أسلوب جديد لتدجين المعارضة في الجزائر
يبدو واضحا أن النظام الجزائري قد شرع الآن في تنفيذ سيناريو سياسي محكم يقوم على الانتقال من مرحلة السياسات القديمة المتمثلة في احتواء أحزاب المعارضة أو تشظيتها، كما كان الأمر في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة إلى سياسات الهيمنة الناعمة عليها. وهذه المرحلة يتصدر واجهتها السياسية الرئيس عبدالمجيد تبون.
تتميز هذه المرحلة بخصائص كثيرة منها تجنّب افتعال الاصطدام مع الأحزاب المدعوّة بالجناح الديمقراطي أو الانسياق وراء أيّ عنف رمزي أو مادي سياسي معها. ويرى عرَّابو هذه المرحلة أن الضرورة السياسية تقتضي الآن خوض عمليات تدجين أطياف أحزاب المعارضة الطامعة في نيل نصيبها من كعكة المناصب في سدَّة الحكم في المدى المنظور وجعلها في نهاية المطاف مجرّد ديكور استشاري للسلطة الفعلية.
لا شك أن قراءة بانوراما المشهد السياسي الجزائري منذ تولّي تبون منصب رئيس الجمهورية تبين أن هذا التوجه الأخير هو ما يؤكده نموذج المشاورات الفردية التي تجريها مؤسسة الرئاسة راهنا مع ما يسمّى بالشخصيات الوطنية ومع أحزاب المعارضة مقلّمة الأظافر، وهو ما تفصح عنه أيضا عمليات إطلاق سراح عدد من نشطاء الحراك الشعبي بالتقسيط وبشروط ما تزال طيّ الكتمان كما هو الأمر مع لخضر بورقعة الذي التزم الصمت في بيته منذ إطلاق سراحه حتى الآن.
من الواضح أيضا أن إطلاق سراح الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، وذلك بعد تسعة أشهر من اعتقالها بتهمة التآمر على أمن الدولة، وحكم عليها بـ15 سنة سجنا، يدخل بلا ريب في إطار تكثيف جرعات المحاولات التي يبذلها تبون وفريقه الاستشاري من أجل التفريغ النفسي التدريجي والمنهجي للاحتقان والنزاع السياسي في البلاد.
لكن الغريب في الأمر هو هذا التغيير المفاجئ للموقف الذي قام به النظام الجزائري تجاه لويزة حنون خلال هذا الأسبوع حيث برّأها من تهمة التآمر على أمن الدولة التي استبدلها بتهمة شكلية تتمثل في عدم تبليغها للسلطات المعنية لمحتوى الاجتماع شبه السرّي الذي حضرته إلى جانب الجماعة التي أرادت تنفيذ الانقلاب على الفريق قائد صالح وجماعته.
في هذا السياق يُطرح هذا السؤال: كيف يمكن تفسير هذا التغيّر المفاجئ تجاه لويزة حنون وهل حدث بسبب خطورتها السياسية أم من أجل تمكين النظام الجزائري من ممارسة لعبة خلق الأوضاع الجديدة باستمرار وعن قصد بهدف إشغال الرأي العام عن المسألة السياسية الحقيقية وهي أزمة شرعية الجماعة الحاكمة راهنا على مستوى مختلف أجهزة الدولة المركزية والطرفية؟
في الواقع، لا تشكّل لويزة حنون تهديدا للخيار النمطي للنظام القائم سواء في الماضي أو في الحاضر حيث عوّدت المشهد السياسي الوطني على أنها ليست لاعبا سياسيا راديكاليا خاصة وأن حزبها، المصنف في خانة اليسار التروتسكي، لم يساهم يوما في قلب الطاولة على أيديولوجيا الخيار الرأسمالي المتوحش المطبّق في الجزائر منذ حكم الشاذلي بن جديد وتعمّق أكثر في عهدي الرئيسين السابقين اليمين زروال وعبدالعزيز بوتفليقة.
أزمة لويزة حنون مزدوجة. يتمثل العنصر الأول من هذه الأزمة في أنها لم تقدم نموذجا للمرأة السياسية الديمقراطية في المجتمع الجزائري. والدليل على ذلك أنها سيطرت لأكثر من 20 سنة على حزب العمال وهو ما يتنافى مع تقاليد التناوب على السلطة.
ويتلخّص العنصر الثاني من أزمتها في كون حزب العمال الذي تقوده لم يتطور فكريا وشعبيا وتنظيميا وسياسيا وفق خصائص المجتمع الجزائري الذي ينخر التخلف الاجتماعي والفكري والثقافي والتعليمي مفاصل بنياته المختلفة.
في هذا الخصوص فإن كل الشواهد تؤكد أن حزب العمال لم يلعب دورا حاسما في تنمية الثقافة اليسارية ذات الخصوصية الوطنية في المجتمع الجزائري. كما أنه لم يؤسس منابر إعلامية لنشرها، وفضلا عن ذلك فإنه لم يناضل لكي تأخذ مكانتها في المناهج التعليمية. وبذلك يمكن القول إن الشريحة العمالية الجزائرية قد تُركت فريسة للأزمات الاقتصادية المتلاحقة وتداعياتها الاجتماعية الوخيمة ولإعلام الإثارة الذي يزيّف الحقائق، وجرّاء هذا يكون حزب العمال قد ساهم بقسط وافر في طمس فاعلية اليسار الجزائري.
على أساس ما تقدم يرى المراقبون السياسيون الجزائريون العارفون بتطورات الوضع الجزائري المتأزم أن إطلاق سراح لويزة حنون لا يقلق السلطات السياسية وإن كان يطرح بعض الأسئلة حول مصداقية القضاء الجزائري وتطبيقاته للقوانين من جهة. ومن جهة أخرى يعتقدون أن إطلاق سراحها يرمي في الجوهر إلى تحقيق التفريغ النفسي لبعض شحنات الغضب لدى جزء معين من مكوّنات الشارع الجزائري وهو اليسار التروتسكي.
ويدخل القرار أيضا في إطار صنع معادلات السياسة الناعمة في المشهد السياسي الجزائري سعيا لتثبيت شرعية تبون الذي يظهر نفسه بأنه رجل المصالحة، وأنه يميز بين العمل السياسي الشرعي الذي تمارسه الأحزاب السياسية المعارضة غير المتورطة في الفساد المالي والسياسي وبين “العصابة” التي سعت إلى تنفيذ الانقلاب بقيادة الجنرال محمد مدين، المدعو توفيق، والجنرال عثمان طرطاق وسعيد بوتفليقة وأعوانهم.