لماذا انتصرت ثورة الابتسامة في الجزائر؟

بعد سنة فقط من اندلاعها حققت ثورة الابتسامة في الجزائر من المكاسب ما لم تحققه الحكومات المتعاقبة منذ استقلال أرض البلد سنة 1962. ومن الإجحاف والتسرع أن يصدر بعض المعلقين أحكاما توحي أنها فشلت في تحقيق أهدافها. فإما أن هؤلاء اختلقوا لها أهدافا ليست أهدافها من أجل محاربتها وإما أنهم لم يتمكّنوا من الوقوف على المكاسب المعنوية التي جناها الجزائريون من انتفاضتهم المستمرة وتصديهم لكل ألاعيب النظام وإحباطها.

وعلاوة على أن الثورة لا تزال في عنفوانها وهي تحتفل بالذكرى الأولى لقيامها كما يبدو ذلك جليا من جمعة احتجاجية شعبية إلى أخرى ومن ثلاثاء شباني طلابي إلى آخر، فقد انتقلت بالجزائر إلى مرحلة جديدة حاسمة في بناء دولتها العصرية التي ستكون على أسس شرعية ديمقراطية إذ كنست الانتفاضة الشعبية كل ما له علاقة بالشرعية التاريخية.

“تبون رئيس مزوّر جاء به العسكر”، عبارة تقرأ على ألوف اللافتات وترددها ملايين الحناجر. بلغ الظالمون المدى، ألم يقل أحدهم قبل الـ22 من فبراير مستهترا في نقاش مغلق حول ترشيح عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة خامسة وهو شبه ميت: هذا الشعب يمكن أن يرضى حتى بترشيح جَمل للانتخابات الرئاسية!

فعلا فمن كان يتنبأ بانتفاضة هذا الشعب الذي صبر مدة 57 سنة وهو يرى عصابة تنهب خيرات بلده وتعبث بمصيره باسم الثورة التحريرية والثورة الزراعية والصناعية..؟ ألا يعتبر هذا الاستيقاظ والصمود لوحده مكسبا لا يقدّر بثمن؟

لقد خلق الشعب الجزائري المفاجأة واكتسح الساحة الإعلامية العالمية منذ الـ22 من فبراير 2019 وبعثر أوراق النظام وحلفائه في الخارج. وخيب ظن الذين كانوا ينتظرون نهاية الحراك وعودة المياه إلى مجاريها العكرة. وليس هذا فحسب بل انتصر الجزائريون على السمعة السيئة التي ألصقت بهم وأظهروا أنهم سلميّون.

“سلمية سلمية” قولا وفعلا طيلة عام كامل رغم تحرشات قوات الأمن أحيانا كثيرة واعتقالات الشبان والشابات في كل جمعة وفي كل مدينة.

مع ذلك استعادت الثورة الفضاء العام وأعادت النقاش السياسي إلى قلب الحياة الجزائرية والتقى الجزائريون بعد ما فرّقهم النظام باختلاق النعرات الجهوية والإثنية والدينية فتصالحوا مع أنفسهم وعرفوا تحولا سيكولوجيا إيجابيا كبيرا انتقل بهم من كره الذات الاجتماعية وجلدها إلى شعور اعتزاز كبير بها.

مع انتفاضتهم في وجه الطغمة الحاكمة كرجل واحد أدرك الجزائريون أن الهوية ليست صراعا بينهم وإنما هي التعايش السلمي مع الاختلاف. ومن فضائل الثورة أنها علّمت الجزائريين كيف يتجاوزون مختلف الانقسامات التي زرعها النظام في أذهانهم منذ الاستقلال من أجل إلهائهم لتسهل الهيمنة على حياتهم.

على المتسرعين في إطلاق الأحكام السلبية ضد الحراك والذين لا يرون في المظاهرات الأسبوعية سوى مجرد فولكلور أن يتذكروا كيف كان حال العباد في الجزائر قبل الـ22 فبراير 2019! ألم يكن الاكتئاب رياضة وطنية؟ وفقدان الأمل في التغيير شبه ثقافة سياسية عامة؟ أما اليوم فليس هناك أمل في التغيير فحسب بل هناك الإرادة والطاقة اللازمتين لفرضه. ألا يعرف بعض المثقفين المتلهفين لحصد النتائج أن نتائج الخيار “السلمي” السياسية تتطلب وقتا طويلا كي تتحقق؟

سيكون العام الثاني من الثورة عام فتح الورشات النضالية والفكرية المتنوعة وسيتم شحذ أجندة سياسية مضادة لأجندة النظام.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: