هل يحاسب النظام الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة
إذا كانت الحصانة المطلقة الخاصة بالرؤساء الجزائريين السابقين، التي تمنع الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون من محاسبة الفاسدين منهم، غير مرسّمة في سجلات التشريعات الجزائرية، فهل يمكن للنظام الجزائري الحاكم أن يحاسب الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة على أدائه السياسي بشكل عام، وعلى الفساد الذي تميزت به فترة حكمه؟ وهل سيعيد التاريخ نفسه ويُحاسبُ بوتفليقة مجددا بعدما تمت محاسبته غيابيا في السابق من طرف المجلس الأعلى للمحاسبة فور مغادرته للجزائر عام 1985 للإقامة في الخارج عقب نشوب صراع على الحكم بينه وبين خصومه السياسيين في الفترة التي تلت وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين في ديسمبر 1978 حيث اتهم حينذاك، وهو خارج الجزائر، بتهم في صدارتها سرقة ملايين الدولارات ووضعها في حسابه الخاص.
والجدير بالذكر أنَ تداعيات تلك التهمة التي شوهت صورة بوتفليقة لدى الرأي العام الجزائري طيلة سنوات غيابه عن المسرح السياسي الجزائري، لم يسلم منها حتى عندما عاد إلى الجزائر عام 1987، حيث تعرض مرارا للمساءلة العلنية بخصوصها من طرف بعض وسائل الإعلام التابعة للقطاع الخاص.
وفي هذا الصدد ذكر الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، في الجزء الأول من مذكراته المنشورة في كتاب، أن بوتفليقة قد أعاد فعلا صكا بمبلغ معتبر من المال إلى الخزينة الوطنية عند عودته إلى الوطن مباشرة بعد صدور العفو الرئاسي لصالحه بقرار من الشاذلي بن جديد نفسه، ولكن هناك جهات داخل أجهزة السلطة الجزائرية أكدت ولا تزال تؤكد أن ذلك المبلغ ليس إلا جزءا من المبلغ الكلي الذي بقي مجهولا حتى يومنا هذا.
والملفت للنظر أن ملف هذه القضية لم يغلق نهائيا رغم الصمت المطبق عليه حتى يومنا هذا. على هذا الأساس فإن دعاة محاسبة بوتفليقة يصرون على ضرورة فتح ملف فترة حكمه كرئيس للبلاد، وينبغي أن تشمل أيضا فترة تواجده في الحكم خلال عهد بومدين كوزير للشبيبة والرياضة وللشؤون الخارجية. في هذا السياق يطرح السؤال التالي: هل لدى السلطات الحالية أدلة قاطعة تثبت تورط بوتفليقة شخصيا في نهب الأموال في فترة رئاسته للجزائر التي دامت عقدين من الزمان؟ وهل ستؤدي ضغوط الشارع الجزائري إلى تقديمه للمحاكمة ليس كشاهد عيان فقط وإنما كمتهم بالفساد المركب الذي تميزت به مرحلة حكمه كرئيس للدولة وكوزير وعضو في مجلس الثورة في السنوات الأولى من مرحلة الاستقلال الوطني؟
لا شك أن الدعوة إلى جلب بوتفليقة إلى المحكمة من طرف بعض خصومه، وكذلك من قبل جماعته ومن طرف جناح راديكالي داخل صفوف الحراك الشعبي، الذي ما فتئ يرى أنه المسؤول المباشر على ظاهرة الفساد الذي نخر الدولة في عهده، قد تأخذ أبعادا دراماتيكية في الأشهر القليلة القادمة. حيث يرى بعض المحللين السياسيين أن مؤسستي الرئاسة والجيش قد تجبران، ربما، على تنفيذ شكل من محاسبة بوتفليقة، ولكنهم يعتقدون أن هذه العملية سيتم تمييعها إذا تمت بواسطة مساءلة صورية له، كأن توجه إليه أسئلة شفوية غير ملزمة على منوال الأسئلة الشفوية المعمول بها في البرلمان الجزائري وسيكون التركيز على فساد المجموعة التي تدعى بالعصابة.
المعروف أن النظام الجزائري يتقن استخدام مثل هذا الطعم كآلية لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، التي تتلخص في إحداث تفريغ تدريجي لشحنات التوتر لدى أطياف المعارضة، ثم المضي قدما في طريق تجديد النظام من خلال تمرير تعديل الدستور والانتخابات البرلمانية والولائية في جو خال من الصدام مع مختلف أطياف المعارضة.
وهناك وجهات نظر أخرى بخصوص السيناريوهات التي يخطط لها النظام الجزائري من أجل إطفاء الحراك الشعبي كل يوم جمعة، وتشظية فلول المعارضة الحزبية بهدف بسط الهيمنة على المشهد السياسي.