العاهل الأردني يستبق صفقة القرن بتحصين الجبهة الداخلية

العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يدرك أنه سيكون من الصعب مواجهة خطة السلام الأميركية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأن الأولوية المطلقة له في الوقت الحاضر هي تحصين الجبهة الداخلية، في ظل عدم جدوى الرهان كثيرا على المواقف الدولية المتغيرة.

يواجه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وضعا غير مسبوق في ظل مخاوف متزايدة من تداعيات خطة السلام الأميركية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على المملكة، أضف إلى ذلك الخشية من ردة فعل الشارعين الفلسطيني والأردني المتحفزين.

وحرص الملك عبدالله الثاني عشية الإعلان عن خطة السلام المعروفة بـ“صفقة القرن” على القيام بجولات في محافظات ومناطق في الأردن، موجها جملة من الرسائل المقتضبة ولكنها تحمل أكثر من دلالة لعل في مقدمتها أن مصلحة المملكة فوق أي اعتبار، مشددا على رفض الأردن للخطة.

وتجنب العاهل الأردني في السابق إبداء أي موقف حيال الخطة الأميركية، ملقيا الكرة في ملعب السلطة الفلسطينية، بيد أنه على ما يبدو اضطر إلى تعديل موقفه مؤكدا خلال زيارة له إلى العقبة جنوب البلاد مساء الأحد “موقفنا (من الخطة) معروف.. كلا وواضح جدا للجميع”. ويعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء الكشف عن الجانب السياسي من خطة السلام التي عمل عليها فريق من البيت الأبيض برئاسة مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر، على مدى ثلاث سنوات وبالتشاور اللصيق مع الإسرائيليين.

وتقول التسريبات التي مصدرها وسائل إعلام إسرائيلية إن الصفقة ستتضمن حصول إسرائيل على أكثر من 30 بالمئة من أراضي الضفة الغربية (غور الأردن)، وتشريع وجود المستوطنات القائمة والتي يناهز عددها المئة في الضفة، في مقابل حصول الفلسطينيين على “دولة” منزوعة السلاح والسيادة ولا تتحكم بحدودها البرية والجوية، وسط تساؤلات مشروعة عن شكل هذه “الدولة” في ظل انتشار المستوطنات على معظم الرقعة الفلسطينية الموعودة؟

وتقول أوساط سياسية إن إعلان الملك رفض الصفقة يعود لاستشعاره بحالة متصاعدة من التململ في الشارع في ظل شائعات تروجها بعض الجهات الداخلية والخارجية عن أن عمان منخرطة بشكل أو بآخر في الخطة الموعودة، وأنها لا تستطيع سوى مسايرة الجانب الأميركي الذي يعد الداعم الرئيسي لها.

وقدمت الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية وعسكرية للأردن العام الماضي تجاوزت 1.5 مليار دولار، لتتصدر بذلك الدول الداعمة للمملكة، التي تواجه وضعا اقتصاديا جد صعب.

عمر الرزاز: من المهم أن نحصن أنفسنا سياسيا واقتصاديا

وتلفت الأوساط إلى أن صفقة القرن تخلق أزمة مركبة للأردن فإلى جانب الخشية من رد فعل الأردنيين والفلسطينيين داخل المملكة مع إعلان الخطة، هناك خوف من أن تتضمن الصفقة مشاريع لتوطين أكثر من مليوني فلسطيني بعد ترحيلهم من ثلث الضفة الذي تعتزم إدارة ترامب ضمه لإسرائيل، حيث أن الأخيرة لن تكون بوارد القبول ببقائهم، الأمر الذي سيخلق إشكالا كبيرا مستقبلا ليس فقط على الصعيد الديموغرافي بل وأيضا السياسي.

إلى جانب ذلك، فإن الأردن ومن خلال هذا المشروع الملغوم للسلام قد يفقد الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والذي كرسته اتفاقية وادي عربة للسلام الموقعة في العام 1994، بين الأردن وإسرائيل.

ويقول محللون إن الأردن يدرك أن خطة السلام وبغض النظر عما ستثيره من ردود فعل دولية رافضة، فإنها مع الوقت وبحكم الأمر الواقع ستتحول إلى مرجعية ثابتة. وفي ظل ضعف خيارات مواجهتها فإن الأولوية هي التركيز على تحصين الجبهة الداخلية، خاصة وأنه لا يمكن الرهان كثيرا على المواقف الدولية المتغيرة.

وشدد رئيس الوزراء عمر الرزاز، خلال تصريحات صحافية نقلتها وكالة الأنباء الأردنية “بترا”، على رفض بلاده لأي إجراءات أحادية، تستهدف تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية.

وأكد الرزاز من المهم “أن نحصن أنفسنا سياسيا واقتصاديا، ونبني مناعتنا الوطنية، ونكون سدا منيعا في وجه أي محاولة للمساس بوضعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي”.

ويوضح المحللون أن العاهل الأردني والحكومة في الوقت الحالي لا خيار أمامهما سوى محاولة استيعاب رد فعل الشارع وفي هذا الإطار تندرج تحركات الملك الداخلية، ومساعي المسؤولين التواصل مع الأحزاب السياسية في محاولة لاحتواء الجبهة الداخلية.

والتقى رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة الاثنين وفد الائتلاف الوطني للأحزاب السياسية والذي يضم حزب المؤتمر الوطني “زمزم”، وحزب الوسط الإسلامي، وحزب الشورى، وحزب الراية الأردنية، وحزب الشهامة الأردني، وحزب جبهة النهضة الوطني.

وكان الطراونة قد هاجم في وقت سابق إسرائيل مستعملا مفردات لافتة حيث صرح بأن “المنطقة لن تهدأ، ما دام المحتل مزروعا في خاصرتها، يبث الكراهية والتطرف ويشرعن القتل والتدمير والتهجير”. وقال “ها هو المحتل الآثم يواصل عدوانا غاشما على شعب مرابط أعزل، ليقول بلغة العنصرية والكراهية والتطرف إن منطق القوة أقوى من قرارات الشرعية الدولية، ما دام العالم في صمت مطبق، وما دام الانحياز مضمونا من قبل راعي السلام”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: