عدد سكان مصر 100 مليون.. نقمة وليس نعمة
يحذر الخبراء من تواصل ارتفاع عدد سكان مصر، الذي بلغ حاليا 100 مليون نسمة. ويتوقع أن يرتفع في ظل فشل السياسات الحكومية لتحديد النسل وفشل توعية العائلات. وبات هذا الارتفاع يشكل تهديدا للأمن القومي المصري لا يقل خطرا عن تهديد الإرهاب، في ظل ارتفاع نسبة الفقر والبطالة ضمن وضع يرسم مستقبلا قاتما للمواليد الجدد.
كان مولد الطفلة ياسمين رمضان ربيع التي أكملت عدد سكان مصر 100 مليون مواطن يعيشون في البلاد، حدثا سعيدا بلا شك بالنسبة لأسرتها، لكن وصول عدد سكان البلاد إلى هذا الرقم لا يعني ذلك بالنسبة لمصر التي تكافح لاحتواء انفجار سكاني، لأن ارتفاع معدّل المواليد يمثّل تهديدا للأمن القومي، مثله في ذلك مثل الإرهاب.
أطلقت الحكومة المصرية العام الماضي مبادرة لتنظيم الأسرة، تحت شعار “اثنين كفاية”. وافتتحت عيادات لتنظيم الأسرة في مختلف أنحاء البلاد، حيث يمكن للمواطنين الحصول على وسائل منع الحمل مقابل أسعار زهيدة للغاية.
وتضمّنت الحملة إرسال متطوعين إلى المنازل لإقناع الأزواج بعدم إنجاب عدد كبير من الأطفال. لكن الكثير من الأطباء والنشطاء يرون أن الجهود الحكومية جاءت متأخرة لمواجهة الزيادة السكانية التي تفاقم التحديات أمام دولة يعيش حوالي ثلث سكانها تحت خط الفقر.
يعدّ فشل الحكومة المصرية من أهم عوامل ارتفاع زيادة معدل المواليد في مصر. وعندما أوقفت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تمويلها لبرنامج مصر لتنظيم الأسرة عام 2008، كان معدل الإنجاب في البلاد آنذاك 3 أطفال لكل سيدة، مقابل 5.6 طفل في عام 1976.
وارتفع معدل استخدام وسائل منع الحمل من 18.8 بالمئة إلى 60.3 بالمئة خلال نفس الفترة التي أنفقت فيها الولايات المتحدة 376 مليون دولار لتمويل برامج تنظيم الأسرة في مصر، بحسب تقرير عن المشكلة السكانية بمصر أعدّه الباحث الأميركي تيموثي كالداس، المتخصّص في ملف التحولات السياسي والاجتماعية والعلاقات المصرية الأميركية، وقد عمل أستاذا زائرا بإحدى الجامعات الخاصة في مصر.
منذ ذلك الوقت، تجاهلت الحكومات المصرية المتعاقبة قضية تنظيم الأسرة، ليرتفع معدل الإنجاب إلى حوالي 3.5 طفل لكل سيدة، في حين أن متوسط معدل الإنجاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يصل إلى 2.8 طفل لكل سيدة.
الثقافة الإنجابية
نقل التقرير الذي أوردته وكالة بلومبرغ عن عدد من الأطباء القول إن مبادرة “اثنين كفاية” لم تحظ بتنظيم جيّد، بل افتقدت إلى الاستراتيجية الواضحة لخفض معدّل الإنجاب.
وتعدّ الموارد المالية المخصّصة للمبادرة ضئيلة للغاية، مقارنة بالبرامج السابقة، وتعاني بعض عيادات تنظيم الأسرة المشاركة في المبادرة من نفاد وسائل منع الحمل.
وتقدّم عيادات تنظيم الأسرة بعض الثقافة الإنجابية للمترددين عليها، لكن التربية الجنسية من المحظورات في المدارس المصرية. وهذا يعني أن كثيرا من المواطنين يفتقدون إلى المعرفة العملية بخيارات تنظيم الأسرة المتاحة أمامهم.
في نفس الوقت، فإنّ غياب الخدمات العامة للفئات الأشد احتياجا في مصر من الفقراء والمسنين، يمثّل وجها من وجوه فشل الحكومة المصرية في التعامل مع ملف الانفجار السكاني، فكثير من المواطنين يختارون إنجاب عدد كبير من الأبناء على أمل أن يتولّى هؤلاء الأبناء رعايتهم في المستقبل. وهي ظاهرة موجودة في الدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر والتي تفتقد إلى شبكات الضمان الاجتماعي المناسبة.
وفي حين يعيش في مصر نحو 30 مليون شخص تحت خط الفقر، فإن 9.4 مليون شخص فقط هم الذين يحصلون على مساعدات مالية من الحكومة عبر برامج الحماية الاجتماعية مثل “تكافل” و”كرامة”، وتم تبنيهما في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبّقته مصر بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي خلال السنوات الماضية، والذي تضمّن تقليص الدعم الحكومي في مجالات عدة، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 30 في المئة قبل أن يتراجع العام الماضي إلى نحو 9.6 في المئة.
ورأى الباحث الأميركي، الذي عمل أيضا مستشارا مستقلّا في إدارة المخاطر، وباحثا غير مقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بواشنطن، أن المستقبل يبدو قاتما بالنسبة للمواليد الجدد في مصر، مثل الطفلة ياسمين التي تحمل رقم “100 مليون”.
وساهم نقص المساعدات الحكومية للفقراء في ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وأصبح نحو نصف الأطفال دون الخامسة يعانون من فقر الدم و29 في المئة منهم يعانون من توقّف النموّ، وسيتحوّل هذا إلى انخفاض في إنتاجية العامل مع وصول هؤلاء الأطفال إلى سن العمل، ليضاف تحدّ جديد إلى التحديات الاقتصادية التي طال أمدها في مصر ويقلّص ضعف مستوى التعليم الحكومي من فرص استفادة الاقتصاد المصري من ضخامة حجم القوة العاملة.
فشل المسؤولين
بحسب تقرير التنافسية الدولية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يحتلّ الخرّيج المصري المركز 133 من بين 141 دولة، على مؤشر المهارات العملية. وتحتلّ مصر المركز 129 بين 141 دولة من حيث كفاءة التدريب المهني. ورغم أن الدستور المصري يُلزم الحكومة بتخصيص 4 في المئة،على الأقلّ، من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق على التعليم، فإن الحكومات لا تلتزم بهذا النص على الإطلاق.
ويضاعف العدد الكبير للسكان في مصر العديد من المشكلات الأخرى، منها على سبيل المثال أزمة المياه. فرغم محدودية موارد المياه في مصر التي تعتمد بشكل شبه حصري على نهر النيل، فشلت الحكومات المتعاقبة على نحو منهجي في تطوير أنظمة مناسبة للحدّ من هدر المياه، الناجم عن المشروعات العملاقة المستنزفة للمياه، أو إلقاء المخلفات في نهر النيل.
ما زال الفشل يلاحق جهود المسؤولين المصريين للمحافظة على المياه. ففي عام 2018 قررت الحكومة تخفيض المساحة المزروعة بالأرز باعتباره محصولا كثيف الاستهلاك للمياه، لكن سرعان ما عادت مساحات الأرز إلى الزيادة في العام التالي.
وتحتاج العاصمة الإدارية الجديدة التي تقيمها مصر حاليا إلى حوالي 650 ألف متر مكعب من المياه يوميا بعد الانتهاء من بنائها. والفشل في التوصل لحلول فعّالة لمواجهة مشكلة هدر المياه سوف تكون له عواقب وخيمة، خاصة مع استمرار النموّ السكاني السريع.
الكثير من المشكلات الاقتصادية الجوهرية في مصر ليست ناجمة عن نقص الموارد المالية وإنما عن فشل الإدارة
ولوقف تدهور مستوى المعيشة في مصر، يرى بعض الخبراء أن البلاد بحاجة إلى تحقيق نموّ اقتصادي بمعدل يبلغ ثلاثة أمثال معدل نمو السكان. وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إن بلاده تحتاج إلى نموّ الاقتصاد بمعدل 7.5 في المئة سنويا، على الأقل، لمواجهة النموّ السكاني. وفي المقابل، فإن معدل نموّ الاقتصاد حاليا دون 6 في المئة، في حين تسجّل القطاعات غير النفطية انكماشا.
وبحسب بلومبرغ فإن المستثمرين يواجهون صعوبات عدة تبدأ من غموض اللوائح المنظمة، ولا تنتهي بالمشكلات في الالتزام بالعقود، ما ضيّق الخناق على القطاع الخاص.
وفي أحدث كتبه “إصلاح الاقتصاد السياسي في مصر” قال خالد إكرام، المدير السابق لإدارة مصر بالبنك الدولي، إن الكثير من المشكلات الاقتصادية الجوهرية في مصر ليست ناجمة عن نقص الموارد المالية وإنما عن فشل الإدارة. وفي ظل النموّ السريع لسكان البلاد، يتقلّص هامش الخطأ المسموح به أمام الإدارة.