لماذا منعت موريتانيا وزير ثقافتها من السفر إلى المغرب

اتفق المشاركون في معرض البيضاء (يستمر حتى يوم الأحد) على أهمية تعميق الصلات الإنسانية والعلاقات الثقافية بين المغرب وموريتانيا، بعيدا عن حالات “سوء الفهم” التي تحدث بين الفينة والأخرى. جاء ذلك بعدما ترددت أنباء تقول إن موريتانيا منعت وزير ثقافتها في اللحظة الأخيرة من السفر لحضور المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة البيضاء، كما تم استدعاء وكيل الوزارة الموريتاني، مباشرة بعد حضوره إلى معرض البيضاء وتم إعفاؤه من مهماته. ولكن هل جاء التعليل الموريتاني للمقاطعة الرسمية للافتتاح مقنعا؟.

حلت موريتانيا ضيفة شرف على فعاليات الدورة السادسة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء. لكن هذا اللقاء الثقافي بين المغرب وجارته الجنوبية سرعان ما اهتز على وقع أخبار تقول إن موريتانيا منعت وزير ثقافتها من حضور مراسم افتتاح الدورة الأخيرة من معرض البيضاء للكتاب. كما ترددت أنباء عن إعفاء وكيل وزارة الثقافة الموريتاني، في الوقت الذي حل فيه هذا الأخير على رأس الوفد الموريتاني في المغرب.

لكن بلاغات وتصريحات رسمية من الجانب الموريتاني نفت ما تردد خلال الأيام الماضية، مؤكدة على عمق الروابط والعلاقات المتينة التي تجمع البلدين الجارين. وهي العلاقات التي كثيرا ما تتعرض لحالات من سوء الفهم، كما كان يقول الكاتب الإسباني الراحل خوان غويتسولو، كلما تحدث عن أزمة من الأزمات التي كانت تحدث بين المغرب وجارته الشمالية إسبانيا.

وهي حالة سوء الفهم التي تنطبق، أحيانا، على علاقاته التاريخية مع جارته الجنوبية موريتانيا. لكن المسؤولين في البلدين سرعان ما يجدون في المشترك الثقافي والحضاري بين الشعبين سندا في تمتين العلاقات وربط الصلات من جديد، بعيدا عن أي شائعات، وبمنأى عن المزايدات.

غياب وزير الثقافة الموريتاني سيدي محمد ولد غابر عن افتتاح معرض البيضاء طرح أكثر من علامات استفهام، بينما ترددت أنباء حاولت تقديم إجابة عن هذا الغياب، وهي الأنباء التي حاولت إقناع الرأي العام بوجود أزمة بين البلدين، حين تحدثت عن منع الوزير الموريتاني من زيارة المغرب.

لكن وزارة الثقافة الموريتانية عادت في بيان لها، لتؤكد أن وزير الثقافة سيدي محمد ولد غابر إنما “غاب عن المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء بسبب انشغالات إدارية قاهرة”. كما أوضح بيان الوزارة أن تعليمات صدرت للوزير بتقديم انشغالاته الإدارية على المشاركة في المعرض. وهو البيان الذي أكدت فيه الوزارة اهتمامها بمعرض الدار البيضاء للكتاب وتثمينها لاختيار موريتانيا ضيفة شرف المعرض.

غياب وزير الثقافة الموريتاني سيدي محمد ولد غابر عن افتتاح معرض البيضاء طرح أكثر من علامات استفهام

كما أشار البيان إلى أن موريتانيا تشارك بوفد رفيع ضمن فعاليات المعرض، منذ افتتاحه. قبل ذلك، نفى وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين بالخارج إسماعيل ولد الشيخ أحمد “حصول أي توتر في العلاقة بين موريتانيا والمغرب”، معتبرا أن ما أسماها “الشائعات المنتشرة حاليا” إنما “تدخل في إطار التشويش على العلاقات الجيدة بين البلدين”. فيما عاد رئيس الخارجية الموريتاني ليشدد على متانة العلاقات القائمة بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية والمملكة المغربية.

بلاد شنقيط

العلاقات والصلات الثقافية والتاريخية بين البلدين هي التي حرص برنامج معرض البيضاء على تمثلها، عبر سلسلة من اللقاءات والندوات الفكرية والأدبية، بدءا بالندوة الأولى عن “بلاد شنقيط.. مؤشرات التواصل الثقافي بين موريتانيا والمغرب”. ندوة صدرت عن قناعة راسخة مفادها أن الجانب الثقافي إنما يمثل المدخل الأساس لتقوية العلاقات بين المغرب وموريتانيا في مختلف المجالات. وهو ما ألمح إليه المتدخل الأول في هذه الندوة، أستاذ كرسي التاريخ في جامعة نواكشوط محمدو أمين، حين عاد إلى التذكير بالروابط الحضارية الضاربة في عمق التاريخ بين البلدين، قبل أن يقارب الموضوع انطلاقا من نموذج أدب الرحلات، أو ما أسماها “الرحلة الشقيقية”، والتي تعد نموذجا لرصد العلاقات بين موريتانيا والمغرب.

وهنا، توقف المتحدث عند الزيارات الكثيرة التي قام بها علماء موريتانيا للجار الشمالي، فضلا عن استقدام عدد من المكتبات من المغرب إلى بلاد شنقيط، وهي المكتبات التي شكلت وعي الموريتانيين وثقافتهم بشكل كبير. إلى أن أصبح العلماء الموريتانيون مساهمين في الإنتاج المعرفي والعلمي، كما هو الحال مع الشيخ محمد الأعظف كبير علماء البلد. وهو الموضوع الذي فصل فيه القول متدخل آخر هو علي ولد المرواني، رئيس مجلس إدارة المتاحف الوطنية في موريتانيا، حين تحدث عن دور الصلات التاريخية والثقافية بين البلدين في تشكيل هوية موريتانيا، في مرجعيتها العربية وعمقها الأفريقي.

بينما اختار المتحدث الفكر الصوفي مدخلا لإبراز هذه الصلات بين الثقافتين المغربية والموريتانية. مثلما شدد الباحث على دور بلاد شنقيط في الربط الثقافي ما بين الثقافتين العربية والأفريقية، على مر التاريخ، معتبرا أن المصنفات الفكرية والأدبية والمتون الكبرى التي شكلت ثقافة الشخصية الموريتانية هي نفسها المتون التي شكلت معارف المغاربة وثقافتهم، عبر قرون من التواصل والتبادل الثقافي بين البلدين.

حضور موريتاني

Thumbnail

رغم غياب وزير الثقافة الموريتاني فقد حضر إلى معرض البيضاء عدد من موظفي وأطر الوزارة، ومدراء مؤسسات موريتانية رسمية، إلى جانب أعضاء في ديوان الوزير سيدي محمد ولد غابر. وفي مقدمة هؤلاء نسيمة هنون، الملحقة بوزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان، والتي أعربت في تصريح خاص بـ”العرب” عن سعادتها بحلول موريتانيا ضيفة شرف على الدورة السادسة والعشرين من معرض البيضاء، حيث “حظينا بأجمل وأحسن ضيافة من قبل أشقائنا وإخوتنا المغاربة الأعزاء”، تقول مستشارة الوزير.

أما يحيى ولد أحمدو، المكلف بمهمة في ديوان وزير الثقافة، وهو منسق الوفد الموريتاني المشارك، فتحدث في لقائه مع “العرب” عن الدورة الحالية من المعرض، معتبرا أن هذه الدورة من المعرض قد “حققت نجاحا منقطع النظير، من حيث التنظيم والمحتوى، من محاضرات ومعروضات وليال شعرية وموسيقية”، كما أن “الطاقم المنظم على مستوى عال من ضبط الأمور والمسؤولية”، يضيف محدثنا، منوها بالكفاءات التي تسهر على إخراج المعرض وتنظيمه.

والأمر نفسه أشار إليه إمدو ولد عبدالرحمن، وهو مدير الكتاب والمطالعة العمومية لدى وزارة الثقافة الموريتانية، حين يذهب إلى أن “تفاصيل ودقة تنظيم هذا المعرض زاداني اطمئنانا على المملكة المغربية كبلد متقدم، وبلد للقاء الحضاري والثقافي”. ويضيف المتحدث أن المغرب كشف من خلال هذا المعرض عن ملامح “بلد متسامح ومنفتح على العالم، يجعل من الثقافة مصدرا لبناء الوطن والحضارة العالمية”.

وختم إمدو ولد عبدالرحمن وهو يؤكد اعتزازه بحلول موريتانيا ضيفة شرف على هذا المعرض الناجح، على حد توصيفه. أما مدير دار الرضوان الموريتانية للنشر محمد سالم محمد عبدالله، فأشار إلى قيمة الكتب المعروضة ودور المعرض في تداول الكتاب والترويج له، مشيدا، بدوره، باقتراح موريتانيا ضيفة شرف، متوقفا عند ما أسماه “الحس الإبداعي” للمنظمين في هذا المعرض.

وعبر سلسلة من الندوات واللقاءات الحوارية، وبعد برامج ليالي الشعر التي افتتحها الشعراء الموريتانيون في كل ليلة، يُسدل الستار على المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء، كما يسدل الستار على واحدة من حالات سوء الفهم التي لا تكدر صفو العلاقات بين بلدين جارين، يجمعهما التاريخ والجغرافيا، وتوحدهما الثقافة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: