برامج الحكومة الجزائرية تتجاهل مطالب الشارع
بدا المخطط الحكومي المنتظر عرضه في بحر هذا الأسبوع على البرلمان، شاحبا ودون مستوى تطلعات الشارع الجزائري، لاسيما في ظل الارتباك المسجل في أداء المؤسسات العليا للدولة، وغياب معالم مواجهة حقيقية للتحديات المحيطة بالبلاد، خاصة فيما يتصل بالأوضاع السياسية الداخلية.
تجاهل المخطط الحكومي الذي أعدته حكومة عبدالعزيز جراد، وينتظر عرضه على البرلمان بعد غد الثلاثاء من أجل الإثراء والمناقشة، الاحتجاجات السياسية الشعبية التي تناهز عامها الأول، ولم يوضح أيّ أجندة للسلطة لإعادة الجزائريين إلى بيوتهم واستعادة الاستقرار للشارع.
وباستثناء المشاورات السياسية التي فتحها الرئيس عبدالمجيد تبون، مع الطبقة السياسية، وتشكيل لجنة تعديل الدستور، وبعض الخطوات المحتشمة لاستعادة ثقة الشارع، على غرار قرار العفو الشامل وتعهدات بإصلاح وضع بعض القطاعات، فإنه لا شيء في الأفق يوحي بخطوات جريئة في هذا الشأن.
وكان مجلس الوزراء المنعقد برئاسة عبدالمجيد تبون، قد صادق على مخطط عمل الحكومة، في انتظار عرضه على البرلمان، لتكون أول مواجهة بين السلطة الجديدة وبرلمان مطعون في شرعيته، وينتظر حله خلال الأشهر القادمة.
وكان مصدر برلماني، قد أكد لـ“أخبارنا الجالية ”، بأن “البرلمان يعيش حالة من الغموض والارتباك نتيجة رمادية الأفق، وأن الكتل النيابية والنواب يفكرون الآن في مستقبلهم ومستقبل أحزابهم، وكيفية التموقع في المشهد الجديد، وأن برنامج الحكومة لا يحتل الاهتمام الأول لهم”.
ومع ذلك لم يستبعد النائب المنتمي لأحد أحزاب السلطة سابقا، والذي رفض الكشف عن هويته، أن تحتدم المواجهة بين الحكومة وبين الكتل النيابية على خلفية الهوة الواسعة بين الطرفين، فضلا عن فتور العلاقة بين أحزاب الأغلبية والرئيس تبون، الذي خاض الاستحقاق الرئاسي بصفة مستقلة.
ورشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي، في انتخابات الثاني عشر من ديسمبر الماضي، أمينه العام عزالدين ميهوبي، بينما ذهب الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) إلى دعمه، وهو ما أثار استياء فريق الحملة الانتخابية لعبدالمجيد تبون، نظرا لما وصفه بـ“تنكر” الحزب الذي ينتمي إليه له.
وتستمر الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسلطة حيث شهدت الجزائر هذه الجمعة مظاهرات الأسبوع الحادي والخمسين، ويستعد الناشطون لإحياء العام الأول من الحراك في الثاني والعشرين من فبراير بنقلة نوعية تتجه إلى عصيان جديد عبر الامتناع عن دفع مستحقات شركات الكهرباء والغاز والماء والضرائب.
ورغم ذلك يستمرّ تجاهل الحكومة لمطالب الشارع الجزائري، وحولت الديناميكية الديبلوماسية التي تعيشها العاصمة الجزائرية، خاصة فيما يتعلق بالدور الجزائري في الأزمة الليبية، إلى اهتمام لتجاوز وحصر الاحتجاجات الداخلية، ولم ير المتابعون أيّ مبادرة من تعهد تبون بشأن فتح حوار مباشر مع الحراك الشعبي.
ولا زالت الاحتجاجات السياسية متمسكة بمطالبها الأساسية الداعية للتنحي الكلي للسلطة، وتنظيم انتقال سياسي شامل في البلاد، وتعبر عن عدم اعترافها بشرعية الرئيس تبون نفسه وبحكومته، وبالمؤسسات المتبقية من نظام عبدالعزيز بوتفليقة، وترفض ما تسميه بـ“مناورات” الالتفاف على الحراك.
ورغم الأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد، إلا أن مخطط عمل الحكومة بدا دون تطلعات الشارع الجزائري لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، لاسيما في ظل تصاعد مؤشرات الاحتجاجات الفئوية والاجتماعية على تدهور القدرة الشرائية والبطالة والسكن وتردي الخدمات العمومية.
وغرقت حكومة عبدالعزيز جراد، في “كيس حليب”، بعد اللغط المثار حول ندرة المادة المذكورة، لأسباب لا زالت مجهولة، ولم يتمكن وزير التجارة كمال رزيق من تقديم حلول استعجالية للأزمة، واكتفى بتغريدات التهديد والوعيد على حسابه الخاص في تويتر.
وتستمر أزمة حليب الأكياس في الجزائر منذ عدة أسابيع، إذ تتقاذف مختلف الأطراف الفاعلة في القطاع مسؤولية الندرة، ولم تعلن وزارة التجارة عن الأسباب الحقيقية للتذبذب اللافت في المادة وندرتها في الأسواق المحلية، رغم أن الفرضية الأولى تتجه إلى نقص المادة الأولية (مسحوق الحليب) التي تستورد من الخارج.
وذكر بيان مجلس الوزراء، بأن “مخطط عمل الحكومة، في اجتماع مجلس الوزراء، يبرز ضرورة الاستعجال في اعتماد مراجعة عميقة لأنماط الحكامة، واستنباط قواعد جديدة لإنجاح سياسات التنمية وخلق ديناميكية تفاعلية”.
وأضاف “مخطط عمل الحكومة، يستمد ديناميكيته من عدة آليات، أبرزها إصلاح نظام الانتخابات، وتفعيل آليات مبتكرة للإصلاح المالي والضريبي، وطمأنة المتعاملين الاقتصاديين الأكثر تضررا من الاختيارات غير الملائمة في مجال تسيير شؤون الاقتصاد، ويركز على تحقيق ثلاثية التجديد الاقتصادي القائم على الأمن الغذائي والانتقال الطاقي والاقتصاد الرقمي”.
ولفت إلى أن المخطط يولي أهمية كبيرة للجانب البشري، من خلال برنامج متكامل لإصلاح وتقويم منظومة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين والتعليم المهنيين، وتطوير قطاع الصحة والثقافة ودعم الرياضة والتربية البدنية في مختلف أطوارها، فضلا عن رفع القدرة الشرائية للمواطن والتكفل بالفئات الهشة وإعطاء الأولوية في الاستفادة من السكن لذوي الدخل المحدود، مع الاهتمام بالمناطق المعزولة التي لا تتوفر فيها الخدمات الأساسية.