جيل الألفية يسدل الستار على العزوبية الكئيبة

تزداد أعداد العزّاب من الجنسين في المجتمعات العربية، وهو ما تظهره الإحصائيات الرسمية. بعضهم اختار حياة العزوبية وآخرون فرضت عليهم. اليوم، يؤكد عزاب وعازبات عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي أنهم سعداء ويستمتعون بحياتهم بعيدا عن قداسة الحياة الزوجية. لكن، يقر هؤلاء أن عليهم مواجهة الضغوط الاجتماعية والعائلية القوية والتي لا تتوقف عن إقناعهم بضرورة الارتباط.

يلاحظ المتابعون للشأن الاجتماعي والأسري أن نظرة الشبان والفتيات للعزوبية اليوم مختلفة عنها قبل سنوات وعقود، وكثيرا ما يقرأ روّاد مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات للكثير من الشبان والفتيات الذين لا يرون في العزوبية مصدرا للانزعاج وللاكتئاب، وينشرون كتابات وصورا يحتفون فيها بشبابهم وبعزوبيتهم وبتحررهم من القيود التي تفرضها مؤسسة الزواج.

العزوبية تاج

بعض المجموعات على صفحات الفيسبوك مثلا تأسست تحت أسماء حلوة أيام العزوبية، أو العزوبية كنز لا يفنى، أو لا مغربية  لا أجنبية تحيا العزوبية، ويتداول الكثير من الفتيات والشبان من الدول العربية منشورات من قبيل “الحياة بها الزواج استغلوا العزوبية كما يجب”، أو “العزوبية تاج لا يراه إلا المتزوّجون”، أو “نحن المتأخرون في الزواج أحرار طلقاء، سادة فوق الأرض وتحت الشمس، لا مشاكل، لا قيود، لا مطالب، لا أين ذهبت، ما أجمل الحرية”. وتجد هذه النشريات اليوم رواجا واسعا في أوساط الشباب، بجانب من ينشرون صورهم من الجنسين وخاصة الفتيات متبرجات أنيقات معلقات “هكذا أنا سعيدة في بيت أهلي”.

الكثير من الفتيات والشبان اليوم يعبّرون بطريقة أو بأخرى عن أنهم سعداء بحياتهم كعزاب، ويعترضون على كلمة عوانس، معتبرين أن الحياة من دون زواج لا تعني الكآبة والحزن في انتظار فارس الأحلام أو سندريلا. ويرفضون مقولات وتعليقات الشفقة مثل العانس المسكينة، أو تنتظر المكتوب، أم بقي من دون زواج، مسكين يعيش وحيدا…

ويرد الشباب عند مواجهة انتقادات محيطهم العائلي لعزوبيتهم وعند محاولة إقناعهم بالارتباط وتأسيس عائلة “لماذا، أنا سعيد بحياتي هكذا، لماذا أرتبط وأتحمل مسؤوليات قد أعجز عن الإيفاء بها، لماذا أقيد حريتي وأصبح مطالبا بالخروج والدخول ومقابلة الأصدقاء في وقت محدد؟”. الكثير من الشباب المغاربة  يردّون هكذا اليوم حتى عندما يوجهون الرد لوالديهم اللذين يلحون عليهم لكي يتزوّجوا.

ولم تعد تجد غالبية الفتيات بدورهن حرجا في القول بأنهن عازبات ولو كنّ في سن متقدمة، وترفضن لقب العانس بل إن كثيرات منهن تفتخرن بتحررهن من مشكلات الزواج والأبناء. وتقول أحلام (36 سنة) “لا أتحسر لأني لم أتزوج بل أرى أن وضعي أفضل كثيرا من صديقاتي أو أخواتي اللاتي تزوجن، عندما أراقب مشكلاتهن مع أزواجهن وحجم المسؤولية والأبناء والضغوط التي يعانين منها أقول في قرارة نفسي إن وضعي أفضل منهن، وإنني إن تزوجت ربما ما كنت لأتحمل ما يتحملنه أو ربما ما كنت لأقبل أن أعطي حيزا هاما من حياتي للزوج والأبناء”.

وتضيف أحلام لـ”لاخبارنا الجالية ”، “بصراحة أنا أستمتع بحياتي الآن وليس لدي أدنى انزعاج من أنني لم أتزوج بعد، واعتدت على كلام الناس والعائلة ولم يعد يؤثر في، بل لا يقنعني قولهم إن أفضل شيء في الحياة هو الزواج أو الأمومة. أنا أستمتع بحياتي وحريتي وبالخروج مع الأصدقاء والصديقات وأستغل وقتي كله لنفسي ولا أشعر بالوحدة لأنني لست انطوائية ولا أعيش في عزلة عن الآخرين”.

وتخلص أحلام إلى أن “الزواج ليس ضرورة حياتية، بل تستمر الحياة دونه ويمكن أن نستمتع بها مثل غيرنا وأحيانا أكثر من المتزوجين”.

وتؤكد بحوث علمية أن العزاب اليوم يستمتعون بحياتهم وأن فكرة أن الزواج أساسي في الحياة وأن العزاب من الجنسين يبكون حظوظهم العاثرة في الحصول على شريك حياة في طريقها إلى التغيير، بل باتت فكرة قديمة تجاوزها العصر كما أن بعض العزاب والعازبات لا يترددون في تعداد فوائد العزوبية، حتى وإن لم تكن بقرار منهم.

انتهت صورة الأعزب الحزين أو العانس غير المحظوظة وحلت محلها صورة الأعزب السعيد بحياته بمفرده وفكرة أن العزوبية مصدر متعة بالحياة، حسب المختصة في العلاج النفسي والكاتبة الفرنسية دومينيك كونتاردو، التي توضح أن الأعزب أو العزباء يهتم بنفسه أكثر من المرتبطين وينصت لرغباته الشخصية ويلبيها، ويجد الوقت للدخول في العديد من المجالات للاستمتاع بحياته وليحقق فيها ذاته عبر الإنجازات والنجاحات الممكنة مثل العمل والفنون والعمل المدني والرياضة وغيرها.

وتعتبر المختصة في علم النفس أن العزاب اليوم يثبتون أن الحياة السعيدة ممكنة بطريقة مختلفة ومن دون شريك، وهم يحملون صورة أكثر إيجابية من قبل على العزوبية قائلة “إنهم في طريقهم لتغيير الصورة النمطية عن العزوبية”.

وتقول فاطمة  (37 سنة) في حديثها لـ”لأخبارنا الجالية ”، “عندما أنظر لحياة صديقاتي المتزوجات أقول في قرارة نفسي ارتحت من معاناتهن”، وتؤكد أنها تنعم بحريتها المطلقة فعندما تريد الخروج حتى في وقت متأخر ليلا تفعل ذلك وتستمتع وتمرح مع أصدقائها، و”إن كنت متزوجة فسأظل حتما حبيسة البيت”. وتردف “الزواج في نظري سجن مؤبد مع شخص في الغالب سيكون مملا، لذلك أستمتع بوحدتي أفضل لي”.

القاعدة هي الزواج

Thumbnail

يظل الزواج هو القاعدة أو الوضع الأمثل للشباب من وجهة نظر العائلة والمجتمع، وتسوق دومينيك في كتابها “الوحدة المختارة، والوحدة المفروضة” مثالا لإحدى الحالات التي عرفتها في عملها وهي فتاة عزباء وعمرها 37 سنة تعيش وحدها وتقول “خلال الاجتماعات العائلية أتصنع أنني غير مبالية بوضعي الاجتماعي.

وفي العمل سرعان ما أمحو من ذهني كل أنواع الملاحظات التي توجه إلي. في السابق، كانت التعليقات تستفزني وتثير غضبي. اليوم، أحاول التخلص من الأضواء التي يسلطها المحيطون بي علي، وأعتبر أن المرآة التي يضعونها أمامي لا تعكس صورتي”.

كثيرا ما يقول العزاب والعازبات قبل عمر الثلاثين إنهم سيجدون النصف الآخر، معتبرين أن عشرية الثلاثينات مرحلة مصيرية في إيجاد شريك الحياة. في حين أن من بلغوا الأربعينات أو الخمسينات والذين مروا بتجارب عاطفية فاشلة سرعان ما يطوون الصفحة ويبحثون عن شريك جديد. وتفسر المختصة في علم الاجتماع فلورانس ميلوشون ذلك بأن “الضغوط عليهم تكون جد قوية، معتبرة أن طغيان الفردانية في العصر الراهن يجعلهم يميلون إلى البحث عن علاقة عاطفية والتفكير في شريك دون السعي لتكوين أسرة”.

وتقول سارة (37 سنة) موظفة تستعد للزواج في الأشهر القادمة “في البداية كنت خائفة من فكرة الزواج لأنه مسؤولية بكل ما يترتب عنها من تربية الأطفال والعناية بالمنزل وكل تفاصيل العائلة، فالأم أو الزوجة هي دائما المسؤولة الأولى مهما كان الزوج متعاونا”.

وتردف لـ”لأخبارنا الجالية ”، “لكن بانطلاق التحضيرات للزفاف، بدأت فكرتي تتغير عن الزواج ومخاوفي تلاشت، أصبحت أرى الجانب الإيجابي، ولا أركز كثيرا في المخاوف والأفكار النمطية والقوالب الجاهزة. حاليا أصبحت أستمتع باختيار ديكور منزلي المستقبلي وأنسق كل التفاصيل مع خطيبي، وهذا أعطاني فكرة عن كيف ستكون حياتي مستقبلا معه؛ نتعاون في كل صغيرة وكبيرة وكل طرف يكفي أن يتفهم التفاصيل التي تثير قلق الطرف الآخر وهكذا يكون الزواج أفضل من العزوبية، إذ هناك من يشاركني أوقاتي الممتعة وأوقات فراغي ورحلاتي وبرامج ترفيهي وأيضا لن أضطر للقيام بكل الواجبات وحدي”.

وتعتبر سارة أن العزوبية مقترنة في الأذهان بالسعادة لأن الزواج بالنسبة للكثير من الشباب مقترن بالتعاسة والروتين والرتابة وهذه وجهة نظر تبنيها التجارب التي يعيشها الآخرون أو يكونون شهودا عليها.

وتسهّل التقنيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي ومواقع التعارف اليوم ربط العلاقات بالنسبة للشباب حول العالم، وبدأت تدخل في نمط الحياة العصرية للشباب العرب  كوسيلة للتعارف وربط العلاقات العاطفية حتى من دون تحديد هدف الزواج كنهاية حتمية لعلاقاتهم.

مصدر للسعادة

التكوين النفسي والوعي المجتمعي يدفعان دائما نحو الزواج كرمز لحياة اجتماعية ناجحة ووسيلة لتحقيق الرفاه في الحياة اليومية ولمواجهة تحدياتها وهو القالب الذي تمر عبره المخططات للمستقبل كشراء مسكن أو السفر أو حتى قضاء أيام من الراحة في أحد النزل حيث يبدو كل شيء مصمما للثنائيات وليس للشخص الأعزب.

ويقول المختص في التحليل النفسي جان ميشال هيرت “من الصعب أن يكون الشخص وحيدا، الكثير من الناس مقتنعون بذلك، ويبدو أن كثيرين يعتبرون أن المغامرة الأكبر والأهم في الحياة هي قصة الحب، وهي الأمر الأكثر إثارة للبهجة في حياتهم”.

يربط الكثير من الشباب الزواج بمتعة مشاركة شخص آخر لأعباء الحياة ومسراتها في أجواء الحب والرومانسية، وترى الكثير من المتزوجات أن الزواج يشعرهن بأنهن حققن إنجازا مهما في حياتهن ويشعرهن بالراحة، ولكن في مرحلة معينة بعد الزواج تتساءل أغلبهن هل فعلا الزواج شرط من شروط السعادة؟

وبالنسبة لجان ميشال المختص النفسي فإن التطلعات من الحياة الزوجية ترجع إلى الطفولة، فإن كان الشاب عاش مع والدين غير متفاهمين فإنه سيبحث عن التعويض في علاقته العاطفية عندما يكبر، أو أنه سوف يبحث عن حياة زوجية مختلفة وأسعد من تلك التي عاشها مع والديه، ويضيف أنه حتى وإن مر الشاب، من عائلة كانت تسودها الخلافات الزوجية، بفترة عزوبية طويلة فإن الأولوية عنده تظل البحث عن شريك يتقدم معه ويعيد ترميم حياته.

انتهت صورة الأعزب الحزين أو العانس غير المحظوظة وحلّت محلها صورة الأعزب السعيد بحياته بمفرده وفكرة أن العزوبية مصدر متعة بالحياة، فالأعزب يهتم بنفسه وينصت لرغباته أكثر من المرتبطين

ويقول باسم (34 سنة) موظف في شركة خاصة “لا أعتبر نفسي أعزبا إلا من الناحية القانونية وتحديدا في مضمون الحالة المدنية. صحيح، لا يستطيع المرء أن يعيش بلا شريك، لكن أن تكون أعزبا ليس معناه بلا شريك”.

ويضيف لـ”لأخبارنا الجالية ”، “إن اللجوء إلى العزوبية واعتبارها مصدرا للسعادة لا يعد في غالب الأحيان حقيقة ثابتة بل هو مسكّن نفسي يجنح إليه الشاب لتعويض مركبات نقص لم تكن باختياره بل فرضتها أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية، ولم يعد بإمكان الشاب التفكير في الاقتران قانونيا إلا في سن متأخرة وذلك لعدم قدرته على أن يكون مسؤولا على فتح بيت يتطلّب موارد مالية غير متوفرة لديه”.

ويتابع “شخصيا اخترت الاستمتاع لوقت أطول بفترة العزوبية لأسباب تتعلق أساسا بتركيبة شخصيتي المزاجية التي تأبى الحياة الزوجية الروتينية القائمة أساسا على وجوب الالتزام بعقد واجبات تجعل الحياة بمثابة سجن. لست مستعدا للزواج على الطريقة التي يفرضها المجتمع والتي تجعل الزواج مقبرة للحب”.

وتعتبر المختصة في العلاج النفسي كونتاردو أن “الزواج كأمر مفروض تمليه علينا متطلبات الحياة لم يعد موجودا، فأحد أبرز وجوه الزواج أنه كان يعد جزءا من الهوية. اليوم، كل فرد يرغب في أن يكون كما يريد وكما يرى نفسه دون الحاجة إلى التكامل مع طرف آخر”. ولم تعد تلك الرغبة لدى الفتيات بأن تحملن ألقاب أزواجهن لديها نفس القوة كما في الماضي، بل اليوم ترغب الفتيات في الانتساب لأنفسهن ولذواتهن وإنجازاتهن.

وتقول خلود متزوجة (31 سنة) “أفضل ما في الزواج هو الأبناء، لكنني تمنيت لو بقيت أنا وزوجي على علاقة عاطفية من دون زواج، لتبقى مشاعر الحب قوية بيننا، اشتقت إلى أيام العزوبية والحرية والخروج دون قيود”، وتخلص خلود “المرأة يمكن أن تغير حبيبها عندما تمل لكن لا يمكنها أن تغير زوجها بنفس السهولة، لكن هذا لا يعني أن الزواج سيء فهو يشعرك بالاستقرار ويضع لك أهدافا جديدة في الحياة”.

ويلاحظ مختصون نفسيون أن عدد الأشخاص الذين يتفقون مع فكرة أن يكونوا مثلما يرون أنفسهم ومثلما يرغبون وأن يحددوا وحدهم أذواقهم وخياراتهم بأنفسهم ودون اعتبار الآخر، يزيد يوما عن يوم. وفي هذا المستوى ظهرت فكرة أن يعيش الفرد عزوبيته سعيدا بها، لتكون فرصة لتحقيق الأهداف الشخصية وبناء الذات بالتواجد وجها لوجه مع النفس، ولعل هذه الطريقة تجعل الأعزب يفهم نفسه أكثر وقد تسهّل عليه في ما بعد إيجاد حب الحياة.

فترة انتقالية

Thumbnail

يتعامل بعض الشباب مع العزوبية على أنها خيار مصيري لبقية الحياة، ويبنون حياتهم على هذا المبدأ ويستبعدون من أمامهم احتمالات الارتباط والزواج.

وتقول منية موظفة (29 سنة) “نعم العزوبية بالنسبة لي مصدر للسعادة لأنها تعزز الإحساس بالاستقلالية وتجعل الشخص يفكر ويركز فقط على النجاح في مسيرته وحياته في مجالات متنوعة منها العمل والرياضة والسفر ولا يهتم فقط بمؤسسة الزواج”.

وتشير منية لـ”لأخبارنا الجالية ” إلى أن “هناك خشية من التجربة خاصة عندما تقترب من تجارب المحيطين بك التي تجد في أغلبها أحد الطرفين يتذمر من صعوبات الحياة المشتركة، كما يتدخل عامل السن في قرار الزواج وكلما تقدمنا أكثر في العمر يكون القرار عقلانيا أكثر منه عاطفيا. ويرجع الشعور بالسعادة في فترة العزوبية إلى أن الزواج لم يعد هاجسا كما في السابق، بل على العكس، صار التأني في القرار أفضل حتى يكون الاختيار صائبا، لذلك يشعر العازب أو العزباء بالراحة”.

ويعتبر الكثير من الشبان العزوبية فترة انتقالية خاصة أولئك الذين مروا بتجارب فاشلة أو بعد الطلاق. ويرى مختصون في علم النفس أن هؤلاء يحتاجون أحيانا إلى متابعة نفسية ليتجاوزوا الاضطرابات النفسية بعد العودة إلى العزوبية من جديد. وهؤلاء يكونون في حالة إحباط ناجم عن الفشل ولم يتضح موقفهم من العزوبية بعد، فمنهم من يتوعد أنه سوف يختار العزوبية مدى الحياة ومنهم من يتعامل مع العزوبية كفترة انتقالية.

لكن هناك منهم من يرى أن نموذج الأعزب مريح بالنسبة إليه ويلائم شخصيته فيندفع نحو مواصلة حياته بنفس المنوال، وقد يتبنى بسهولة الترويج لصورة العزوبية كمصدر للتحرر والسعادة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: