“سامسونغ” القاموس الإخواني للإعلام الغربي

“وتشن قوات شرق ليبيا هجوما على العاصمة طرابلس، في مواجهة القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا منذ أبريل الماضي”، سبيكة لغوية.. مصادفة أنها تستخدم في “كافة” وسائل الإعلام الغربية، دون استثناء. من رويترز إلى كندا اليوم وأستراليا اليوم، مرورا بفرانس برس وأسوشيتد برس وبي.بي.سي ودويتشه فيله الألمانية وآكي الإيطالية،

جرب واكتب الفقرة السابقة، أو جملة منها، على محركات البحث، سيدهشك “توارد خاطر لغوي” بينها جميعا يستحيل منطقا حدوثه، إلا إذا كان في الخلفية “جهاز سامسونغ”، مثل الذي قيل إنه يحرك الإعلام المصري.

توارد خواطر لغوية يُنشط في ذاكرة مخضرمي الإعلاميين نماذج مثل “الحكومة المقالة في غزة”.. التي ظلت لعشر سنوات “حكومة”، وهي الإخوانية، رغم أنها “مقالة” قبل نفس العشر سنوات، و”المعارضة السورية المسلحة”.. التي ظلت “سورية” رغم العلم الدولي العام بأن عشرات الآلاف من المسلحين “الأجانب” يشكلون قوامها الرئيسي، جلهم إسلاميون تتصدرهم واجهة إخوانية، وهكذا معظم نحتيات القاموس الغربي لتغطية الحرب على سوريا. وخارج الخارطة العربية.. محاولة “الانقلاب العسكري” في فنزويلا، 30 أبريل 2018، الذي تدارك جهاز سامسونغ الدلالة السلبية لمفردة انقلاب عسكري، فاستبدلها بعد يومين بـ”الانتفاضة العسكرية”!

الفقرة فاتحة المقال، مثلها مثل “حكومة شرق ليبيا”.. و”برلمان طبرق”، مقابل “حكومة الوفاق المعترف بها دوليا”.. و”المؤتمر العام في طرابلس”.. مع الأولى تحضر صياغة توحي بالجهوية وبالتمرد على “العاصمة”، ومع الثانية صياغة تكسب تركيبات لغوية لا أصل قانونيا ولا واقعيا لها، دلالة توحي بعموميتها وشرعيتها.

يقدم القاموس الغربي السراج كرئيس للحكومة “المعترف بها دوليا”، دون أن يقر بأن الاعتراف المفترض بها ارتبط ميلاده، وجودا وعدما، بشرطين نص عليهما اتفاق الصخيرات، 17 ديسمبر 2015، الذي أعقب شهورا من تمرد الإسلاميين على الانتخابات

وتلحق بكل ذكر للجهة الأولى خلفية ناقصة كـ”شن هجوم”.. هكذا بلا جذور وكحقيقة علمية/مادية. وفي حين تغيب الخلفيات “الكاشفة” عن الجهة الثانية، لتثبت توصيفات بلا أساس، كحقيقة علمية/مادية! خلفيات، في الحالتين، هي ثوابت مهنية تكسب الوسيلة الإعلامية الموضوعية أو تسحبها منها.

يُغيّب الإعلام الغربي عن متلقيه.. لماذا تواجد الجيش الوطني في الشرق، بتجاهله واقعة مادية هي انقلاب ميليشيات “فجر ليبيا”، أغسطس 2014، وسيطرتها على الغرب والعاصمة، ومنعها قواته قيد التكوين وقتها من التواجد فيها. ويتعامى عما أثبته غسان سلامة، المبعوث الأممي، في تقاريره لمجلس الأمن من أن تقسيمة شرق وغرب مضللة، وأن “قوات كبيرة من الغرب منضوية تحت لواء الجيش الوطني” واستشهد خاصة بكراغلة الزنتان، التي أعلنت أن الجيش، والبرلمان، معا الممثل الوحيد للدولة الليبية. وفي المقابل، وفقا لغسان، فإن “الآلاف من متشددي الشرق، يقاتلون ضد الجيش في صفوف الفصائل”.

تغييب يطول جوهر الوضع.. مؤسسات دولة تتشكل تعرقلها ميليشيات، محاولا دعم خطاب تقسيم يوجعه أن الجيش، كذراع للبرلمان الشرعي، حرر 95 في المئة من التراب الليبي.

يغمض القاموس الغربي عينيه عن سبب اضطرار البرلمان إلى الانعقاد في طبرق وهو طرد الميليشيات له من طرابلس، لأن تكوينه الذي أفرزته انتخابات جرت في كامل ليبيا، غربا وشرقا وشمالا وجنوبا، 13 أغسطس 2014، وأشرفت عليها الأمم المتحدة، أنهى أغلبية الإسلاميين في “المؤتمر العام”، الذي انتهت ولايته بداهة بإجرائها، لكنه ما زال حيا لدى الإعلام الغربي، الذي تمسك بخلفية مضللة لسنوات: “ومنذ عام 2014 يتنافس برلمانان لكل منهما حكومة تمثله”!

طرد الجيش والبرلمان من طرابلس، وأسباب أخرى، يتغافل عنها القاموس الغربي لحرمان الجيش من غطاء سياسي وشرعية يوجبان عليه تحرير العاصمة من ميليشيات تقول وقائع ما بعد 2011 إنها تتقاتل مع بعضها للسيطرة عليها أو على أحياء منها، وأسست كل منها دويلات لها سجون بمثابة مسالخ بشرية، واتهمتها المنظمات الدولية بالاتجار في البشر الساعين للهجرة عبر المتوسط، ومنعت فايز السراج من مغادرة السفينة التي حضر عليها من دخول العاصمة لتسلم مهامه حتى خضع لطلباتها، واحتلت مقار وزارات واحتجزت وزراء.

“قوات” خلقها سامسونغ الغرب من لا شيء، فهو يخفي عن متلقيه أن الميليشيات رفضت الانضواء تحت لواء مؤسسات الدولة الوليدة، وأنها حسب غسان سلامة إما “مصنفة إرهابية.. وإما تكاد تصنف إرهابية”، وتحركها أصابع قطر قبل أن تتصدر أنقرة المشهد، ورغم تداعيات التدخل التركي، يتجاهل نفس الإعلام تواجد ما بين 4 و6 آلاف مرتزق في صفوف “القوات الحكومية”، ويواصل إطلاق التوصيف “قوات الحكومة” التي يقودها السراج مطهرا من خلفياته.

يقدم القاموس الغربي السراج كرئيس للحكومة “المعترف بها دوليا”، دون أن يقر بأن الاعتراف المفترض بها ارتبط ميلاده، وجودا وعدما، بشرطين نص عليهما اتفاق الصخيرات، 17 ديسمبر 2015، الذي أعقب شهورا من تمرد الإسلاميين على الانتخابات التي أجرتها الأمم المتحدة: الأول هو إقرار البرلمان لتشكيلها.. وهو ما لم يتم. والثاني أن ولايتها الزمنية، إذا حازت ثقة المجلس، لعام ويمد لها استثناء لعام آخر، ما يعني أن ولايتها، التي لم تولد أصلا، انتهت وفق الصخيرات قبل ثلاثة أعوام ونصف العام.

في المقابل يحضر توصيف “قوات حفتر”، وأحيانا مع استدراك “ما يسمى بالجيش الوطني الليبي”، مع تغييب أن الجهة التي أشرفت على تكوينه ونصبت قائده جمعت بين الشرعيتين الدولية والشعبية، هي البرلمان. لهذا يعامل حفتر دوليا كقائد جيش ويستقبل بهذه الصفة في عواصم الغرب، وضمنها المعادية له كروما، وكذا الحكومة التي شكلها البرلمان ويرأسها عبدالله الثني، تعامل بنفس الوضعية دوليا وآخرها زيارتها المرتقبة لواشنطن ودعوتها للقاء قيادات الكونغرس الأميركي.

سبيكة لغوية تستخدم “مصادفة” في وسائل الإعلام الغربية، بلا استثناء. من رويترز إلى كندا اليوم وأستراليا اليوم، مرورا بفرانس برس وبي.بي.سي ودويتشه فيله الألمانية وآكي الإيطالية وأسوشيتد برس

سامسونغ الغرب نشط.. يواكب التداعيات، فمع سيطرة قبائل ليبية على حقول نفط تقع في محيطها، عقب إعلان السراج تجنيد الآلاف من المرتزقة، وما تواتر عن تحمل عوائد النفط تكلفة تدريبهم في تركيا وتسليحهم ورواتبهم، التي تصل مع قادة كتائبهم إلى مليون دولار مقدما، نحتت رويترز وأخواتها تركيبة “تعطيل قوات شرق ليبيا لضخ النفط” وكأن القبائل فعلت ذلك لمزاجيتها.

جهاز سامسونغ لم يربط التعطيل، كأمانة مهنية، بالسبب المباشر للقرار.. أن أموال النفط يجند بها الآلاف من المرتزقة، ولا بالأسباب المتراكمة منذ سقوط القذافي، منها توجيه جزء من العوائد لعلاج الآلاف من جرحى الميليشيات في مستشفيات تركيا، وما أثبته غسان سلامة في تقاريره من أن 30 مليار دولار تذهب سنويا للبنك المركزي الخاضع للسراج، يوجه قطاع منها لـ”تشكيلات مسلحة” ولـ”لرواتب وتجهيزات جماعات غير مؤهلة ولا تستحق الانضواء” تحت راية وزارتي الدفاع والداخلية، وتحذيره من غياب عدالة توزيع الثروة بين المناطق، تمييزا لطرابلس ومصراتة، وأن لجنة مستقلة كان يفترض أن تشكل لمراقبة العوائد والنفقات ولم تشكل.

لم يربط الإعلام الغربي التعطيل بما كشفته صراعات لصوص المال الليبي، في الثامن من فبراير الجاري، من وضع المركزي الليبي لدى نظيره التركي 4 مليارات دولار من دون فائدة لدعم ليرة أردوغان! وسرقات لا تقل فداحة وثقها القيادي الإخواني عبدالرحمن السويلحي، المنتخب عن مصراتة للمؤتمر العام السابق ثم عن نفس المدينة للبرلمان الحالي، وأول رئيس للمجلس الأعلى للدولة الذي يسيطر عليه الإخوان.

قاموس إعلامي لغوي منضبط، يمكن تفهم تخديمه على الإخوان ضمن سياق التوظيف الغربي للإسلاميين منذ كانت لندن إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وصولا إلى واشنطن دونالد ترامب، لكن المربك هو استخدام وسائل إعلام عربية من خندق إعادة بناء الدولة، لنفس القاموس.. سواء لجهل مهني أو لاختراق إخواني.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: