جدل مغربي إسباني بشأن التهريب عبر سبتة ومليلة

تصاعد الجدل حول شكاوى حكومتي سبتة ومليلة التابعتين لإسبانيا من عواقب إغلاق المغرب منفذ الجمارك مع المدينتين، والذي تسعى الرباط من خلاله إلى تحريك الكثير من الملفات العالقة مع مدريد بشأن مستقبل المدينتين، اللتين تعتبرهما جزءا من الأراضي المغربية، إضافة إلى مكافحة التهريب.

جدد المغرب إصراره على إغلاق منفذ الجمارك البري مع مدينتي سبتة ومليلة شمال البلاد والخاضعتين للسيطرة الإسبانية، مبررا ذلك بمحاولة منع التهريب وإعادة ترتيب اقتصاد الظل.

ولم يتوقف الجدل وردود الفعل المتباينة، منذ إغلاق المغرب لمعبري المدينتين في ديسمبر الماضي، بعد قرار سابق في يوليو 2019 بمنع أي عملية استيراد أو تصدير.

وبالتزامن مع تلك الإجراءات، ناقش البرلمان وحتى مطلع هذا العام، تقريرا يرصد معاناة العاملات في تهريب السلع، قبل أن تصدر لجنة برلمانية توصياتها بخصوص التقرير.

وسيتعرض التقرير لخلفيات اتخاذ السلطات المغربية لقرارها بعد 60 سنة من استمرار الجمارك البرية مفتوحة، دون أن يتوقف ما يصطلح عليه محليا بـ”التهريب المعيشي”، ويتوقف عند ردود الفعل والقراءات المختلفة للإجراءات المغربية.

كما يتوقف التقرير عند ردود الفعل الإسبانية، وقد تحدث عن خسائر محتملة يتكبدها الاقتصاد المحلي في المدينتين.

ويعتقد محمد بن عيسى رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان أن إغلاق المعبرين ظل مطلبا شعبيا منذ سنوات، حين ازدادت المآسي الاجتماعية.

ونسبت وكالة الأناضول إلى بن عيسى قوله إن تلك المعابر، “هي بوابات الذل والموت، والمستفيد الأكبر منها شبكات التهريب التي تُغرق السوق المغربية بالبضائع المهربة”.

وأشار إلى أن التهريب يكبد خزينة الدولة المغربية خسائر سنوية تتراوح بين 500 و700 مليون دولار.

في المقابل، شدد رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، على أن قرار الإغلاق لم تواكبه عدة بدائل. وقال “نطالب بخلق منطقة تجارية حرة بمدينة الفنيدق المجاورة لسبتة المحتلة”.

وأضاف “هناك وضعية اجتماعية لسكان المنطقة، تتطلب بدائل ومجهودا تنمويا كبيرا، والمطلوب خلق تنمية ودعم السياحة المستدامة”.

وطيلة سنوات يمتهن مئات المغاربة تهريب السلع من مدينتي سبتة ومليلة إلى باقي المدن المغربية، إذ يعملون على حمل أكياس ضخمة مُحملة بالبضائع الإسبانية فوق ظهورهم.

وكشفت لجنة الخارجية والدفاع الوطني في مجلس النواب المغربي في فبراير الماضي عن تقرير حول المهمة الاستطلاعية إلى معبر سبتة.

محمد بن عيسى: التهريب يكبد المغرب خسائر تقارب 700 مليون دولار سنويا

وقال التقرير، الذي اختتمت مناقشته بداية الشهر الجاري، “توجد حوالي 3500 امرأة تمتهن التهريب المعيشي بمعبر سبتة، ويوجد أيضا 200 طفل قاصر”.

ولفت إلى أن المغربيات الممتهنات للتهريب المعيشي، يعشن وضعا مأساويا، وينمن ليومين وأكثر في العراء. وقال إنهن “يستعملن الحفاظات خوفا من ضياع فرصة العبور إلى سبتة لجلب السلع المهربة”.

ويرى عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب المغربي، عبدالله الهامل أن “التهريب الذي ينتشر بالمعبرين له انعكاسات على الاقتصاد الوطني”.

وأضاف الهامل، وهو أستاذ بجامعة وجدة في حديث مع الأناضول “بالمقابل نجد سكانا في منطقة مجاورة تستفيد من التهريب المعيشي، ولا تستطيع أن توفر دخلا ماديا آخر إلا من خلاله”.

وأكد أنه بالنظر إلى الحالة الاجتماعية لسكان الشمال، يصعب القول إن إغلاق المعبرين البريين أمام التهريب المعيشي، في مصلحة المواطنين، إلا إذا توفرت شروط معينة.

وفي محاولة مغربية أخرى للنظر في هذه المشكلة، عقدت لجنة الخارجية بمجلس النواب في السابع من هذا الشهر، اجتماعها الأخير، للبت في توصيات التقرير البرلماني، الذي رصد ظروف امتهان المغاربة للتهريب المعيشي شمال البلاد.

وأوصت اللجنة بتضافر الجهود لاسترجاع المدينتين، الواقعتين شمال البلاد.

وقال يوسف الغربي رئيس اللجنة للأناضول “على مدى سنة كاملة ناقشنا التقرير، مع مختلف المسؤولين الحكوميين”.

وأضاف “خلصنا إلى 10 توصيات، سنحيلها على مكتب مجلس النواب، أولاها الدعوة إلى بذل الجهود لاسترجاع المدينتين المحتلتين.. التقرير يوصي أيضا بمحاربة شبكات التهريب، وتجفيف منابعها، حماية للاقتصاد الوطني”.

وأحاطت إسبانيا المدينتين بسياج من الأسلاك الشائكة، ويبلغ طوله نحو 6 كلم، وتشكل المدينتان هدفا لمهاجرين أفارقة ينفذون من وقت لآخر عمليات اختراق جماعية للحدود البرية.

وترفض الرباط الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على مدينتي سبتة ومليلة، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وتطالب الرباط مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاع المدينتين.

ولم يتردد المسؤولون الإسبان في التعبير عن غضبهم من الإجراءات المغربية.

وكان خوان خوسي إمبرودا، رئيس الحكومة المحلية لمدينة مليلة، قال الشهر الماضي، إنه “في حالة استمرار قرار إغلاق الجمارك البرية، المفتوحة منذ 50 سنة بطلب مغربي، ستتكبد المدينة خسائر بالملايين”.

من جهته، قال خوان فيفاس، رئيس حكومة سبتة، إن ما تعيشه المدينة الخاضعة للنفوذ الإسباني، “خطير جدا”، وهو ما يقتضي “تدخل الحكومة المركزية لمدريد من أجل تدارك الأمر”.

واعتبر المسؤول الإسباني في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسبانية الخميس الماضي أن “المدينة لا يمكن أن تصمد أمام الوضع الذي تعيشه المنطقة على المستوى الحدودي”.

وتحدثت تقارير إسبانية عن أن قيمة المعاملات التجارية للتهريب المعيشي تبلغ بمدينة مليلة لوحدها أكثر من ملياري يورو.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: