سبتة ومليلية بوابتا المستحيل للأفارقة الحالمين بأوروبا

مازال حلم الهجرة إلى “الفردوس” الأوروبي يغوي القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب رغم ما يتعرضون له من أهوال في رحلتهم الطويلة، ورغم القيود الأمنية التي تمنعهم من الوصول إلى عبور الأسلاك الشائكة التي تفصل المغرب عن إسبانيا، علما وأن بعض الأفارقة اختاروا الاستقرار في المغرب بعد أن توفرت لهم ظروف العمل والإقامة القانونية، فتنازلوا عن مغامرة الموت.

يتمنى الشاب الغيني مصطفى أن تتوج رحلته الطويلة لعامين بعبور السياج الحدودي الفاصل بين المغرب وجيب سبتة الإسباني شمال المملكة، في وقت اشتد فيه الخناق على المهاجرين الحالمين بالوصول إلى “الفردوس” الأوروبي.

ويبعد المغرب 14 كيلومترا فقط إلى الجنوب من الساحل الإسباني وله حدود برية مع جيبي مليلية وسبتة على ساحله الشمالي ويحيط بهما سياج ارتفاعه ستة أمتار يعلوه سلك شائك.

وبينما كانت مصادفتهم في جنبات الطرق أو في مخيمات داخل غابات قرب المدن أمرا معتادا، صارت أعداد المهاجرين أقل بكثير في الأشهر الأخيرة. ويعود ذلك إلى تضييق الخناق عليهم من طرف السلطات المغربية انسجاما مع الضغوط الأوروبية المترافقة مع تمويلات لتعزيز مراقبة الحدود.

ويختبئ مصطفى (18 عاما) في مكان ما داخل غابة بليونش قرب سبتة تحسبا للاعتقال في عمليات تمشيط تباشرها السلطات الأمنية بانتظام ضد المهاجرين غير النظاميين، وتثير انتقادات الجمعيات الحقوقية.

ويتوخى الحذر حين يغادر مخبأه، حيث يعيش محروما من كل شيء، ويسير بخطوات مترددة نحو قارعة الطريق ليمد يده أملا في الحصول على قطع نقود أو بعض الماء والقوت، لكن قلة من السيارات تنتبه لوجوده. وكما يقول مغطيا رأسه بقبعة سوداء، يحلم الشاب الذي غادر بلاده منذ عامين، “بالوصول إلى النرويج ليعمل منسق أسطوانات”.

يبعد المغرب 14 كيلومترا عن الساحل الإسباني وله حدود برية مع جيبي مليلية وسبتة يحيط بها سياج ارتفاعه ستة أمتار

وخاض مصطفى رحلة شاقة، مع رفيقيه أحمد وعمر (17 عاما كلاهما)، من العاصمة الغينية كوناكري حتى المغرب مرورا بمالي والجزائر، قبل أن يحالفهم الحظ في التسلل عبر الحدود الجزائرية المغربية.

ويتابع “تخليت عن الدراسة في الثانوية لأخوض هذه الرحلة، لم يكن الأمر سهلا”. وقد قطع تلك الطريق الطويلة برفقة صديقيه المتحدرين من نفس الحي بالعاصمة الغينية كوناكري.

وللوصول إلى سبتة يتوجب على الثلاثة تسلق السياج ذي الأسلاك الشائكة الذي يحيط بالمدينة، ويعد بالإضافة إلى سياج مماثل يحيط بجيب مليلية الإسباني باتجاه الشرق الحدود البرية الوحيدة بين أفريقيا وأوروبا.

وتمتد هذه الأسلاك الشائكة على طول الحدود مخترقة الغابات، بينما تظهر سيارات القوات المساعدة في كل مكان تقريبا فضلا عن نقاط المراقبة على المرتفعات.

ومثل مصطفى يظل المهاجرون مختبئين في مخيمات داخل الغابات في ظروف قاسية.

قفزة الموت

ويقول مصطفى متحسرا “السلطات تقتحم الغابة بحثا عنا وإذا عثرت علينا فستقوم بترحيلنا”.

ويستطرد رفيقه عمر “اليوم أيضا يبحثون عنا، ننتظر اللحظة المناسبة للعبور، لم نجد الفرصة المناسبة بعد”.

وقال المهاجر السنغالي إسماعيل (27 عاما) “السلطات تشن غارات مفاجئة لتمشيط الغابات بحثا عنا ولذلك علينا أن ننام في مكان نستطيع فيه أن نتوقع وصولها ونهرب قبل أن تمسك بنا وترسلنا إلى الجنوب مرة أخرى”.

ويعيش إسماعيل والمهاجرون الآخرون على التسول وينتظرون أن تواتيهم الفرصة للقفز فوق السياج المحيط بسبتة، وأضاف “ليست لدينا 3000 يورو (3360 دولارا) ندفعها للمهربين لنقلنا إلى إسبانيا بطريق البحر”.

إسماعيل تم القبض عليه في السابق وترحيله إلى الجنوب، وتقول السلطات إنها تنقل المهاجرين جنوبا لحمايتهم من المهربين ومنع اقتحام المهاجرين للحدود مع سبتة ومليلية.

وعاد إسماعيل إلى الشمال بالتخفي حتى في عمق الغابات وتجنب المشي في الشوارع نهارا وقال “نحن مجهدون لكننا سنواصل السعي للوصول إلى إسبانيا”.

ويرحل الذين يتم القبض عليهم إلى مناطق أبعد جنوبا عبر حافلات أو إلى بلدانهم، لكن عمر مصمم رغم كل المخاطر على محاولة الهجرة، قائلا “قررنا الهجرة لضمان مستقبلنا، لم نجد ما نقوم به في غينيا، الوضع صعب هناك”. ويعد الغينيون من أوائل المهاجرين نحو أوروبا. ويحلم أحمد بأن “يصبح لاعب كرة محترفا في أوروبا”، ويقول “ألعب في وسط الميدان أريد أن أصل إلى ألمانيا إذا ما تركوني أغادر”، مغطيا عنقه بوشاح يقيه لفحات البرد. ورغم الصعوبات المتزايدة يفضل المهاجرون العبور من المغرب على أن يمروا من ليبيا حيث ينتشر العنف، وكما يقول أحمد “حاول أصدقائي المرور لكنهم أخبروني أن الأمر كان صعبا جدا”.

ويرسم الثلاثي صورة وردية عن الحياة في أوروبا مثل الكثير من الشباب الحالمين بمستقبل أفضل، دون أن يكونوا واعين بالصعوبات التي تنتظرهم.

وقال إبراهيم من غينيا كوناكري وهو يشير إلى جروح في يده من محاولة فاشلة للقفز فوق السياج العام الماضي “إخوتنا الذين عبروا إلى إسبانيا يعيشون الآن حياة هانئة”.

وبينما يحاول الكثيرون العبور عبر الجيبين الإسبانيين سبتة ومليلية يفضل آخرون ركوب “قوارب الموت”، كما تسمى في المغرب، نحو السواحل المتوسطية جنوب إسبانيا، لكنها تتطلب كلفة “باهظة لا أملك ثمنها” كما يقول أحمد.

الاندماج في المجتمع المغربي خيار للبعض

وبحسب وزارة الداخلية الإسبانية، مكنت جهود السلطات المغربية من خفض أعداد المهاجرين، فلم يصل منهم سوى نحو 28 ألفا سنة 2019 إلى إسبانيا عبر البحر ما يمثل انخفاضا بـ50 في المئة مقارنة مع 2018.

حلم الهجرة إلى أوروبا محفوف بالمخاطر لذلك يختار البعض الاستقرار في المغرب والاندماج في المجتمع المغربي حتى أصبح  خيارا للبعض مع التسهيلات التي تقدمها المملكة لهم.

وبعد قضاء خمسة أعوام في المغرب، قررت سونيا (35 عاما)، وهي من الكاميرون، التخلي عن فكرة الوصول إلى أوروبا، وهي تعتبر المغرب حاليا وطنا لها ولابنتها سلمى التي تتعلم بإحدى المدارس المحلية.

وتتلقى سونيا دورة تدريبية مع إحدى منظمات المجتمع المدني المحلية على أمل تعزيز فرصها في الحصول على عمل، لكن العثور على وظيفة ليس أمرا يسيرا في بلد يعاني اقتصاده من وفرة العمالة غير الرسمية ومعدل بطالة يبلغ عشرة في المئة مع وجود واحد من بين كل أربعة شبان بلا عمل.

وقال أحمد سكيم المسؤول بوزارة الهجرة المغربية إن الوكالات التابعة للدولة بإمكانها إيجاد فرص عمل للمهاجرين وإنه جرى توظيف نحو 400 منهم في القطاع الخاص، وبلغ عدد الأطفال المهاجرين المسجلين في عام 2018 بالمدارس المغربية 5545 طفلا، بينما تلقى العلاج في المستشفيات المغربية 23 ألفا من المهاجرين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: