تجريم الإثراء غير المشروع يؤجج خلافات التحالف الحكومي في المغرب

فجر مشروع القانون الجنائي خلافات داخل التحالف الحكومي في المغرب، وشكل بند الإثراء غير المشروع نقطة الخلاف، حيث تعارضه أكثر من جهة لها مصلحة في عدم تمريره أمام حالة توجس وقلق من خضوعها للمساءلة والمحاسبة.

وحاولت بعض الأحزاب سحب مشروع القانون من مجلس النواب وإعادته إلى مجلس الحكومة، حيث يتعلل وزير العدل محمد بن عبدالله، بكون هذه الحكومة ليست هي التي أتت بهذا المشروع وإنما التي سبقتها وبالتالي لا يمكن البت فيه.

ويرى وزير العدل المغربي، أن الحكومة الحالية من حقها أن تُحاط علما بمشروع القانون الجنائي من أجل وضع بصمتها عليه، خصوصا أنه أُعدّ في سياق سياسي مختلف عن اليوم.

من جهته أكد مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بالعلاقات مع البرلمان وحقوق الإنسان، أن “تجريم الإثراء غير المشروع هو سبب البلوكاج (انسداد) في مشروع القانون الجنائي”.

ويبدو أن الصراع حول بند الإثراء غير المشروع أصبح ذا أبعاد سياسية محضة بعد أن تخطى أعضاء مجلس النواب ليصل إلى أعضاء الحكومة. ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، رشيد لزرق، أن “تجريم الإثراء بلا سبب يجسد ركيزة هامة من ركائز استراتيجية مكافحة الفساد”.

ويتابع لزرق لـ”أخبارنا الجالية ” قائلا “غير أن انشطار الأغلبية الحكومية يظهر عدم جدية الأحزاب في مواجهة هذه المعضلة، على اعتبار أن هناك قيادات سياسية تستمد قوتها في توفير الحماية السياسية للفاسدين”.

محمد أوزين: قانون الإثراء غير المشروع سيف موجه إلى الخصوم

ويرفض فريق حزب العدالة والتنمية في مجلس النواب التعديلات التي جرى تقديمها من قبل الأغلبية بخصوص الإثراء غير المشروع، رافضا سحب مشروع القانون من لجنة العدل بمجلس النواب.

واقترح العدالة والتنمية تقدیم “تعديل استدراكي” على هذه الجريمة، لكن حلفاءه رفضوا ذلك، فتقرر رفع هذا الخلاف إلى زعماء أحزاب الأغلبية للبت فيه.

وينص مشروع القانون الذي أحالته الحكومة على البرلمان في 2016 قصد مناقشته ثم تبنيه، على فرض غرامات تتراوح بين 100 ألف ومليون درهم (نحو 10 آلاف إلى 100 ألف دولار) في حق أي شخص “تثبت زيادة كبيرة وغير مبررة لذمته المالية أو ذمة أولاده”، بعد توليه لمهمة أو وظيفة عمومية. ويرفض عدد من أحزاب الأغلبية الحكومية هذه الصيغة من مشروع القانون الجنائي، التي جاءت بها الحكومة السابقة لكونها تمس بمصالح عدد من قيادييها، ما جعل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان تمر بحالة انسداد غير مسبوق في ما يتعلق بالبت في هذا البند من القانون الجنائي.

ويرى مراقبون أن قيادات من أحزاب كثيرة تتخوف من مساءلتها حول طريقة تدبير ميزانيات تسيير الجماعات المحلية، خصوصا بعد قيام مصالح حكومية بالبحث في شكايات تقدمت بها بعض الهيئات ضد مجموعة من رؤساء الجماعات تتهمهم فيها بالإثراء غير المشروع منهم الجمعية المغربية لحماية المال العام التي تقدمت بشكاية لدى محكمة الاستئناف، ضد محمد مبديع القيادي بالحركة الشعبية، تتهمه فيها بتبديد أموال عمومية والاغتناء غير المشروع وخرق قانون الصفقات العمومية. ويستنتج لزرق أن “هذا التخاذل يظهر غياب الإرادة السياسية لدى أحزاب الأغلبية لإنجاح الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بداية من التباطؤ في تشريع النصوص الترتيبية اللازمة وعرقلة المصادقة البرلمانية على القانون الجنائي، وهكذا تتأكد عوائق في القيام بأبحاث في ملفات الفساد الكبرى بها شبهة الاغتناء غير المشروع لشخصيات عمومية لم تكن تملك شيئا”.

وخلف قانون الإثراء غير المشروع تباينا حادا داخل الأحزاب المغربية بين من يطالب بحذف العقوبات وأخرى تصرّ على تجريم الفعل.

وقالت فاطمة الزهراء برصات، النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية إن “تجريم الإثراء غير المشروع، سيسهم في محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، لكن يجب الحرص على تحقيق الغايات والأهداف من وراء التجريم في إطار احترام القانون”.

في المقابل دعا محمد أوزين عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية إلى “تأطير بند الإثراء غير المشروع حتى لا يتحول إلى سيف موجه ضد الخصوم، وإلى ضبط القانون بشكل جيد”، وأردف في تصريحات صحافية، أن “من يدافعون عن هذا القانون قد يكونون ضحية لاستعماله في تصفية الحسابات السياسية مستقبلا”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: