الرئيس الجزائري يطلق رسائل استباقية لاحتواء تصعيد مرتقب في الاحتجاجات
أطلق الرئيس الجزائري، رسائل غزل للحراك الشعبي، في خطوة استباقية للتصعيد الميداني المحتمل خلال الأيام القليلة المقبلة، مع الاستعدادات الجارية للاحتفاء بمرور عام على بداية الاحتجاجات في البلاد، وفي تلميح لاستقواء الرجل بالشارع تجاه غير المرحبين به في هرم السلطة.
وصرح الرئيس عبدالمجيد تبون، في الكلمة التي ألقاها بمناسبة لقاء الولاة (المحافظين) والحكومة بالعاصمة، أن “الحراك الشعبي حراك مبارك ولن يقهر لأن إرادته من إرادة الله”، وهي المفردات التي انطوت على رسائل سياسية لتهدئة الشارع عشية الاستعداد لإحياء الذكرى الأولى للحراك الشعبي.
ويستعد ناشطون ميدانيون إلى تصعيد المظاهرات خلال الأسبوع القادم، للضغط أكثر على السلطة من أجل الاستجابة للمطالب المرفوعة منذ شهر فبراير الماضي، وهو ما تجسّد، الأحد، في مسيرة وصفت بـ”المليونية” في مدينة خراطة التي شهدت اندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسلطة في السادس عشر من فبراير الماضي.
ويبدو أن الرئيس الجزائري الذي لم تستقرّ أوضاعه بعد في قصر المرادية، بسبب الارتباك الحاصل في هرم السلطة، وبروز بوادر عدم ارتياح بعض دوائر القرار عليه، من خلال التضارب المسجل في الآونة الأخيرة بشأن بعض القرارات السيادية، يريد التلويح بورقة الشارع من أجل الاستقواء على خصومه في السلطة.
حملة التضييقات لا زالت مستمرة خاصة في بعض مدن غرب البلاد، الأمر الذي كرّس شكوك المعارضين في نوايا السلطة
وذكر مصدر مطلع لـ”أخبارنا الجالية ”، أن “الرئيس تبون، لم تكن له كلمة قوية في التشكيل الحكومي لرئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، ولا في بعض التعيينات التي مسّت هرم بعض من المؤسسات السيادية، وأنه لم يفرض إلا اسمين فقط في الحكومة المذكورة، بينما وزعت الأسماء والحقائب من طرف دوائر نافذة في السلطة”.
وكانت مؤسسة الرئاسة قد أعلنت نهاية الأسبوع، عن حركة جديدة في سلك الأمناء العامين للمحافظات، بعد حركة مماثلة مسّت سلك الولاة (المحافظون)، وظهرت فيها بصمة التخلّص من وجوه موالية للنظام السابق، أو انحازت خلال الحملة الانتخابية للمرشّح عز الدين ميهوبي، بإيعاز من وزراء ومسؤلون سامون وحتى بعض جنرالات المؤسسة العسكرية.
كما شكّل سقوط ما يوصف بالذراع الإعلامية لنظام الرئيس بوتفليقة، مؤشرا على انتفاضة غير مُعلنة من طرف الفريق الرئاسي الجديد، لاسيما بعد الحملة التي شنّها مجمع النهار الإعلامي المملوك لمحمد مقدم (أنيس رحماني)، ضد تبون، أثناء الحملة الانتخابية، وأوحى إلى أن الرجل يتجه إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي، خاصة بعد الإيعاز لمدير حملته الانتخابية، والمكلّف حاليا بمهمة لدى الرئاسة، بالتعاطي مع وسائل الإعلام، رغم وجود وزير مستشار ناطق باسم الرئاسة محمد سعيد أوبلعيد، المعيّن في منصبه من طرف جهة غير الرئاسة.
وقال تبون في كلمته أمام الولاة المعوّل عليهم لتنفيذ برنامج حكومته، “لقد مرت سنة على ذكرى المواطنات والمواطنين في حراك مبارك سلمي تحت حماية الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، طالبا التغيير، ورافضا المغامرة التي كادت تؤدي إلى انهيار الدولة الوطنية وأركانها والعودة إلى المأساة التي عاشها بدمه ودموعه في تسعينات القرن الماضي وبكل سلمية”.
ولا زالت الاحتجاجات السياسية تعارض المؤسسات الجديدة، وتتمسّك بتحقيق المطالب الأساسية للحراك الشعبي، لتغيير سياسي شامل في البلاد، وتنحي النظام القائم، وتعتبر الرئيس تبون، “رئيسا غير شرعي ولا يمثّل الجزائريين، وأنه جاء بعد انتخابات مزورة مرفوضة من طرف الشعب”.
ومع ذلك تابع عبدالمجيد تبون في تصريحه “الشعب الجزائري هب لانتخابات شفافة ونزيهة.. تلكم كانت إرادة الشعب التي لا تقهر لأنها من إرادة الله”. وأشار إلى أنه وبعد انتخابه على رأس الجمهورية جدّد التزامه بالتغيير الجذري، ملبيا بذلك “ما كان متبقيا من مطالب الحراك المبارك”.
وأمام الشكوك غير المعلنة في الكادر الإداري المحلي، المكلف بتنفيذ سياسات الحكومة والتعاطي مع الانشغالات اليومية للمواطنين، شدّد الرئيس الجزائري على ولاة الجمهورية بضرورة “الالتزام بالتغيير على المستوى المحلي”، والسهر على تلبية احتياجات المواطنين، والابتعاد عن السلوكات السابقة والقديمة، لاسترجاع الثقة مع المواطن، والاستمرار في محاربة الرشوة واستغلال النفوذ بصرامة عالية، وعدم التمييز بين السرقة الكبرى والسرقة الصغرى”.
وفيما توعدت السلطة بمراجعة الوضع الإعلامي في البلاد، وقررت إطلاق سراح عدد من معتقلي الرأي، وعلى رأسهم الناشط السياسي إبراهيم لعلامي، الذي غادر السجن نهار أمس الأحد بمدينة برج بوعريريج، وقبله ناشطون آخرون في مدينة تلمسان، وفي مقدمتهم الطالبة الجامعية نور الهدى عقادي، فان حملة التضييقات لا زالت مستمرة خاصة في بعض مدن غرب البلاد، الأمر الذي كرّس شكوك المعارضين في نوايا السلطة، بسبب ما وصفوه بـ”التحرر بيد والاعتقال بيد أخرى”.
وتعدّ كلمة عبدالمجيد تبون، هي الثانية من نوعها منذ انتخابه رئيسا للبلاد في الثاني عشر ديسمبر الماضي، وأول ظهور له في الجبهة الداخلية، حيث لم يسجل له أي تحرك ميداني لحد الآن، وهو ما يترجم مخاوف السلطة من المغامرة بالخروج الميداني، بسبب استمرار الاحتجاجات الشعبية
في البلاد.