ارتباك السلطة الجزائرية يعمق الهوة مع قوى الحراك
استبقت السلطات الجزائرية، مؤشرات التصعيد الشعبي المنتظر مع احتفالية الذكرى الأولى لانطلاق الحراك الشعبي، بإجراءات استثنائية دخلت حيز التنفيذ في وقت مبكر، حيث تحولت العاصمة إلى مدينة محاصرة من كل المداخل، كما منعت السلطات الإدارية عقد ندوة لنشطاء سياسيين، لكن في المقابل أعلن رئيس الجمهورية يوم 22 فبراير يوما وطنيا للحراك.
وتعيش العاصمة الجزائر منذ مساء الأربعاء وضعا أمنيا استثنائيا، بعد وضع السلطات، إجراءات أمنية مشددة حيز التنفيذ، للحيلولة دون التحاق المحتجين بالمظاهرات الشعبية المنتظرة الجمعة والسبت، بمناسبة مرور عام كامل على انطلاق الحراك الشعبي في البلاد.
وذكر مصدر مطلع لـ”أخبارنا الجالية ”، أن التعليمات الأمنية الصارمة تتضمن تكثيفا قويا للحواجز الأمنية على مداخل وتخوم العاصمة، فضلا عن تسخير أعداد معتبرة من قوات الأمن، للحيلولة دون التحاق أعداد كبيرة من الجزائريين بالمسيرات الشعبية.
وسجل الموقف الرسمي للسلطات الجزائرية مفارقة لافتة، تنطوي على مناورات تقوم بها من أجل الالتفاف على الاحتجاجات الشعبية، وتحويلها الى “قميص عثمان”، ففيما أعلن الرئيس عبدالمجيد تبون، عن إقرار الثاني والعشرين من فبراير يوما وطنيا للحراك، تم منع ناشطين سياسيين في الحراك الشعبي من تنظيم ندوة سياسية بالعاصمة، فضلا عن الإقرار بحصار غير معلن على العاصمة.
وكان منظمو الندوة الموحدة للناشطين والفاعلين في الحراك الشعبي، قد تحصلوا صباح الخميس، على قرار من السلطات الإدارية للعاصمة بمنع عقد الندوة السياسية لأسباب غير مذكورة، وذلك بعدما تحصلوا في وقت سابق على موافقة من نفس السلطات لتنظيمها في قاعة حرشة حسان بالعاصمة.
وذكر بيان للمنظمين تحصلت “أخبارنا الجالية ” على نسخة منه، بأن “الناشطين ينددون بقرار المنع، رغم أن المسألة تدخل في صلب الحريات السياسية التي يكفلها الدستور”، وندد بما أسماه “الإجراءات الأمنية والبوليسية المطبقة على العاصمة، رغم الخطاب المتداول عن تكريس الحريات واحترام حقوق الإنسان”.
وتعتبر الندوة الملغاة أول نشاط سياسي مؤطر منذ بداية الحراك الشعبي الجزائري، حيث كان ينتظر مشاركة ممثلين عن 21 ولاية على الأقل، بالإضافة إلى ممثلين عن الجالية المهاجرة، كما أعد المنظمون ما سمي بـ”إعلان 22 فبراير”، وهو نص توافقي كان يعتزم هؤلاء عرضه خلال هذا المؤتمر، بغية حصر خطاب الحراك ومطالبه.
وذكر الناشط سعيد صالحي، بأن شعار “يتنحاو قاع” “يرحلوا جميعا”، كان أحد أهم المطالب الرئيسية للحركة الاحتجاجية، ويترجم رغبة الانتفاضة الشعبية في تحقيق التغيير السياسي الشامل والذهاب إلى انتقال ديمقراطي حقيقي.
وكان المنظمون يطمحون قبل قرار منع تنظيم الندوة السياسية إلى خلق جبهة تجمع كل مناضلي الحراك والقوى الموجودة فيه لاستعادة زمام المبادرة السياسية فضلا عن “تقريب نشطاء الحراك من جميع مناطق البلاد، وخلق قنوات اتصال وتواصل مؤطرة، وإفراز خطاب ومطالب سياسية محددة”.
ولفت البيان الصادر عن المنظمين، إلى أن النشطاء سيواصلون النضال والاحتجاج ضد النظام السياسي القائم، وأن المبادرة ستبقى مستمرة ومتمسك بها، لأن السلطة أبانت نوايا حقيقية للالتفاف على مطالب الشارع، وأن قرار المنع ينم عن خوف السلطة من ظهور طبقة سياسية منظمة ومهيكلة.
وكانت الأسابيع القليلة الفاصلة عن الذكرى الأولى لانطلاق الحراك الجزائري، قد عرفت تصعيدا شعبيا قويا، حيث أحيا سكان كل من مدينة خراطة شرقي العاصمة، وخنشلة في شرق البلاد، مظاهرات احتجاجية إحياء للشرارات الأولى التي انطلقت فيهما للتنديد آنذاك بمشروع الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ويبدو أن السلطة لم تفلح في تفتيت الاحتجاجات، بعدما تعمدت تنظيم “دربي” دوري كرة القدم بين ناديي مولودية الجزائر واتحاد الجزائر، السبت على أمل استقطاب الشباب إلى المدرجات وإبعادهم عن الشارع السياسي، حيث عبرت المسيرات الأخيرة عن رفضها لما وصفته بـ“المناورة” وردت عليها بشعار “لا ليساما (اتحاد الجزائر)، لا المولودية.. الدربي يلعب في المرادية (قصر الرئاسة)”، في إشارة إلى أن الاهتمام الآن منصب على هرم السلطة.