مشروع الغاز الصخري يضخ دماء جديدة في الحراك الجزائري
أخذت الاحتجاجات السياسية في الجزائر بعدا جديدا في الأسبوع التاسع والأربعين برفعها شعارات رافضة وهتافات منددة بمشروع الغاز الصخري، الذي ألمح إليه رئيس الجمهورية في أول لقاء له مع الصحافة المحلية. وانضمت إلى الحراك الشعبي ضد النظام مظاهرات جديدة في مدن جنوبية مرشحة لأن تحتضن أولى تجارب هذا المشروع.
رفع المحتجون في الجمعة التاسعة والأربعين من عمر الحراك الجزائري، الذي بدأ قبل نحو عام، شعارات قوية ضد السلطة الجزائرية وضد الحكومة الفرنسية بسبب اتفاق غير معلن حول ترشيح شركة “توتال” الفرنسية لاستكشاف واستغلال الغاز الصخري في الجزائر. وزاد سكان مدن جنوبية على غرار عين صالح من زخم الاحتجاجات التي عمت أنحاء البلاد الجمعة الماضية.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد ألمح، في لقاء له مع مؤسسات إعلامية محلية حكومية وخاصة، إلى حتمية تنفيذ مشروع الغاز الصخري باعتبار أنه ملاذ لإنقاذ البلاد من أي أزمة اقتصادية خانقة، لاسيما في ظل تآكل رصيد البلاد من العملة الأجنبية التي تراجعت لتصل حاليا إلى 60 مليار دولار حسب التقديرات الأخيرة، بعدما كان في عام 2014 في حدود 200 مليار دولار.
واعتبر ملاحظون للشأن الجزائري أن اللقاء الإعلامي الأول للرئيس تبون لم يكن موفقا بالمطلق، مشيرين إلى أنه قدم فرصة ذهبية للحراك الشعبي من أجل تجديد خطابه وتوسيع زخمه من خلال إعادة طرح الجدل حول ملف استخراج الغاز الصخري، لاسيما أن تبريراته لم تكن مقنعة فيما يتعلق بتقنيات الحفاظ على البيئة والحفاظ على المخزونات المائية المتواجدة في المنطقة الصحراوية والتي تعد من أكبر المخزونات في العالم.
وشدد المتظاهرون في مختلف مناطق البلاد، سواء في الشمال أو في الجنوب، على رفض تنفيذ مشروع استخراج الغاز الصخري دون مراعاة مستقبل الأجيال القادمة.
وندد المحتجون بما وصفوه بـ”الحلول السهلة” التي تلجأ إليها السلطة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وعكست الشعارات التي رفعت خلال الاحتجاجات، من قبيل “ممنوع في فرنسا مسموح في الجزائر” و”روح تحفر في باريس” (اذهب للحفر في باريس)، حجم الرفض الشعبي للصفقة غير المعلنة بين الحكومة الجزائرية والشركة الفرنسية.
وكان تقرير لمجلة “لوبوان” الفرنسية قد تحدث عن “حصول شركة توتال الفرنسية على حصرية استكشاف واستغلال الغاز الصخري في الجزائر”، وهو ما عزز ما ذهب إليه في وقت سابق الناشط السياسي ورئيس حزب التغيير والشباب (غير معتمد) رشيد نكاز -المتواجد حاليا في سجن الحراش بالعاصمة منذ عدة أشهر- حول “استفراد” توتال بالغاز الجزائري.
وشن نكاز، منذ عام 2014، حملة ضد إنجاز مشروع الغاز الصخري في الجزائر، وقام برحلة سيرا على الأقدام من ساحل البلاد إلى مدينة عين صالح الجنوبية (نحو 1400 كلم) لتعبئة الرأي العام. وكشف حينها عن اتفاق سري بين الشركة الفرنسية والحكومة الجزائرية تأخذ بموجبه توتال حوالي 60 بالمئة من عائدات ثروة البلاد من الغاز الصخري.
ووفق تسريبات دبلوماسية، كان تنفيذ الاتفاق بين الحكومة الجزائرية وشركة توتال من ضمن محاور زيارة وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان الأسبوع الماضي إلى الجزائر. وتقول نفس المصادر إن باريس قايضت الاعتراف والتعامل مع السلطة الجديدة في الجزائر بقيادة الرئيس تبون مقابل تفعيل الاتفاقية المذكورة، وأن إشارات تبون في لقائه الأول مع وسائل الإعلام المحلية تنطوي على تلميحات لتهيئة الرأي العام من أجل قبول المشروع كحل لإنقاذ البلاد.
وقال المحلل السياسي، إسماعيل معراف، إن “فرنسا التي تمنع استغلال الغاز الصخري على أراضيها، لا تمانع أن يتم ذلك على الأراضي الجزائرية”.
وأضاف أن “تفاعل قصر الإليزيه مع السلطة الجزائرية تمت مقايضته باستحواذ توتال على المشروع المذكور”.
وترشح السلطات الجزائرية، وفق مصادر مختلفة، العديد من مناطق جنوب البلاد وهي مناطق صحراوية من بينها مدن ورقلة وأدرار وتمنراست وإليزي لأن تكون حيزا جغرافيا لأولى مشروعات استكشاف واستغلال الغاز الصخري.
وسبق للرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة أن تدخل لتجميد مشاريع دخلت حيز التنفيذ في منطقة عين صالح، بعد احتجاجات قوية من طرف الأهالي في عام 2014. وبمجرد إثارة الملف مجددا من طرف السلطة الحالية، عادت الاحتجاجات ضد المشروع إلى الواجهة وزادت زخم مختلف المظاهرات التي عاشتها الجزائر الجمعة الماضية.
وجاء تصريح الرئيس تبون مرتبكا أمام وسائل الإعلام، حينما تناول ملف الغاز الصخري. وقال تبون “إننا لن نعيد ارتكاب خطأ عين صالح “، في إشارة إلى المشروع السابق الذي وقع تجميده لأن مكان تنفيذه كان قريبا من المناطق السكنية.
وتابع “سنهتم بمسألة البيئة والحفاظ على الحياة الطبيعية للسكان، وسيفتح نقاش في هذا الغرض”، لكنه لم يوضح مدى امتلاك البلاد للتكنولوجيات الحديثة المحافظة على البيئة أو قدرة تحكم الشركات التي ستنفذ المشروع على هذه التكنولوجيا والأخطار التي تهدد المخزون المائي للبلاد.