الملك محمد السادس يشخّص معضلة الهجرة في أفريقيا

شخّص العاهل المغربي الملك محمد السادس واقع الهجرة في أفريقيا خلال تقرير بشأن تفعيل المرصد الأفريقي للهجرة بالمغرب، والذي كان محور اهتمام قادة دول الاتحاد الأفريقي خلال أشغال القمة الأفريقية الأخيرة.

وأكد تقرير الذي قدّمه رئيس الوزراء المغربي سعدالدين العثماني على هامش القمة السنوية لدول الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا التي اختتمت أشغالها ليل الاثنين الثلاثاء، أنه بفضل المرصد، الذي سيحتضن المغرب مقره، “ستتوفر أفريقيا على أداة للمساعدة على اتخاذ القرار”.

وحسب التقرير، يشكّل المرصد الأفريقي للهجرة أداة لتطبيق مقتضيات الاتفاق العالمي للهجرة الذي وقع تبنّيه في مراكش ديسمبر الماضي، والذي يقرّ بضرورة التوظيف الأفضل للمزايا العالمية للهجرة مع الأخذ بعين الاعتبار الأخطار والتحديات المطروحة أمام المهاجرين والتجمّعات في الدول المصدرة للهجرة ودول العبور والاستقبال.

وكان الملك محمد السادس قد اقترح، في رسالة وجّهها إلى المشاركين في القمة السابقة للاتحاد الأفريقي، إحداث مرصد أفريقي للهجرة. وتبنّى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي مقترح الملك محمد السادس نظرا إلى الاستراتيجية المغربية الناجحة في تطويق هذه الظاهرة.

ويعدّ تقرير العاهل المغربي حول المرصد الأفريقي للهجرة بمثابة خارطة طريق لمكافحة الهجرة غير الشرعية بالقارة.

140 مليون مهاجر محتمل بسبب التغير المناخي، أي ما يناهز 86 مليون شخص ينتمون إلى أفريقيا جنوب الصحراء، بحلول 2050

وتتمحور وظائف المرصد الأفريقي للهجرة حول ثلاثة محاور تهمّ الفهم والاستباق والعمل. وستسمح أنشطته، بطبيعتها التقنية والعملية، بتكوين معرفة دقيقة بظاهرة الهجرة ورسم صورة أفريقية عنها والعمل على توحيد سياسة فعّالة حولها.

وأوضح التقرير أن المعطيات الدقيقة والقوية حول الهجرة تشكّل أدوات ضرورية لإعداد سياسات واضحة وفعالة ومطابقة للواقع، كما ستمكّن “تلك المعطيات من تحديد وجهات مواطنينا وشبابنا ونسائنا وأطفالنا ومعرفة مساراتهم ومعرفة الأخطار والتهديدات التي يواجهونها والدوافع التي جعلتهم يهجرون أماكنهم”، مضيفا أن الأمر يتعلق “بالاستباق والعمل ليس من أجل الإضرار بالمهاجرين ولكن من أجل توفير ظروف أفضل للعيش تسمح لهم بالانخراط في تنمية القارة”.

وحسب التقرير، ستوفر هذه الآلية الجهوية لجمع وتحليل وإدارة وتبادل المعطيات رافعة لتنمية أفريقيا، مبرزا أن المعطيات لن تمكّن من معرفة درجة تأثير المهاجرين على القطاعات الرئيسية للتنمية فحسب، بل ستسمح بتقييم السياسات العمومية للدول الأفريقية في قطاعاتها الاقتصادية، وزيادة تأثير الهجرة على التنمية سواء تعلّق الأمر بالدول المصدرة للهجرة أو دول الاستقبال لها.

وأوضح العاهل المغربي أن أفريقيا ستربح أيضا آلية في خدمة التنسيق حيث سيتطلّب المرصد تنسيقا مزدوجا على المستوى الوطني بين مختلف القطاعات، وعلى المستوى القارّي بين مختلف التجمعات الاقتصادية الجهوية، معتبرا أن توفير قاعدة بيانات محيّنة وشاملة وقابلة للمقارنة على الصعيد الجهوي والدولي هي مسألة حيوية في توحيد المنهجية في ما يتعلق بجمع وتحديد المفاهيم.

من جهة ثانية بيّن الملك محمد السادس أن الهجرة في أفريقيا تعاني من الانطباع الخاطئ، حيث يتم ربطها حصريا بالفقر، بيد أنها ظاهرة لها دوافع أخرى مثل التغيّر المناخي، الذي يشكل أحد الدوافع القوية للهجرة في أفريقيا.

وتعتبر أفريقيا القارة الأكثر تأثرا بظاهرة الهجرة البيئية الجديدة، إذ من بين 140 مليون مهاجر محتمل بسبب التغير المناخي، أي ما يناهز 86 مليون شخص، ينتمون إلى أفريقيا جنوب الصحراء، في أفق 2050.

وكشف التقرير أن الهجرة العالمية ليست أفريقية، حيث أن أقلّ من 14 في المئة من المهاجرين هم أفارقة، أي أقلّ من مهاجر واحد من بين 5 هو أفريقي.

مسار الهجرة الأفريقية جنوب – جنوب

وبيّن أن الهجرة الأفريقية هي هجرة داخلية، إذ يهاجر أقلّ من 3 في المئة من سكان القارة نحو الخارج. كما أن مسار الهجرة الأفريقية ليس جنوب – شمال وإنما جنوب – جنوب.

ومنذ 2005 ارتفعت الهجرة جنوب – جنوب بشكل سريع بالمقارنة مع الهجرة جنوب – شمال.

واعتبر التقرير الهجرة عاملا للتنمية، وقال إنه خلال سنة 2018 حوّل المهاجرون ما قيمته 529 مليار دولار إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما يمثّل غالبا مبالغ أكبر من تلك المخصّصة للدعم العمومي المرصود للتنمية والاستثمار الأجنبي المباشر.

لكن مع ذلك، تعتبر القارة الأفريقية أقلّ القارات تلقيا للأصول المالية بمبلغ يقدر بـ46 مليار دولار مقابل 143 مليار دولار في شرق آسيا والمحيط الهادئ، و131 مليار دولار في آسيا الجنوبية و88 مليار دولار في أميركا اللاتينية، و59 مليار دولار في أوروبا وآسيا الشرقية.

ويحرص المغرب على إيجاد حلول تخفّف من وطأة الهجرة غير الشرعية، وجهوده محلّ إشادة دولية، إضافة الى مساعيه المستمرة في رصد الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة ودوافع انتشارها.

ومكّنت جهود السلطات المغربية من خفض أعداد المهاجرين فلم يصل منهم سوى نحو 28 ألفا سنة 2019 إلى إسبانيا عبر البحر ما يمثّل انخفاضا بـ50 بالمئة مقارنة مع 2018، بحسب وزارة الداخلية الإسبانية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: