه.

الفيلم الثاني الذي عرض يوم الخميس هو فيلم “آدم” لمخرجته مريم التوزاني. واختير للمشاركة في مهرجان كان، في دورته الأخيرة، ضمن فقرة “نظرة ما”. بينما يقدم الفيلم نظرة المجتمع إلى الأمهات العازبات، عبر حالة واحدة سلطت عليها المخرجة عين الكاميرا، وهي حالة سامية، الشابة التي غادرت بيت أسرتها بسبب حمل حصل خارج مؤسسة الزواج. ومن خلال دور سامية، قدمت لنا الممثلة نسرين الراضي شهادة تراجيدية عن أوضاع النساء العازبات، بأداء قوي ونظرة حادة إلى واقعها الأشد قسوة. وهو ما جعلها جديرة بجائزة أحسن ممثلة في هذه الدورة.

لقد استطاعت الشخصية أن تواجه نظرة المجتمع بنظرة آسرة ومعبرة لممثلة تقول لنا كل شيء في صمت، وتبلغنا بكل درجات الألم بمجرد أن نتطلع إلى ملامحها. فلم تكن سامية لتثير الشفقة في هذا الفيلم، بل إنها بدت أكثر قوة وصلابة، وظلت عصية على الانكسار واليأس إلى آخر لحظة، مع أنها قررت منذ البداية أن تتخلى عن الرضيع بمجرد أن تنجبه، لتستأنف حياتها من جديد.

لهن الحق في هذه الحياة

فرت سامية من بيت الأسرة، ووجدت نفسها في بيت عبلة، الأرملة التي فقدت زوجها في حادثة سير، وغادرتها الابتسامة منذ ذلك اليوم، وظلت تعيش مع ابنتها الصغيرة وردة في ذلك البيت. وقد احتضنت عبلة الضحية سامية في بيتها حين شاهدتها وهي تنام في العراء، قرب بيتها. لكن عبلة ستنظر إلى سامية بعين الإدانة أيضا، وستخبرها أن عليها الانصراف في أقرب وقت. سوى أن سامية سرعان ما اندمجت في محيط هذا البيت الصغير، وصارت صديقة للطفلة وردة، ثم صديقة لعبلة إلى حد ما. يوم إنجاب الطفل، ستتفق عبلة مع سامية على الذهاب إلى ملجأ في الصباح الموالي، وتركه هنالك. قضت سامية ليلة قاسية تعانق جنينها، وترضعه بحرقة قاسية، امتزج فيها حليب الأم بدموعها التي لم تهدأ. تركت عبلة وابنتها نائمتين، وسكتت عن البكاء المباح، وغادرت قبل أن يطلع الصباح. في نهاية مفتوحة على كل الاحتمالات، لا نعرف ما إذا كانت سامية سوف تتخلى عن ابنها مثلما تخلى عنها مجتمع بكامله.

يوم أنجبت طفلها، رفضت سامية أن تمنحه اسما، لكنها أطلقت عليه في اليوم الأخير اسم “آدم”، وكأنها محاولة أخرى لاستئناف حياة الإنسانية من جديد، وخلق آدم آخر من أجل حياة أخرى أقل قسوة على البسطاء والضحايا، خاصة إذا تعلق الأمر بامرأة في مجتمع يتألم ولا يرحم.

يأتي هذا الفيلم ضمن ما يمكن أن نسميه “سينما الشهادة”، وهو يصور، باقتصاد فني، ظاهرة اجتماعية كبرى، من خلال عينة أو حالة واحدة شاهدة على وضع عام.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: