العالم حابساً أنفاسه: ماذا يخبئ لنا إعصار كورونا؟

لم تقتصر المخاوف من تفشي فايروس كورونا على القطاعات الاقتصادية التقليدية، بل طالت قطاع الترفيه، ليعلن عن وقف إنتاج فيلم يُصوّر في إيطاليا، التي أعلنت أيضا عن إقامة المنافسات الرياضية في كرة القدم بغياب الجمهور. وبينما يقف العالم حائرا، بانتظار ما تعلن عنه شركات الدواء العملاقة، يتساءل المواطنون في الدول التي انتشر فيها الوباء وخارجها: ماذا بعد؟

مع تهاوي أسواق المال، وتراجع أسعار النفط، وانتشار فايروس كورونا عبر العالم، وتجاوز عدد المصابين رقم 80 ألف مصاب، مات من بينهم أكثر من 2700 مصاب، لم يعُد بالإمكان التزام الصمت والتريّث الذي أبدته منظمة الصحة العالمية، منذ أن أعلن عن ظهور الفايروس.

أخيرا تخلّت المنظمة الدولية عن التردد، وحثّت على لسان مديرها العام تيدوروس أدهانوم جبريسوس، الحكومات على العمل من أجل احتواء انتشار الفايروس، قائلا إن المنظمة تفعل كل ما في وسعها استعدادا لاحتواء وباء أصبح محتملا.

وظهر الفيروس الغامض في الصين، لأول مرة في 12 ديسمبر 2019، بمدينة ووهان، إلا أن بكين لم تكشف عنه رسميا حتى منتصف يناير الماضي.

حالة الطوارئ التي أعلنت عنها منظمة الصحة لمواجهة تفشّي الفيروس، سرعان ما تسبّب في حالة رعب سادت العالم، وترجمت حالة الخوف في أسواق المال بارتفاع سعر الذهب، الذي وصل سعره مطلع الأسبوع إلى 1688.66 دولار للأوقية، وهو أعلى مستوى له منذ يناير 2013.

حالة طوارئ

الفايروس ينتشر بسرعة في أنحاء العالم

لا يوجد مقياس أفضل من الذهب لتتبع انتشار المخاوف بين البشر، لقد كان دوما المؤشر الدقيق لمعرفة مستوى المخاطر التي يواجهها العالم. إنه الحصن الآمن وقت الأزمات. واليوم يقول سعر الذهب إن “العالم مهدد بوباء كبير”.

وحسب منظمة الصحة، أعلنت 46 دولة ومنطقة، خارج الصين حتى صباح الاثنين، عن 2823 حالة إصابة و47 حالة وفاة بسبب الفايروس القاتل. وقارب عدد الإصابات في الصين ثمانين ألف إصابة، وأكثر من 2700 حالة وفاة. ورفعت كوريا الجنوبية حالة الاستنفار لمواجهة الفايروس في أعقاب ارتفاع عدد المصابين ليقارب الألف حالة.

وأصبحت إيطاليا أكبر دولة أوروبية تضررا، مما أدى إلى فرض عزل على مساحات واسعة من البلاد بما في ذلك مراكز مالية وصناعية رئيسية، حيث قرّر بنك “إنتسيا سان باولو” الإيطالي إغلاق أربعة فروع له، وفرضت الحكومة إجراءات حجر صحّي صارمة على مناطق في شمال إيطاليا بالقرب من ميلانو وفينيسيا، ونتيجة لهذه الإجراءات لم يتمكّن نحو 50 ألف شخص من الدخول أو الخروج من العديد من المدن دون الحصول على تصريح خاص.

ويثير انتشار الفايروس في إيران التي تختار التعتيم على حقيقة الوضع الداخلي قلقا لدى منظمة الصحة. ويُعتقد أنّ تفشّي الفايروس فيها هو السبب في انتقال الإصابات إلى دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك أفغانستان والعراق وسلطنة عُمان، والتي أبلغت جميعها عن حالات إصابة بالفايروس القاتل.

وفي الولايات المتحدة توقع مسؤول أميركي الثلاثاء انتشار وباء كورونا المستجدّ داخل أراضي الولايات المتحدة، وأنهم يشجعون لهذه الغاية كل المدارس والجامعات والمؤسسات والحكومات المحليّة على اعتماد إجراءات وقائية من مثل إلغاء المناسبات العامة.

وقالت نانسي ميسونييه المسؤولة في المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها للصحافيين “في نهاية المطاف، نتوقّع أن ينتشر (الوباء) في هذا البلد، السؤال لم يعد حقّاً ما إذا كان سيحدث ذلك، بل متى سيحدث”.

وأضافت ميسونييه أنّه نظرا إلى عدم وجود لقاح أو دواء ضدّ الفايروس المستجدّ، فإنّ “أهمّ الأدوات في استجابتنا لهذا الفايروس” ستكون التدابير الوقائية، التي ستختلف باختلاف الأوضاع والأماكن التي سيصل إليها الوباء ومدى خطورة تفشيّه فيها.

بالنسبة للمدارس، فإنّ “أحد الخيارات يمكن أن يكون توزيع التلامذة على مجموعات أصغر عددا، وفي حالة حدوث وباء شديد يمكن إغلاق المدارس وتدريس التلامذة عبر الإنترنت”.

أما بالنسبة للبالغين، “يمكن للشركات استبدال المقابلات وجهاً لوجه بمقابلات عبر الفيديو ومؤتمرات عن بُعد وتقديم المزيد من الخيارات (لموظفيها) للتواصل عن بعد”.

وعلى نطاق أوسع، قد تضطر بعض المدن إلى إلغاء المناسبات والأحداث العامة المزدحمة، كما يمكن للمستشفيات أن تؤخّر بعض الإجراءات الطبية وأن تزيد الاستشارات عبر الهاتف.

مخاوف اقتصادية

المظهر الجميل لفايروس كورونا المستجد يخفي قبح حقيقته وخطورته على البشرية

أجّج الانتشار السريع للفايروس خارج الصين من مخاوف المستثمرين الذين لم ينسوا بعد خسائرهم في الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم عام 2008 وما زالت آثارها مستمرة إلى اليوم.

وأدّت المخاوف إلى تراجع سعر النفط، الذي شهد هبوطا بنسبة أربعة في المئة الاثنين. وقال فيل فلين، المحلل لدى “برايس فيوتشرز جروب” في شيكاغو، “عندما رأى المتعاملون في النفط التراجع الكبير في سوق الأسهم، شرعوا في البيع أولا، ثم طرح الأسئلة لاحقا”.

وانعكست المخاوف في أسواق النفط على الأسهم الأوروبية التي سجّلت أسوأ أداء لها منذ قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي في أكثر من ثلاث سنوات، وبدأت صناديق الاستثمار وشركات إدارة الأموال في بيع الأسهم والبحث عن ملاذات استثمار آمنة.

وكان من الطبيعي أن تقود أسهم قطاعات السفر والتعدين والسيارات مسيرة التراجع. وبدّد تراجع المؤشر كل مكاسبه منذ بداية العام الحالي.

وتراجعت أسهم شركات السلع الفارهة، وقال أوليفر شين، خبير أسهم قطاع التجزئة في شركة “كوين أند كو” للاستشارات في تقرير نُشر الاثنين، “نعتقد أن مرض كورونا الجديد سيؤدّي إلى تراجع كبير في تدفّق الزبائن إلى المتاجر في الصين والدول المجاورة، وقد يؤثر على حركة السياحة الوافدة إلى الصين.

كريستالينا جورجييفا: وباء كورونا يعرض انتعاش الاقتصاد العالمي للخطر

وفي إيطاليا التي عانت من ركود اقتصادي عام 2013، يتخوّف الإيطاليون من موجة شبح الركود مجدّدا، حيث اضطرت السلطات إلى عزل منطقة واسعة من البلاد تُعتبر مركزا ماليّا وصناعيّا رئيسيّا فيها.

وأمرت شركة “فيات” لصناعة السيارات الموظفين الموجودين في المناطق المعزولة بالبقاء في منازلهم وأداء أعمالهم من المنزل، ولم تسلم من ذلك بيوت الموضة ليعلن بيت الموضة الإيطالي الشهير أرماني عن إغلاق مكاتبه في مدينة ميلانو، وكذلك مصانعه في إيطاليا لمدة أسبوع.

وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أن هذه الأزمة لا تضغط فقط على الاقتصاد الإيطالي، الذي سجّل انكماشا خلال الربع الأخير من العام الماضي، ولكن أيضا تجدّد التباطؤ الذي يمكن أن يؤثر سلبا على منطقة اليورو التي تكافح للخروج من فترة التباطؤ الاقتصادي الممتدة.

وقالت، رافايلا تينكوني، كبيرة خبراء الاقتصاد في مؤسسة “أيه.دي.أيه إيكونوميكس” للاستشارات إنه “رغم أن الحجر الصحي أمر مطلوب، فإنه على المرء أن يضع في الاعتبار أن هذا سيصيب بالشلل جزءا أساسيا من البلاد… نحن أمام عائق كبير أمام النمو الاقتصادي مع غياب أي عوامل تحفيز”.

وأضافت أنه إذا لم تتضح الأمور بسرعة فإن انكماش الاقتصاد الإيطالي بمعدل 1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الحالي سيكون أمرا “معقولا”، وسيكون أسوأ أداء للاقتصاد منذ ذروة أزمة الديون الأوروبية التي شهدها الاقتصاد الايطالي عام 2013.

وقال محللون في مجموعة “سيتي جروب” المصرفية الأميركية إن الضربة للاقتصاد الإيطالي خلال ربع العام الحالي ستكون كبيرة حتى لو استغرق احتواء الفايروس أسبوعا واحدا فقط.

وعلى غرار بقية البورصات العالمية، سادت موجة هلع جلسة التداولات في وول ستريت الاثنين بسبب التزايد الكبير في الأيام القليلة الأخيرة في أعداد المصابين بالفايروس خارج الصين.

يتوقّع اقتصاديون أن يؤدّي الاضطراب الناجم عن الفايروس إلى ضرب النشاط الاقتصادي بشدة خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث من المحتمل ألّا يسجل الاقتصاد العالمي نموّا ملموسا خلال هذه الفترة.

وأغلقت بورصة وول ستريت جلسة التداولات الاثنين على خسائر حادّة لم يعرف مؤشر داو جونز مثيلا لها منذ عامين، وشهد مؤشّر داو جونز الصناعي أسوأ جلسة له على الإطلاق.

وكانت بورصة طوكيو مغلقة الاثنين، لتفتح الثلاثاء على تراجع كبير تجاوز الأربعة في المئة في المبادلات الأولى.

وحذّرت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، الأحد خلال اجتماع لمجموعة العشرين في السعودية من أن الوباء وهو حالة طوارئ صحية عالمية، قد تعرّض “انتعاش الاقتصاد العالمي” للخطر.

وقال كوينسي كروسبي، الخبير في مؤسسة “برودنشل فاينانشل”، إنّ ردّ فعل السوق طبيعي: البيع الآن وطرح الأسئلة لاحقا.

وأضاف “مع كل وباء ينصبّ اهتمام السوق على أمرين هما مدّة الوباء واتجاهه. ما أثار اهتمام السوق منذ نهاية الأسبوع الماضي هو أنّ الفايروس ينتشر، إنّه يهاجر”.

إجراءات وقائية متأخرة

الفايروس يعيق إقامة مسابقات رياضية وتصوير أفلام عالمية

يشكّك خبراء بجدوى قرارات جديدة اتخذتها الصين في محاولة للحدّ من انتشار الوباء، خاصة بعد انتشاره في دول عديدة خارج حدودها، وبالأخصّ في إيران التي حثّت فيها وزارة الصحة الإيرانيين البقاء في المنازل.

وتحظر القرارات الصينية الجديدة تجارة الحيوانات البرية وتناولها. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة أن الحظر يشمل الحيوانات البرية التي يجري تربيتها أو الموجودة في حدائق الحيوان. وبموجب قرار الحظر، سيعاقب بشدّة كل من يقوم بمزاولة صيد الحيوانات البرية والاتجار فيها ونقلها.

ويشمل القرار فرض رقابة صارمة على استخدام الحيوانات البرية في البحث العلمي أو للأغراض الطبية، والذي سيتطلّب الحصول على إذن.

ويقول علماء من منظمة الصحة العالمية إنّ التحليل الوراثي للفايروس يشير إلى أنه ربما انتقل أصلا من الخفافيش.

وظهرت العديد من حالات الإصابة الأولى بالفايروس من مدينة ووهان الصينية، حيث ينتشر بيع الحيوانات البرية، بما في ذلك الثعابين والقطط والخفافيش، في سوق لبيع المنتجات واللحوم الطازجة.

ومع ذلك، تشير دراسة جديدة أجراها علماء صينيون إلى أن السوق لم يكن السبب الرئيسي لانتشار الفايروس. وتشير الدراسة إلى أن الفايروس ربما يكون قد انتشر على نطاق واسع في ووهان بحلول منتصف نوفمبر، مع عدم إدراك الأشخاص أنهم مصابون بسبب أعراض الفايروس الخفيفة.

ويحبس العالم أنفاسه وهو يتابع الأخبار التي تؤكد أن انتشار الفايروس قد طال أيضا قطاع الترفيه، حيث أعلن عن توقّف إنتاج الفيلم الجديد من سلسلة “ميشين إمبوسيبل” في إيطاليا بعد تفشّي الفايروس، وفق ما أعلنت استوديوهات “باراماونت”.

وقال ناطق باسم الشركة مؤكدا معلومات أوردها موقعا “ذي راب” و”بيبول” المتخصّصان “حرصا على سلامة الممثلين وفرق العمل وأمنهم، ومع الجهود التي تبذلها سلطات فينيسيا للحدّ من التجمّعات لمواجهة فايروس كورونا المستجد، قررنا إجراء تعديلات على برنامج التصوير الذي كان مقرّرا لثلاثة أسابيع”.

وانعكست الفوضى التي يسببها تفشي الفايروس، على الأحداث الرياضية لاسيما في أوروبا، حيث ستقام مباريات كرة قدم في إيطاليا خلف أبواب موصدة.

وأرجئت أربع مباريات ضمن الدوري الإيطالي كانت مقررة في 23 فبراير. ومساء الاثنين، أعلن مسؤول حكومي أنّ ستّ مباريات مقررة في الدوري المحلي نهاية الأسبوع الحالي، أبرزها القمة بين يوفنتوس وإنتر ميلان، ستقام من دون جمهور.

إجراءات مماثلة اتخذت في الصين واليابان وكوريا الجنوبية. وأعلنت الكويت التي سجلت ثماني إصابات عن وقف كل النشاطات الرياضية لفترة أسبوعين. أما إيران، التي سجلت حتى الثلاثاء وفاة 15 شخصا بسبب الفايروس، فكانت أعلنت في نهاية الأسبوع وقف النشاطات الرياضية لعشرة أيام.

ماذا بعد؟ إلى أن يعلن من بلد ما، من مخبر ما، عن اكتشاف علاج لكورونا المستجد، الخيال وحده هو الحدود لما يمكن أن نواجهه، حتى تلك اللحظة سنكتفي بحبس الأنفاس.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: