إطلاق سراح لويزة حنون بداية القطيعة مع عقيدة قايد صالح
قرّر القضاء العسكري الجزائري إطلاق سراح الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون بعد إبطال حكم سابق بسجنها 15 عاما، وتعكس الخطوة رغبة السلطة الجديدة بالجزائر بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى تهدئة الشارع الغاضب وطمأنة الأحزاب المعارضة مع اقتراب الذكرى الأولى للحراك الشعبي المتواصل.
ألمح الإفراج عن زعيمة حزب العمال الجزائري لويزة حنون، إلى تحول غير معلن في العقيدة السياسية التي انتهجتها السلطة الانتقالية التي أدارت شؤون البلاد لعدة أشهر، فبعدما كانت المجموعة المحبوسة في السجن العسكري بالبليدة، تصنّف في دائرة “العصابة”، تمّ إطلاق واحدة منهم وتبرئتها من تهمة التآمر على السلطة ومؤسسة الجيش.
وأفرج القضاء العسكري الجزائري، عن رئيسة حزب العمال لويزة حنون، بعد مرافعات المحكمة الاستئنافية، وتمت تبرئتها من التهم التي وُجّهت إليها، واكتفى القاضي بالنطق بحكم تسعة أشهر سجن نافذة، مفضيا بذلك إلى إطلاق سراح السجينة، لأن العقوبة كانت قد استنفذتها في السجن المؤقت.
ويعدّ إطلاق سراح حنون، تحوّلا جديدا في المشهد الجزائري، وخطوة تندرج في مسار محتشم من إجراءات التهدئة، ومع ذلك ترك ارتياحا لدى الطبقة السياسية والمنظمات الحقوقية والتكتّلات الإقليمية والدولية التي ينتمي إليها حزب العمال، حيث عبر الحزب عن “سعادته لإطلاق سراح زعيمته”، ووعد بالطعن لدى المحكمة العسكرية لنفي تهمة عدم الإبلاغ.
وصرّحت لويزة حنون، عقب إطلاق سراحها لوسائل إعلام محلية، بأنها “مناضلة سياسية دافعت عن أفكارها وأفكار حزبها، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تخون بلدها أو شعبها”، في إشارة لحملة التخوين والعمالة التي شنّت خلال الأشهر الماضية ضدها وضد ما يُعرف بـ”العصابة”.
ويبدو أن العقيدة السياسية التي تبنّتها السلطة الانتقالية خلال الأشهر الماضية، خاصة الرجل القوي حينها، القائد الراحل لأركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، آخذة في التقلّص بسبب بوادر التراجع عنها من طرف سلطة الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي أوعز للحكومة من أجل اتخاذ عدة إجراءات تهدئة، على غرار قرار العفو الشامل الذي شمل أكثر من ستة آلاف مسجون من بينهم ما يعرف بسجناء الحراك، فضلا عن تبرئة الناشط السياسي المعارض سمير بلعربي، وقبلهم أكبر سجناء الرأي سنّا المناضل المعارض لخضر بورقعة (86) عاما.
إطلاق سراح لويزة حنون يعدّ تحولا جديدا في المشهد الجزائري، وخطوة تندرج ضمن إجراءات التهدئة
وشنّت المؤسسات المذكورة حملة شرسة في مختلف الدوائر الرسمية وغير الرسمية، ضد ما كانت تصفهم بـ”العصابة” في إشارة لأركان نظام بوتفليقة أو المحسوبين عليه، وحمّلتهم كل المسؤولية بشأن الأوضاع التي آلت إليها البلاد، لكنها تغافلت على أن قيادة الجيش نفسها كانت جزءا من منظومة حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وذهب ناشطون ومعارضون في الشارع الجزائري، إلى أنّ ما جرى بعد تنحي الرئيس بوتفليقة، هو تصفية حسابات بين أجنحة النظام، والأمر لا يعني مطالب التغيير الشامل والرحيل الكلّي للسلطة، وهو ما تجلّى حتى في الشعارات المرفوعة في المسيرات الشعبية المستمرة.
ويبدو أن التصريحات التي أدلى بها سعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر والمستشار الشخصي للرئيس السابق، خلال المحاكمة، قد أثارت لغطا كبيرا، بعدما أجاب القاضي في أحد أسئلته “شقيقي لم يكن يريد الترشح لا في انتخابات 2014 ولا في 2019، وأن الجنرال قايد صالح، الذي كان يضغط عليه وعليّ من أجل إقناعه بذلك”، مما يلمح أن قائد الأركان الراحل كان قطعة أساسية وفعّالة في معادلة نظام بوتفليقة.
وكانت محكمة الاستئناف في القضاء العسكري، قد نطقت في ساعة متأخرة من مساء الأحد وأكدت الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية التي قضت بعقوبة 15 عاما سجنا نافذا في كل من سعيد بوتفليقة ومحمد مدين (توفيق) وعثمان طرطاق (بشير)، بتهمة التآمر والمساس بسلطة الجيش.
من جهته حاول رئيس الوزراء الجديد عبدالعزيز جراد استغلال الإحكام القضائية الأخيرة لطمأنة الشارع الغاضب والمصرّ على تغيير حقيقي.
وقال رئيس الوزراء إن الحراك الشعبي الذي بدأ قبل سنة من الآن يرفض تكرار ممارسات الماضي “الكارثية”.
وأضاف خلال عرض مخطط عمل حكومته على نوّاب البرلمان، بأن “أهم تحديات الفريق الحكومي هو المساهمة مع كل القوى السياسية والاجتماعية والنخب الوطنية في داخل وخارج البلاد، في إخراج بلادنا من مرحلة سياسية واقتصادية حرجة، إلى عهد جديد تستعاد فيه الثقة في مؤسسات البلاد، عبر إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، تمكّن الجزائر من تجاوز الأزمة التي عرفتها”.
وجاء ذلك رغم الفجوة العميقة بين السلطة والشارع، الذي يعتبر الإصلاح قد استنفذ صلاحيته، وأنّ التغيير الشامل ورحيل النظام، هو الحل الأساسي لبناء جمهورية جديدة وإقناع المحتجين بالعودة إلى بيوتهم.
وتابع جراد “سنعمل على تعزيز ضمانات ممارسة حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وترقية مجتمع مدني متحرر من القيود الإدارية، بما يجعله سلطة مضادة حقيقية، إلى جانب الصحافة ووسائل الإعلام التي سيتم تأكيد حريتها واستقلاليتها واحترافيتها”