مشروع تعديل الدستور الجزائري يواجه رفضا شعبيا مبكرا
تراهن السلطة الجزائرية على ورقة تعديل الدستور من أجل استعادة الاستقرار للشارع الجزائري المنتفض منذ نحو عام، وتأمل في التعديلات العميقة التي تعهد بها رئيس البلاد، لأن تكون حلا لأزمة النظام السياسي في البلاد، غير أن مؤشرات ميدانية توحي بأن الخطوة هي فرصة جديدة من الفرص الضائعة في المسار السياسي الجزائري.
وعكس شعار “تعديل الدستور مسرحية، المشكلة في الشرعية” المرفوع في مظاهرات، الجمعة، في العاصمة وعدد من مدن ومحافظات البلاد، التحديات التي يواجهها مشروع تعديل الدستور المعلن عنه مؤخرا في الجزائر، والذي شكلت له لجنة من الخبراء والمختصين لإعداد نص الوثيقة الجديد.
وبالموازاة مع شروع الرئيس عبدالمجيد تبون، في سلسلة مشاورات سياسية مع الطبقة السياسية ورموز من المعارضة، تراهن السلطة على التعديلات العميقة، من أجل حل أزمة النظام السياسي في البلاد، واستعادة الاستقرار إلى الشارع الجزائري، ويبدو أن سيناريو الاستحقاقات الماضية وارد بقوة في الاستفتاء المنتظر على الدستور الجديد.
ويرى ناشطون في الحراك الشعبي، بأن السلطة تريد من إطلاق ورقة تعديل الدستور، الالتفاف على المطالب الأساسية للشارع الجزائري، وحصر الأزمة في الوثيقة الدستورية، بينما هي أعمق وأكثر تعقيدا من ذلك، وحلها لن يكون إلا في رحيل السلطة والشروع في انتقال سياسي شامل، تلبية للمطالب المرفوعة منذ شهر فبراير الماضي.
وإذ لبى أغلب المدعوين إلى قصر المرادية مسعى الحوار المفتوح بين السلطة والطبقة السياسية، فإن الغموض لا يزال يكتنف مخرجات أو أهداف الحوار المذكور، وخاصة أن الحوار الذي وعد به الرئيس تبون، خلال حملته الانتخابية مع الحراك الشعبي لا يزال مبهما، ويحاول أن يحصر أزمة البلاد في الدستور الذي عدل العديد من المرات دون أن يحقق الهدف المنشود.
وذهب الناشط السياسي إسلام بن عطية، إلى أن الحوار هو أرضية لحل جميع الأزمات، لكن الحالة الجزائرية تستدعي توفير جملة من الشروط، فصّلها بيان مجموعة العشرين الصادر في منتصف أكتوبر الماضي، والذي هو أحد الموقعين عليه، ويأتي على رأسها رفع الحصار عن العاصمة ورفع القيود عن الحريات السياسية والإعلامية وإطلاق سراح المساجين السياسيين.
وأضاف في نقاش خلال المسيرة الشعبية الأخيرة في العاصمة، بأن “تعديل الدستور لن يكون مجديا ولا حلا لأزمة البلاد، لأن المطالب واضحة وصريحة، ومهما كان شكل الدساتير التي حكمت البلاد، فإنها لم تكن عائقا أمام تلبية المطالب الحقيقية والأساسية للجزائريين، بل إن الخرق وعدم الاحترام جاءا دائما من السلطة التي وضعت أو عدلت الدستور”.
ولفت إلى أنه لا جدوى من المشروع الذي أطلقته السلطة، لأنه لم يأت في سياق الخطوات التي يتطلبها أي انتقال سياسي ديمقراطي، وإنما يراد منه الالتفاف على الحراك الشعبي، وفرض أمر واقع جديد يضع العربة أمام الحصان، فالدستور الذي نطمح إليه يكون محصلة لسلسلة تغييرات وليس بداية لما تريد السلطة تكريسه في المستقبل السياسي للبلاد.
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون، قد وضع الخبير الدستوري أحمد لعرابة، على رأس اللجنة المختصة بالمشروع، إلى جانب عدد من الشخصيات والكفاءات القانونية في البلاد، إلا أن التعيين لم يحظ باقتناع المهتمين، بسبب ظهور الرجل في ورشات التعديل السابقة التي نظمها الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، لتعديل الدستور في ثلاث مرات.
وفيما ينتظر أن تنتهي اللجنة من أشغالها خلال الأشهر القليلة القادمة، وعرض الدستور الجديد في الثلاثي الأول من العام الجاري على الاستفتاء الشعبي، لم يتضح مدى صلاحيات اللجنة في قراءتها الجديدة وفي اقتراحاتها، ويبدو أن الرئيس قد أعطى توجيهاته في ما يخص المحاور المعنية بالتعديل في النسخة الجديدة.
ويبدو أن السلطة التي تبحث عن دعم سياسي لمشروعها وعن انخراط واسع في المشروع الجديد، ستكون أمام رفض شعبي تكرسه المسيرات الاحتجاجية والمظاهرات الشعبية الأسبوعية، تصر على رفض المسعى قبل ولادته، وهو ما يعيد سيناريو المقاطعة الواسعة للانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى الأذهان، الأمر الذي يرهن مصير الدستور المذكور.
ووضعت رسالة تبون الصادرة عقب الإعلان عن تنصيب لجنة التعديل، سبعة محاور لتعديل الدستور، تتصل بما أسماه “الحقوق والحريات السياسية والإعلامية والفكرية، وأخلقة الحياة السياسية ومحاربة الفساد، والفصل بين مؤسسات الدولة واستعادة التوازن بينها، وتعزيز دور وصلاحيات البرلمان، واستقلال القضاء، والمساواة بين جميع المواطنين أمامه، فضلا عن مراجعة الآليات المنظمة للانتخابات”.
ويطرح المعارضون لتعديل الدستور بالآلية المطروحة من طرف السلطة، العديد من المآخذ على مشروع الرئيس تبون، لكونه تجاهل دور ونفوذ المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي الداخلي، والذي يدخل ضمن المطالب الأساسية للمعارضة والحراك، حيث إن المؤسسة كانت الصانع الحقيقي لرؤساء البلاد منذ الاستقلال إلى غاية الرئيس الأخير.
ويشدد هؤلاء، على أن دساتير البلاد على مساوئها واختلالاتها، تبقى في حاجة الى حماية من طرف السلطة نفسها وليس من طرف الشعب، وأن ممارسات سلطة الأمر الواقع خلال الأشهر الماضية أكدت ذلك من خلال خروقات متتالية للقيادة العسكرية في إدارتها المباشرة للأزمة وفي التعاطي مع الحراك الشعبي.