الواحات المغربية مهددة بالزوال بسبب الجفاف الناجم عن التغير المناخي

تحيط جذوع نخل يابسة بأطلال بيت طيني تهاوت جدرانه بعد أن هجره أهله، في مشهد يؤكد أن خطر زوال الواحات بسبب الجفاف «حقيقي لا مبالغة فيه»، حسبما يقول محمد الهوكاري، أحد أبناء واحة سكورة في جنوب شرق المغرب.
ويقف الهوكاري (53 عاما)، وهو ناشط مهتم بالبيئة، إلى جانب ساقية جافة في المكان، مضيفا «نشأت في هذه الواحة وأنا شاهد على تقلصها تدريجيا. التصحر هنا جلي بالعين المجردة، بينما اختفت كيلومترات مربعة عدة في واحات أخرى».
وواحة سكورة جزء من الواحات التي ضمت على مدى قرون تجمعات سكانية وأنشطة زراعية وتراثا معماريا وثقافيا متميزا، مستفيدة على الخصوص من موقعها على طريق القوافل التجارية القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء.
وشكلت الواحات في الماضي حاجزا طبيعيا في مواجهة الصحراء الكبرى الممتدة شرقا وجنوبا.

«الكل هرب»

ونبّه بيان لمنظمة «غرينبيس» الناشطة في مجال الدفاع عن البيئة، أخيرا، إلى أن الواحات «تواجه خطر الزوال، وعلينا التحرّك سريعاً لنجدتها!».
وأشارت إلى أن ارتفاع الحرارة الناجم عن التغير المناخي «يهددها بالزوال لما له من تأثير كبير على مواردها المائية. فقد انخفضت المحاصيل الزراعية ونشاطات تربية المواشي ما أدى إلى نزوح سكانها».
وحدها أشجار الزيتون ما تزال صامدة مستظلة بأشجار نخيل في حقول صغيرة متناثرة في اتجاه مركز الواحة غربا، وسط تربة صفراء عارية يمكن رؤية تشققات فيها نتيجة انحباس المطر.
ويقول الهوكاري «لن يصدق من يرى هذه المساحات الجرداء أن أشجار الرمان والتفاح كانت تزهر هنا!». ويضيف متحسرا «لم نكن نأكل سوى الخضار والفواكه التي كانت تزرع في بساتين هذه الواحة، وذلك حتى ثمانينات القرن الماضي».
وتفيد أرقام رسمية أن المغرب فقد ثلثي أشجار النخيل في الواحات خلال القرن الماضي، والتي كانت تقدر بـ14 مليون نخلة.
وتُسقى أشجار الزيتون من مياه الآبار التي صارت أعمق من أي وقت مضى. وتقع في حقول صغيرة تخترقها طرق ملتوية غير معبدة تكاد تكون خالية من أي حركة.
وتفضي تلك الممرات إلى مركز الواحة حيث تتجاور بيوت طينية على الطراز المعماري التقليدي وأخرى إسمنتية. وبينما كانت المنطقة تجذب مزارعين للاستقرار فيها قبل سنوات، تراجع النشاط الزراعي وهجرها أغلب شبابها للعمل في مدن أخرى.
ويعرب المزارع أحمد عن يأسه قائلا «أنا مستعد لبيع أرضي لو أجد شاريا، لكن الكل هرب!».
واستقر هذا الخمسيني ذو السحنة السمراء مع عائلته هنا قبل 25 عاما «حين كانت المنطقة خضراء والماء متوفرا، لكن الجفاف قضى على كل شيء». كما يقول بصوت منخفض شاكيا التكاليف الباهظة لمضخات المياه الكهربائية.
وحسب شهادات لسكان المنطقة، كان استغلال «الفرشة المائية» (المياه الجوفية القريبة من سطح الأرض) متيسرا على عمق 7 إلى 10 أمتار حتى الثمانينيات، بينما يتوجب التنقيب عنه أمس في عمق يفوق 40 مترا.
وفاقم الإقبال المتزايد على المضخات الكهربائية استنزاف «الفرشة المائية» في رأي عبد الجليل (37 عاما)، الذي يقضي معظم العام بين مدينتي مراكش وأغادير حيث يعمل كهربائيا، ويقول «لم تعد لنا حياة هنا، كل الشباب هجروا الواحة».

«توعية السكان»

ويشاطره الهوكاري الرأي، متأسفا على التخلي عن الطرق التقليدية التي كانت تستعمل في الواحات لتوزيع المياه «بطريقة اقتصادية ومعقلنة بين السكان»، مشيرا بشكل خاص إلى تقنية «الخطارات» وهي سواقٍ (جمع ساقية) تحت أرضية تحفظ المياه لوقت أطول وتوزعها على السكان وفق نظام معين.
وأوضح لحسن ميموني، عميد كلية مدينة ورزازات، في مؤتمر احتضنته المدينة أواخر الشهر الماضي حول السياحة التضامنية في الواحات «الأنشطة الواحية تعتمد على المياه الباطنية التي تغذيها الثلوج على رؤوس الجبال، لكن ارتفاع الحرارة في الثمانينيات والتسعينات جعل هذا الفضاء يعاني كثيرا».
من الواحة، يمكن رؤية بعض قمم الجبال المكسوة بالثلوج في مشهد يناقض جفاف الواحة الجرداء. ولم تكن السماء رحيمة هذه السنة بما يكفي لتروي ظمأ الوديان التي تخترق الواحة وتلطف حرارتها المرتفعة نهارا.
وتظهر آثار الجفاف في الوديان على طول الطريق الجبلية الوعرة من مراكش غربا إلى مدينة وارزازات فواحة سكورة شرقا.
وازدادت معدلات الجفاف في المغرب من مرة كل خمس سنوات إلى مرة كل سنتين، حسب تقرير حول تأثير المناخ على البلدان العربية نشرته «غرينبيس».
ويعتقد الهوكاري أن نجدة الواحة تمر أولا عبر «توعية» السكان بمخاطر التصحر، متأسفا على «اجتثات الكثيرين النخيل لبيعه إلى سماسرة يزينون به فيلات المدن، بسبب العوز وعدم الوعي بأهميتها في مواجهة التصحر».
وأطلقت «الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات» برنامجا لإنقاذ الواحات «مكّن من غرس ثلاثة ملايين شجرة»، حسب مدير الوكالة إبراهيم حفيدي الذي يشير إلى أن البرنامج يهدف إلى توفير «مليار متر مربع من الأراضي المروية بالمياه في أفق نهاية 2020 وهو برنامج يشهد تقدما».
ولا تهدد ندرة المياه الواحات والأنشطة الزراعية فحسب، بل كذلك مدنا شبه صحراوية مثل زاكورة (جنوب) التي شهدت في 2017 تظاهرات ضد الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب.
ولمواجهة مخاطر شُحّ المياه، أطلقت المملكة مطلع الشهر الماضي برنامجا للتزود بالماء بين سنتي 2020 و2027 كلفته 115.4 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار) يقوم على بناء 20 سدا كبيرا في مناطق مختلفة واستكشاف مواقع المياه الجوفية العميقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: