عصا موسى لعلاج التخلف في المغرب.. و”زبيبة” السيسي تحيِّر المحللين!
لا يكاد يمر يوم دون أن يرى مشاهدو القنوات التلفزيونية المغربية برنامجا حواريا أو تقريرا إخباريا عن “مولود” أطلق عليه “لجنة النموذج التنموي الجديد” التي يرأسها شكيب بن موسى، وزير الداخلية المغربي الأسبق. ويُنتظر من هذه اللجنة أن تمتلك، في ظرف ستة شهور، “عصا موسى” لإيجاد وصفة سحرية، كفيلة بتجاوز المشكلات الاجتماعية، التي يعاني منها الكثير من المواطنين، من بطالة ورشوة وفوارق طبقية وأعطاب في الصحة العمومية والتعليم والقضاء وسيادة منطق الريع… الخ.
من بين المشاهد التي تُبثّ في نشرات الأخبار، يوميا، استقبال اللجنة المذكورة لممثلين عن الأحزاب السياسية والنقابات العمّالية، و”كل حزب بما لديهم فرحون”، مثلما ورد في القرآن الكريم، إذ يحمل كل حزب أو نقابة “كتابا” يضمّ تصوراته للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المطلوب، ويبدو المشهد المتكرر أشبه ما يكون بامتحانات مدرسية أو بمباراة لولوج وظيفة ما، يخرج منها المعني بالأمر فرحا منتشيا بما عرضه أمام اللجنة.
قد نستبق الأحداث، فنقول إن هذه المنهجية المتبعة لن تؤدي إلى نتائج جيدة، وذلك استنادا إلى القاعدة المنطقية التي تفيد بأن المقدمات الخاطئة تعطي نتائج خاطئة. ببساطة، لأن الأحزاب التي تقدّم، اليوم، تصوراتها حول “النموذج التنموي الجديد”، هي نفسها التي كانت في موقع السلطة، سواء التنفيذية (الحكومة) أو التشريعية (البرلمان). وبالتالي، فهي تتحمل قسطا وافرا من مسؤولية الأوضاع الحالية في المغرب والتي أدت إلى احتقانات متواصلة في مختلف المجالات.
عصف ذهني أم خرافات جحا؟
في الحلقة الأخيرة من برنامج “قضايا وآراء” التي بثّها التلفزيون المغربي مساء الثلاثاء المنصرم، بَدَا بعض المتحدثين متفائلا لعمل “لجنة النموذج التنموي الجديد”، ودليل ذلك ـ في رأيهم ـ تنظيمُ جلسات للإنصات والحوارات العمومية التي اعتبرها الباحث الجامعي عباس الوردي “بداية للعصف الذهني”، استعارة للعبارة الإنكليزية المعروفة Brainstorming.
أما الخبيرة كريمة غانم، فتساءلت: ما هو النموذج التنموي الجديد؟ هل كانت هناك نماذج سابقة أم مجرد تجارب؟ لتخلص إلى التأكيد على أن المشكل ليس في السياسات التنموية وإنما في مدى القدرة على تطبيقها. ويرى الإعلامي عبد الحميد جماهري أنه على شكيب بن موسى (رئيس اللجنة المذكورة) أن يسمّي الأشياء بمسمياتها، “يجب أن يسمي القط قطا، واللص لصا، والريع ريعا، والتنافس تنافسا”.
خارج النقاش التليفزيوني، تحفل شبكات التواصل الاجتماعي بتصريحات قوية لعدد من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، فقد انتشر فيديو للمحامي المثير للجدل محمد زيان (رئيس الحزب المغربي الليبرالي) يتحدث فيه عن لجنة بن موسى بطريقة كاريكاتورية، ويصف عملها بـ”خرافات جحا”.
أما رجل الأعمال كريم التازي عضو “لجنة النموذج التنموي الجديد” فيؤكد أن المنتظر من الإصلاحات المقترحة أن تقضي على مظاهر الريع والرشوة وعدم سيادة القانون، وأن تسترجع ثقة المغاربة في الدولة والمؤسسات وفي المواطنين بعضهم البعض. في حين ينتقد شيخ الصحافيين المغاربة خالد الجامعي، من خلال حوار مصوّر، تركيبة اللجنة المذكورة، ملاحظا أن أغلب أعضائها ذو مرجعية فرنكوفونية، وقادمون من مجال الشركات، وبالتالي فتفكيرهم رأسمالي ليبرالي، ولا علاقة لهم بشيء اسمه العدالة الاجتماعية. كما يتساءل الجامعي عن سر غياب أسماء وازنة من تشكيلة اللجنة، ممن قدموا تقارير عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المغرب، مثل أحمد الحليمي (المندوب السامي للتخطيط) وعبد اللطيف الجواهري (والي بنك المغرب).
البعض يطلب ألا نستبق النتائج عملا بالمثل القائل: “الأمور بخواتمها”. والبعض الآخر يميل إلى المثل المغربي المعروف: “أمارة الدار على باب الدار”. الأيام، وحدها، ستبدي لنا مَنْ مِنَ الفريقين كان على صواب.
استعراض عسكري وتطبيع اقتصادي
القنوات التلفزيونية المصرية، هذه الأيام، لا تسعها فرحة، حيث تبدو مبتهجة بافتتاح قاعدة عسكرية جديدة وبالمناورات التي قامت بها القوات المصرية. وغير خافٍ على العيان أن توقيت هذا الحدث لم يأت اعتباطا، حيث يجيء بمثابة رد مباشر من النظام المصري على سعي تركيا تقديم العون العسكري لسلطات ليبيا في مواجهة قوات الجنرال المتمرد حفتر. كما أنه استعراض للقوة أمام خصم آخر بعيد ميدانيا، قريب على مستوى المواجهة الإيديولوجية، أي إيران التي وجهت ضربة للقاعدة العسكرية الأمريكية في العراق.
لكنّ هذا المشهد المصري المليء بالأناشيد العسكرية الحماسية ما هو في الحقيقة إلا محاولة للتغطية على حدث مفصلي موجع، ليس فقط لمصر الجريحة، وإنما للأمة العربية جمعاء. يتعلق الأمر بخبر انطلاق تصدير الغاز الطبيعي من دولة الكيان الصهيوني المغتصب نحو أم الدنيا.
الغاز يتدفق الآن باتجاه عكسي هذه المرة، سابقا كان يضخ تصديرا من مصر لإسرائيل بأسعار تفضيلية. وقبل ثورة يناير كان ذلك يواجه بغضب شعبي، مما أدى إلى توقفه بعد الثورة. وتقول قناة “الجزيرة” إن مصر فرّطت في حقوقها في شرق المتوسط، فوقّعت على عجل اتفاق ترسيم حدود مائية مع اليونان وقبرص اليونانية، في استبعاد متعمد لتركيا، وقد قبلت في الاتفاق ما لا يمكن قبوله لمجرد مكايدة الجانب التركي. بل انخرطت مع اليونان وقبرص والأردن والسلطة الفلسطينية في منتدى ما سمّي “غاز شرق المتوسط” باستبعاد سوريا ولبنان وتركيا. القناة القطرية تنقل عن محللين قولهم إن الأمر تجاوز التطبيع مع “إسرائيل” إلى التفريط المتعمد في حقوق مصر وثرواتها لأجيال عديدة قادمة.
فماذا ينفع، الآن، استعراض القوة العسكرية في ظل ضعف اقتصادي وهوان سياسي؟
الزبيبة المستعارة!
نكاية في “الإخوان المسلمين”، تتعمد بعض القنوات المصرية الرسمية، بين الفينة والأخرى السخرية، من المظاهر الشكلية للمنتمين إلى تلك الجماعة، لدرجة القول إنهم يتعمّدون رسم “الزبيبة” على جباههم للدلالة على مواظبتهم أداء الصلوات في وقتها.
حسنًا، وماذا عن “زبيبة” عبد الفتاح السيسي التي تظهر وتختفي، بحسب المقامات والأحوال، إذ غالبا ما تختفي حين يكون الرجل خارج البلد؟ الممثل ورجل الأعمال المتمرد محمد علي ذهب مع رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى القول إن تلك “الزبيبة” مجرد جزء من “الماكياج” الذي يوضع على وجه السيسي لحاجة في نفسه.
من الأفضل للإعلام الرسمي المصري أن يغض الطرف عن “زبيبة” الإخوان، فقد يؤدي ذلك إلى التركيز على “زبيبة” السيسي. وهنا، ينقلب السحر على الساحر!