الضغوط تحاصر تبون لإرساء جمهورية تستجيب لتطلعات الجزائريين
لم تهدأ وتيرة الغضب في الشارع الجزائري الذي لا يزال يطالب بإصلاحات تجسّد التغيير الجذري، والقطع مع الطبقة السياسية القديمة بشكل حاسم فيما تتواصل تحركات ومشاورات الرئيس الجزائري عبدالعزيز تبون مع شخصيات ونشطاء سياسيين، أغلبهم معارضين لمراجعة عميقة للدستور فضلا عن تشكيل لجنة خبراء في الغرض.
ويتساءل مراقبون، مع اقتراب الذكرى الأولى للحراك الشعبي الاحتجاجي في 22 فبراير،عن قدرة تبون على احتواء غضب الشارع.
وتمكن تبون، في وقت وجيز، من تشكيل حكومة، بقيادة عبدالعزيز جراد، وتكليف الخبير في القانون الدولي، أحمد لعرابة، برئاسة لجنة خبراء لتعديل الدستور.
رغم هذا الزخم السياسي، لازال تبون يواجه معارضة من الشارع، تتجلى يومي الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع، ضمن الحراك الشعبي.
وبدأت هذه الاحتجاجات في 22 فبراير الماضي، وأجبرت عبدالعزيز بوتفليقة، في 2 أبريل الماضي، على الاستقالة من الرئاسة (1999: 2019)، بعد أن كان يريد الاستمرار لولاية رئاسية خامسة.
ولازال المئات من الجزائريين، من مختلف الفئات العمرية، يخرجون في مسيرات سلمية، للمطالبة بالتغيير الجذري والقطيعة مع شخصيات وممارسات النظام السابق.
لقاءات تبون
أول من استقبله تبون، في 29 ديسمبر الماضي، كان رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، المعروف بكونه أبرز المعارضين لبوتفليقة.
كما استقبل تبون، في 9 يناير الماضي، الوزير الأسبق عبدالعزيز رحابي، الذي نسق أقوى اجتماعات المعارضة الجزائرية منذ 2014.
وواصل مشاوراته مع مولود حمروش، رئيس الحكومة الأسبق، المرشح للانتخابات الرئاسية عام 1999.
وبادر تبون بزيارة وزير الخارجية الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، في منزله للاطمئنان على صحته، والتشاور معه حول الوضع العام بالجزائر.
والإبراهيمي معارض بارز وسياسي معروف شغل حقائب وزارية عديدة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أبرزها الخارجية والتعليم.
واستقبل تبون أيضًا جيلالي سفيان، رئيس حزب جيل جديد المعارض، والمعروف بمشاركته المستمرة في مسيرات الحراك الشعبي.
واستقبل تبون، في 27 يناير الماضي، الوزيرة السابقة والكاتبة، زهور ونيسي، وفق الإذاعة العامة الجزائرية.
وأضافت الإذاعة أنه جرى خلال اللقاء استعراض الوضع العام في الجزائر، وتبادل وجهات النظر حول عملية مراجعة الدستور، والمشاورات مع شخصيات وطنية وقيادات حزبية وجمعيات من المجتمع المدني، للاستماع إلى آرائها واقتراحاتها في بناء الجمهورية الجديدة.
بناء جمهورية جديدة
أعلن تبون، في 22 يناير الماضي، أن تاريخ نهاية المشاورات السياسية غير محدد، وأنها تتم مع أصحاب التجربة وشخصيات عانت من الإقصاء في وقت سابق، حيث يتم الأخذ برأيها بشأن مشاكل البلاد.
كما أعلن عن لقاءات أخرى مع الصحافة تكون شهرية أو كل شهر ونصف، وتكون من دون حواجز، بهدف تنوير الرأي العام وأخذ الحقائق من المسؤول الأول للدولة.
وقالت الرئاسة الجزائرية، في بيان، إن “الهدف الأساس من هذه المشاورات هو بناء جمهورية جديدة تستجيب لتطلعات الشعب، وإجراء إصلاح شامل للدولة يسمح بتكريس الديمقراطية في ظل دولة القانون التي تحمي حقوق وحريات المواطن”.
وجاءت كل هذه اللقاءت بطلب وبمبادرة من تبون، وجرت بعيدًا عن الإعلام، واكتفت الرئاسة بإصدار بيانات بشأنها.
وكشف كل من رحابي وسفيان وزهور ونيسي عن فحوى لقائاتهم مع تبون.
وقال رحابي، على صفحته بـ”فيسبوك”: “نقلت لرئيس الجمهورية انشغالي حول فقدان الثقة بين الشعب والنظام السياسي بحكم التجارب السابقة، وضرورة السعي إلى التوصل إلى اتفاق وطني موسع للخروج من الوضع الحالي”.
وأضاف أنه طلب من تبون اتخاذ إجراءات قد تساهم في إرساء الثقة والتهدئة، بينها إطلاق سراح المعتقلين خلال المسيرات، وحماية الحراك الشعبي من محاولات إضعافه وتجريمه.
فيما قال سفيان، في بيان، إن أهم النقاط التي كانت محور نقاش مع تبون، هي إطلاق سراح كل من اُعتقل بسبب “رأيه”، وضمان “انفتاح حقيقي لوسائل الإعلام”.
وتابع أنه فهم من تبون إمكانية إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، عقب إقرار تعديل الدستور، عبر استفتاء شعبي.
وقالت زهور ونيسي، عبر تصريح صحفي في 28 يناير الماضي، إن لقائها مع تبون تطرق إلى ملفات منها التربية والتاريخ والثقافة وتعديل الدستور، إضافة إلى ضرورة القضاء على ممارسات الماضي وإرساء تقاليد جديدة في الممارسة السياسية.
مسارات سياسية
يواصل تبون تحركاته السياسية داخليًا عبر ثلاثة مسارات، هي المشاورات السياسية، تعديل الدستور وإطلاق سراح المعتقلين.
ورغم تراجع أعداد المتظاهرين، يخرج المئات أسبوعيًا في محافظات الجزائر كافة، وبالأخص الشمال، للمطالبة بالقطيعة مع ممارسات نظام بوتفليقة، وإطلاق سراح المعتقلين خلال المسيرات.
وتم الإفراج، في 2 يناير الماضي، عن 76 شخصًا اعتُقلوا خلال المظاهرات في يوم واحد.
ويستمر منذ ذلك اليوم الإفراج عن أعداد متفاوتة من المعتقلين، بعد تقديمهم للقضاء.
ولازالت أحزاب تمثل تيار المعارضة الراديكالية، ومنضوية تحت تحالف “قوى عقد البديل الديمقراطي”، ترفض نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي فاز بها تبون، وتتمسك بضرورة قيام مجلس تأسيسي يدير مرحلة انتقالية.
وتعتبر هذه الأحزاب الانتخابات الرئاسة، في 12 ديسمبر الماضي، “انقلابًا”، وحكومة جراد “غير شرعية”.
ووفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، د.إدريس عطية، فإن مشاورات تبون “تؤكد أن الرئيس في كامل قوته السياسية فهو منتخب بطريقة شرعية، ويمارس مهامه بكل مشروعية”.
وأضاف عطية أن هذه “المشاورات ليست إجراءات تهدئة، وإنما هي تجسيد لمبدأ المشاركة الذي وعد به الرئيس، للتشاور حول شكل الجمهورية الجديدة، التي يطالب بها الجزائريون”.
واعتبر أن تبون ليس بحاجة لمهادنة الحراك الشعبي، “لأنه (الحراك) يطالب كل جمعة بنصب (استكمال) ما يشتغل عليه (الرئيس)، كما سبق وأن وصفه (تبون) بأنه حراك مبارك”.
وقال عطية إن الفرق بين المشاورات الحالية والمشاورات السابقة في عهد بوتفليقة حول التعديل، هو “أن الرئيس يشرف عليها بنفسه، ولم يشكل لها لجنة خاصة”.
وتوقع أن يكرس الدستور المقبل “الأمن القانوني، من خلال ضمان استقرار القوانين وتنفيذها، بناء على تطلعات الجزائريين”.