الإرهاب يدخل على خط الأزمة في الجزائر
دخلت التهديدات الأمنية على خط الأزمة بين السلطة والشارع في الجزائر، كواحدة من الآليات التي يراهن عليها النظام القائم، لإثارة المخاوف لدى المحتجين السياسيين، والوصول إلى إفراغ الشارع من معارضي السلطة قبل أن يطفئ الحراك الشعبي شمعته الأولى.
وأعلن عدد من ناشطي الحراك الشعبي، إلغاء جميع التزاماتهم الشخصية الجمعة، والتفرغ للمشاركة في مظاهرات الأسبوع الخمسين من عمر الحراك الجزائري، ردا على ما وصف بـ”التهديدات الأمنية” التي تستهدف الاحتجاجات السلمية في العاصمة ومختلف مدن ومحافظات البلاد.
وشككت العديد من التغريدات في منصات التواصل الاجتماعي، في الرواية التي قدمتها السلطات الأمنية حول إلقاء القبض على إرهابي كان يتهيأ لتفجير نفسه بحزام ناسف وسط المتظاهرين في احتجاجات الجمعة بالعاصمة الجزائر.
وكان بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، قد أعلن عن “توقيف أحد الإرهابيين ببلدية بئر التوتة بالضواحي الجنوبية للعاصمة، كان ينوي تفجير نفسه وسط المتظاهرين في احتجاجات الجمعة”.
وأضاف البيان أن “التحريات قادت إلى تفكيك خلية إرهابية تتكون من 17 فردا كانوا ينشطون ويخططون في ضواحي العاصمة، للقيام بعمليات انتحارية وسط متظاهري الحراك الشعبي، وقد عثر بحوزتهم على مسدس، وقد تم سجن أغلبهم في حين استفاد بعضهم من الإفراج المؤقت”.
وعاد سيناريو التهديدات الأمنية إلى المشهد الجزائري، في خطوة يلفها الغموض، بسبب الدلالات التي يمكن أن تستهدفها الجماعات الإرهابية، من وراء النيل من المظاهرات، في حال التسليم بوجود مخطط لضرب الحراك الشعبي.
وذهب متابعون للشأن الجزائري إلى أن الرواية المقدمة من طرف السلطة بشأن التهديدات الأمنية، هي سيناريو جديد في طريق تفكيك الحراك عبر إثارة المخاوف الأمنية، بعدما فشلت مختلف التجارب السابقة، على غرار الحرب الإلكترونية وبث الضغائن الجهوية بين مكونات المجتمع الجزائري.
وكان الأمن الجزائري قد أشار في بيانات سابقة إلى العثور على قنابل تقليدية في النفق الجامعي وسط العاصمة، الأمر الذي دفعه إلى غلق النفق المذكور الذي كان يمثل رمزية خاصة لدى شباب الحراك والجامعات، وتبعت ذلك خطوات مماثلة كغلق مدرجات البريد المركزي من أجل تفكيك فضاءات الحراك وإظهاره في شكل منفصل ومتقطع.
وتحدثت أجهزة الأمن في أكثر من مرة عن توقيف أجانب، منهم من اتهم بالتجسس والتواصل مع جهات داخلية، في إطار ما كان يروج له بـ”الأيادي الخارجية والمخطط الأجنبي لضرب استقرار البلاد”، خاصة أثناء ولاية المؤسسات الانتقالية السابقة.
وتحدثت في هذا الشأن وزارة الداخلية، عن توقيف نحو 260 أجنبيا منذ بداية أحداث الحراك الشعبي، وأشارت إلى أن التحقيقات مع هؤلاء أفضت إلى علاقة لجهات أجنبية مع دوائر داخلية، في تلميح إلى إضفاء طابع المؤامرة التي تحيط بالاحتجاجات السياسية.
ويطفئ الحراك الجزائري شمعته الأولى بعد أسابيع قليلة، وسط غموض حول مصير البلاد في ظل استمرار أزمة انعدام الثقة بين المحتجين والسلطة القائمة، حيث لا تزال الفجوة عميقة بين الطرفين، ولم تتمكن الخطوات المتخذة من استعادة الاستقرار السياسي.
وكان رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، قد قام بزيارة لمقر وزارة الدفاع الوطني، حيث التقى خلالها بقائد أركان الجيش وكبار ضباط المؤسسة العسكرية، وإن ذهبت أكبر القراءات إلى الحديث عن الوضع الأمني والعسكري على الحدود البرية والجوية بين الجزائر وليبيا، في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، إلا أن المشاورات لم تخل
من الوضع السياسي والاجتماعي الداخلي.
وحملت الصور والتسجيلات المسربة من لقاء تبون مع قادة الجيش، دلالات سياسية داخلية وألمحت إلى توازنات جديدة في هرم السلطة بين العسكر والرئاسة، رغم الغموض الذي يكتنف الموقف، لاسيما بعد احتفاظ القرار الصادر في الجريدة الرسمية بصفة “النيابة” لقائد أركان الجيش الجديد الجنرال سعيد شنقريحة، الأمر الذي يوحي بعدم حسم المنصب بصفة نهائية ويفتح المجال أمام تأويلات داخلية بشأنه.
كما يعتبر إلغاء منصب نائب وزير الدفاع الوطني في الحكومة الجديدة بقيادة عبدالعزيز جراد، وعدم إلحاق وزير الدفاع الوطني بالرئيس تبون، رغم دستورية ذلك، مؤشرا على عدم ضبط التوازنات في هرم السلطة وعدم الاتفاق على الأدوار النهائية للجيش والرئاسة، رغم أن الرئيس يعتبر لدى قطاع عريض من الحراك واجهة مدنية للجيش.