حظوظ غامضة لدعوة الحوار بين الليبيين في الجزائر

عبّرت الجزائر عن استعدادها لاستضافة حوار بين الأطراف الليبية لإيجاد حل للأزمة المتصاعدة، بحسب تصريحات الرئيس عبدالمجيد تبون على هامش مؤتمر برلين، لكن تطرح في المقابل تساؤلات على قدرة الوساطة الجزائرية على إنجاح هذه المبادرة ورص صفوف الفرقاء الليبيين وسط شكوك في حيادها واختيارها الخندق الداعم لحكومة الوفاق التي تقف وراءها الميليشيات المتطرفة.

تستعد الجزائر لاحتضان حوار يجمع الأطراف الليبية المتنازعة، وسط تساؤلات عن جدوى وحظوظ العرض المعلن عنه، بسبب الالتباس الذي يصنّف موقفها، ففيما تميل الجزائر إلى خانة المنحازين لصالح حكومة الوفاق الليبية، ترافع لحياد بين جميع الأطراف ومسافة واحدة بينهم.

وكشف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، على هامش قمة برلين، عن “استعداد بلاده لاحتضان حوار سياسي بين الأطراف الليبية لإيجاد حل للأزمة”، ليكون بذلك أول تجسيد لتعهداته الانتخابية بعودة الجزائر إلى الملف الليبي، نظير الاعتبارات الكثيرة التي تجمع البلدين.

وقال الرئيس الجزائري “نحن مطالبون بوضع خارطة طريق واضحة المعالم وملزمة للطرفين، تشمل تثبيت الهدنة والكفّ عن تزويد الأطراف الليبية بالسلاح لإبعاد شبح الحرب عن كل المنطقة”، وتابع “الجزائر مستعدة لإيواء هذا الحوار المرجو بين الليبيين”.

وكانت الجزائر قد استقبلت رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، ووفدا يمثّل الجيش الوطني الليبي، أثناء التحضيرات التي كانت جارية لالتئام قمة برلين، كما استقبلت عددا من المسؤولين السامين في حكومتي تركيا وإيطاليا، من أجل بلورة موقف يجنّب ليبيا التدخل العسكري الأجنبي.

وإذ اعتبر تصريح عبدالمجيد تبون حينها بأن “طرابلس خط أحمر”، رسالة لقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، على اعتبار أنه كان على وشك الدخول إلى طرابلس، فإن التشديد على رفض التدخل العسكري الأجنبي كان موجّها للحكومة التركية، ومع ذلك اعتبر الموقف الجزائري غامضا وحتى منحازا.

وتعدّ الاتصالات المكثفة في الآونة الأخيرة للدبلوماسية الجزائرية مع الأطراف المعارضة لمخطط الجيش الليبي، بغية اجتثاث الميليشيات الإسلامية من طرابلس، مؤشرا على اصطفاف الموقف الجزائري في خندق حكومة السراج، رغم تركيزه على مبدأ المسافة الواحدة بين أطراف الصراع.

حظوظ نجاح دعوة تبون محل تساؤل، في ظل تعقيدات المشهد الليبي ودخول أكثر من طرف إقليمي على خط الصراع

وأمام محدودية نفوذها في فرض أجندة معيّنة في البلاد التي تشترك معها في أكثر من ألف كلم في الحدود البرية، فإن الجزائر تراهن على إشراك القوى والمنظمات الفاعلة في المنطقة من أجل بلورة حل سياسي للأزمة يجنّب ليبيا والمنطقة حربا مدمرة.

ومع ذلك تبقى جدوى وحظوظ نجاح الدعوة التي أعلنها الرئيس الجزائري محلّ تساؤل، في ظل تعقيدات المشهد الليبي، ودخول أكثر من طرف إقليمي على خط الصراع، فقد سبق لها أن احتضنت اتصالات ومشاورات سياسية بين عدد من الأطراف والشخصيات خلال نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، إلا أنها فشلت في الوصول إلى أرضية اتفاق ناجع.

وهو السيناريو الذي يبقى قائما بسبب عدم تغيّر المعطيات الداخلية، فنفوذها لدى بعض الجهات الليبية على غرار حكومة الوفاق وبعض التيارات الإسلامية، يقابله تحفظ من جانب قيادة الجيش الليبي، التي عبّرت في أكثر من مرة عن امتعاضها مما تسمّيه “الانحياز الجزائري لحكومة طرابلس ولتيارات إسلامية في طرابلس”، وهددت حتى بتغيير موقفها الميداني تجاه الجزائر، وهو ما يشكّل أول تحدّ للعرض الجزائري لإقناع الجميع بالدخول في مسار تفاوضي على أراضيها.

ودعا الرئيس الجزائري على هامش قمة برلين، “الأطراف الليبية للجلوس على طاولة المفاوضات لحل الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية، لتفادي الانزلاق نحو المجهول”.

وشدد على أن “أمن ليبيا هو امتداد لأمننا وأفضل طريقة لصون أمننا القومي هو التعامل والتكاتف مع جيراننا لمواجهة الإرهاب والتطرف”، الأمر الذي يعكس حجم المخاوف الكبيرة لدى الجزائريين من تغليب الخيار العسكري لحسم المشهد الليبي.

ولا يستبعد أن يكون الملف الليبي، في صدارة أجندة وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، المنتظر الثلاثاء القادم في الجزائر، رغم ما تكتسيه الزيارة من أهمية في تلطيف الأجواء الدبلوماسية بين الطرفين، لاسيما وأنها تعدّ الأولى من نوعها خلال الأشهر الأخيرة ومنذ انتخاب عبدالمجيد تبون، رئيسا للجزائر.

وتعتبر باريس من العواصم الداعمة لخيار إنهاء حالة الانفلات الأمني في طرابلس، وتطهير ليبيا من الميليشيات المسلحة، قياسا بما تشكّله من تهديد استراتيجي للمنطقة برمتها، ودورها كقاعدة خلفية للحركات الجهادية في أفريقيا والساحل الصحراوي، حيث تقود فرنسا القوة الأفريقية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، والتي تعرّضت خلال الأسابيع الأخيرة لضربات قوية أودت بالعشرات من عناصرها.

ولا يستبعد أن تلجأ الجزائر إلى القوى الفاعلة في الساحة الليبية من أجل إقناع جميع الأطراف بالحضور إلى المسار المذكور، من أجل إضفاء طابع الشرعية الدولية على مخرجات الحوار، ومساعدتها على إنجاح المبادرة، بعد الإجماع المسجّل في برلين على “احترام حظر إرسال الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة العام 2011، ووقف أي تدخل خارجي في هذا النزاع”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: