هل يرجع الضغط الحقوقي على السلطة الزخم للحراك الجزائري
دفعت طريقة تعاطي السلطة الجزائرية مع الاحتجاجات في البلاد إلى تسليط الضوء على وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، نتيجة تدهورها منذ الأسابيع الأولى للحراك الشعبي تحت ضغط الإجراءات القمعية المسلطة على الحريات السياسية والإعلامية والإفراط في حملة التوقيف وسجن مئات الناشطين والمعارضين.
يراهن كثيرون داخل الجزائر وخارجها على تسليط الضوء على وضعية حقوق الإنسان في البلاد، لاسيما فيما يتعلق بتوجيه الانتقادات للسلطة بسبب سياسة القمع التي انتهجتها بهدف إنهاء الاحتجاجات المتواصلة ضدها، إذ يرون أن بإمكان الضغط على السلطة باستعمال هذه الورقة أن يُرجع إلى الحراك زخمه
بعد ملاحظة تراجعه في الأسابيع الأخيرة.
ورسم تقرير جديد لمنظمة هيومن رايتس ووتش صورة قاتمة عن وضعية حقوق الإنسان في الجزائر خلال العام الماضي، الذي شهد بحسب التقرير “أكبر وأطول مظاهرات مناوئة للحكومة منذ استقلالها في 1962”، وما صاحبها من إجراءات مشددة أثرت بشكل كبير على وضعية حقوق الإنسان في البلاد.
وعزز تقرير المنظمة الدولية موقف تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي في البلاد والتي اتهمت السلطة بتوقيف وسجن أكثر من ألف ناشط ومعارض سياسي، وتحدثت عن تدهور وضعية البعض منهم داخل السجون نتيجة الإضراب عن الطعام أو بعض الظروف القسرية التي حرمت عددا من مساجين الرأي من حضور جنازات أقارب لهم.وذكر تقرير المنظمة أن “الجزائريين دأبوا على النزول إلى الشوارع كل يوم جمعة في الجزائر العاصمة وغيرها من المدن. كانوا في البداية يحتجون على محاولة إعادة انتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي أمضى أربع ولايات (عهدات) رئاسية في السلطة، والذي لم يكن يظهر للعلن إلا نادرا منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013. بعد استقالته في 2 أبريل، صار الجزائريون يطالبون بالانتقال إلى حكم أكثر ديمقراطية”.
وأضاف “ردا على الاحتجاجات المستمرة، عمدت السلطات إلى تفريق المظاهرات السلمية واعتقال المتظاهرين تعسفا، ومنع الاجتماعات التي تنظمها المجموعات السياسية والحقوقية، وحبس المنتقدين للسلطة”.
وعرض التقرير توصيفا للحالة الأمنية في الجزائر حيث قال “انتشرت قوات الشرطة بشكل مكثف في شوارع العاصمة وساحاتها وعند نقاط التفتيش، مما حد فعليا من أعداد الناس الذين تمكنوا من الالتحاق بالمسيرات، وسيطرت بشكل كبير على كل الذين نجحوا في ذلك”.
وتابع “اعتقلت السلطات المئات من المتظاهرين السلميين، ثم أفرجت عن أغلبهم دون تهم بعد ساعات قليلة، لكنها في نفس الوقت حاكمت العشرات وحبستهم”.
ورغم إفراجها عن نحو مئة ناشط في الحراك الشعبي خلال الأسابيع الأخيرة، لا تزال وتيرة التوقيفات مستمرة من طرف قوات الأمن وتمت إحالة البعض من الناشطين على السجن المؤقت. وتشكل حالة الطالبة الجامعية نورالهدى عقادي، المسجونة في تلمسان بتهمة الترويج لمنشورات تهدد الوحدة الوطنية، إحدى الوضعيات التي أثارت انتقادات شديدة للسلطة.
ولفتت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن الاعتقالات مست نشطاء حقوقيين وسياسيين وعلى رأسهم المناضل التاريخي لخضر بورقعة (87 عاما)، بتهمة إضعاف معنويات الجيش، ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي المعارض كريم طابو، فضلا عن وفاة الناشط الحقوقي كمال الدين فخار في السجن، والمضايقات التي يتعرض لها المحامي والحقوقي صالح دبوز.
وتعتبر وضعية مساجين الرأي من بين الحالات التي تؤرق السلطة وفتحت عليها أبواب الانتقادات والتنديد من طرف المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، خاصة أن احتجاز أغلبهم لا يستند إلى نصوص قانونية صريحة، حيث وجهت تهمة “رفع راية الهوية الأمازيغية” للبعض، على سبيل المثال، رغم عدم وجود قانون صريح أو عقوبة معينة في حق من يرفع راية غير الراية الوطنية الرسمية.
ويرى المحامي والحقوقي عبدالغني بادي أن “السلطة أفرطت كثيرا في اللجوء إلى (اعتماد عقوبة) السجن المؤقت في تعاطيها مع الاحتجاجات السياسية المعارضة لها”. وتابع “كما أن السلطة ارتكبت ممارسات قمعية تشكل بدورها خرقا للقانون وللدستور، كما هو الشأن بالنسبة إلى المنع غير المعلن للمواطنين من الدخول إلى العاصمة يوم الجمعة، أو إرجاع بعض المتنقلين من بعض الولايات (المحافظات) إلى الجهات التي أتوا منها، لانتمائهم إلى مناطق أو محافظات أخرى”.
ولم يسلم من الإجراءات الردعية التي تم اللجوء إليها في الفترة الأخيرة بهدف السيطرة على الاحتجاجات ضد السلطة حتى الإعلاميون والمدونون وأساتذة وطلبة الجامعات، حيث لا زال البعض رهن السجن المؤقت.
كما فرضت الحكومة هيمنة غير مسبوقة على وسائل الإعلام المحلية سواء كانت خاصة أو حكومية، إذا تغيب فيها تماما تغطيات وصور الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية، وتوصد أبوابها في وجه المعارضين وأصحاب الرأي المخالف.
واستعرض تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش البعض من الحالات للتأكيد على تدهور وضعية حقوق الإنسان خلال العام الماضي، على غرار الناشط حاج غرمول من مدينة معسكر والذي صدر في حقه حكم بعشرة أشهر سجنًا نافذة مطلع فبراير الماضي بسبب رفعه آنذاك لافتة ترفض العهدة الخامسة للرئيس السابق بوتفليقة، ولم يسقط الحكم ضده رغم استقالة بوتفليقة في أبريل الماضي وحدوث تطورات كثيرة منذ ذلك الوقت.