القضاء الجزائري أمام منعطف الخضوع أو انتزاع استقلاليته

دخل القضاء الجزائري في صراع يستمد جذوره من تجاذبات قوية بين أركان النظام. ففيما يطالب القضاء بثماني سنوات سجنا لناشط سياسي موقوف في برج بوعريريج، يرافع نائب محكمة بالعاصمة لمصلحة ناشطين آخرين وُجّهت إليهم تهم مماثلة.

وفوجىء المتابعون في الجزائر بالتماس النيابة العامة لمحكمة برج بوعريريج، تطبيق عقوبة ثماني سنوات سجنا نافذة في حق الناشط السياسي المعارض إبراهيم لعلامي، المتهم ببثّ منشورات تهدّد الوحدة الوطنية وبإهانة هيئة نظامية، بينما كان النائب العام لمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة يرافع لمصلحة ناشطين آخرين مطالبا بتبرئتهم من تهم مماثلة.

ودخل القضاء الجزائري في حالة من الارتباك، خلال التعاطي مع قضايا الناشطين السياسيين والمعارضين منذ بداية الاحتجاجات السياسية في البلاد قبل قرابة العام، إذ سجلت مفارقات لافتة في تفاوت الأحكام الصادرة على هؤلاء بين محكمة وأخرى، وكأن لكل محكمة قانونا خاصا.

ويرى مراقبون أنّ المرافعة التي قدّمها النائب العام لمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة، أحمد بلهادي، في شأن مجموعة من الناشطين الموقوفين والمنتمين إلى جمعية “راج” المعارضة للسلطة، أثبتت “غياب الاستقلالية في القضاء الجزائري وخضوعه للضغوط والنفوذ والتعليمات الخفية”.

وصرّح النائب العام، بأن “الحراك الشعبي طالب منذ بدايته باستقلالية القضاء، وأن الناشطين دافعوا عن واحد من مبادئ دولة الحق والقانون التي ينشدها القضاة النزهاء، وعليه التمس من المحكمة تبرئة الناشطين الماثلين أمامها”.

وسُجّل كثير من المفارقات في المحاكم الجزائرية خلال الأشهر الأخيرة، تجلّت أثناء معالجتها ملفات المعارضين السياسيين وناشطي الحراك الشعبي. ففيما قضت سابقا محكمة القليعة بالإفراج الموقت عن المعارض كريم طابو، أوقف صباح اليوم التالي، وما زال في السجن الاحتياطي، إلى جانب فضيل بومالة، وسمير بلعربي، الذي برىء ولكن أوقف في مسيرة الجمعة الواحدة والخمسين الماضية في العاصمة.

الجهاز القضائي في الجزائر مرتبك في التعاطي مع الناشطين السياسيين والمعارضين منذ بداية الاحتجاجات في البلاد

وذهب القاضي السابق المحامي والناشط الحقوقي عبدالله هبول، إلى اتهام السلطة الانتقالية بتوظيف القضاء في معركة تصفية حسابات سياسية مع الجناح الحاكم سابقا، حيث سُجّل كثير من التوقيفات والمحاكمات المنافية للقانون وغير المستندة إلى تهم حقيقية.

ولفت إلى أنّ صعود الجناح الجديد في السلطة، توازى مع حراك قويّ داخل الجهاز القضائي، تجلّى في انخراط قطاع عريض من المحامين والقضاة في الحراك الشعبي، لكن السلطة تمكّنت من ترويضه، بعد تطويق الوضع وترتيب الأوراق الداخلية، في شكل ضمن لها تثبيت أركانها وتوظيف القانون في ضرب خصومها.

وتسود حال من التململ داخل وزارة العدل، بسبب التضارب في القرارات التي مست بسمعة القضاء ونزاهته، وأعطت الانطباع بأن الوصاية ماضية في أسلوب فرض منطقها على القاضي، وهو ما تجلّى في التسريبات الأخيرة التي أثارت جدلا واسعا لدى الرأي العام والمختصين.

ويعتبر مراقبون أن الرجل الأول في وزارة العدل بلقاسم زغماتي، الذي كان يستمد نفوذه في ترتيب أوراق القضاء وإدارة الوضع في البلاد من القائد الراحل لأركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، يواجه ظروفا استثنائية وأنّ المطبّات في الجهاز القضائي، تستهدف رأسه بالدرجة الأولى، في ظل حديث عن تراجع سطوة جناح قايد صالح داخل السلطة، بعد انتخاب عبدالمجيد تبون، رئيسا للبلاد.

ويمثّل المصير المنتظر للسجناء المحسوبين على النظام السابق، من وزراء ومسؤولين وضباط ورجال أعمال، فضلا عن رموز الحلقة الضيقة التي تعاد محاكمتها في المحكمة العسكرية بالبليدة، مؤشرا على المسار الجديد للقضاء الجزائري، بين الاستمرار في الخضوع للضغوط والنفوذ الإداري والحكومي أو الاستفادة من خطاب الهبة الشعبية والتوجّه إلى انتزاع
استقلاليته.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: