قبول حفتر بالهدنة يختبر استعداد الإسلاميين للحل السلمي

تنظر الأوساط السياسية إلى قبول الجيش الليبي الذي بات على مرمى أقل من عشرة كيلومترات عن مقر حكومة الوفاق في طرابلس، بالهدنة على أنها تنازل يختبر مدى استعداد الإسلاميين لتقديم تنازلات تنهي احتكارهم للسلطة بالقوة منذ انقلاب ميليشياتهم على نتائج الانتخابات التشريعية في منتصف العام 2014.

وأطلق القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر في الرابع من أبريل الماضي عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس، قال سياسيون موالون له حينئذ إنها جاءت ردا على انقلاب رئيس حكومة الوفاق فايز السراج على تفاهمات أبوظبي التي تنص على دخول الجيش إلى طرابلس سلميا وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

وسيطر الجيش في البداية على بعض المواقع جنوب طرابلس، لكنه نجح على مدى الأشهر العشرة الماضية في التقدم ليصل مؤخرا إلى منطقة بوسليم حيث سيطر على عدة أحياء تابعة لها من بينها حي يقع فيه مقر وزارة الثقافة، مما يضعه على مرمى سبعة كليومترات من مقر رئاسة الوزراء.

كما نجح الأسبوع الماضي في استعادة سرت التي تدخل ضمن إقليم طرابلس وتتكون ليبيا من ثلاثة أقاليم هي برقة وطرابلس وفزان.

عيسى عبدالقيوم: نرحب بوقف إطلاق النار إذا كان يؤدي إلى النتائج المستهدفة من القتال

ولاقى قبول الجيش بوقف إطلاق النار ردود أفعال غاضبة في أوساط كثيرة من مؤيديه لكن المحلل السياسي الليبي عيسى عبدالقيوم قال “إذا كانت آلية وقف إطلاق النار ستؤدي إلى النتائج المستهدفة من القتال فبكل تأكيد ينبغي الترحيب بها، فالمنطق السياسي بل والشرعي السوي يعتبر أن الحرب يُقدم عليها كرها.. وليست غاية محببة”.

وأضاف عبدالقيوم “بما أنه وقف إطلاق نار فقط  فهو لا يعني إلا منح فرصة ما، فإذا كانت هناك مبادرة على الطاولة طلب لها وقف إطلاق النار فمن المهم معرفة تفاصيل هذه المبادرة أولا قبل الحديث عن الرفض أو القبول”.

وتابع “من طلب واستجدى وقف إطلاق النار لن يستطيع بحال أن يدعي النصر أو يزعم الرفع من شأن القيم، أما المنتصر على الأرض والقوي فهو الذي يمكنه ويحق له أن يقول بأنه مع قيم السلم والسلام لأنه يمتلك غيرها”.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين أول من دعا لهدنة تبدأ مساء الأحد.

ورفض الجيش في البداية القبول بالهدنة قبل أن يوافق عليها مساء الأحد بعد مباحثات قام بها خليفة حفتر مع وفد أميركي في روما التقى أيضا وزير الداخلية بحكومة الوفاق  فتحي باش آغا الذي يوصف بـ”حاكم طرابلس”.

لكن ردود أفعال الإسلاميين الأولية بعد ساعات من الهدنة التي وصفت بـ”الهشة” بسبب ما تخللها من اختراقات خلال اليوم الأول، بدت سلبية حيث اشترطوا انسحاب الجيش من مواقعه وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الرابع من أبريل الماضي وهو الشرط الذي يوصف بعدم “الواقعية”، قبل الدخول في أي محادثات للتسوية.

واعتبر حزب العدالة والبناء الإخواني في بيان أصدره الأحد أن وقف إطلاق النار هو “مجرد مقدمة، يتبعها إنهاء كامل للعدوان على كل الجبهات، وبدء فوري لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه كشرط أساسي لأي حوار سياسي”، مذكرا جميع الأطراف الدولية المنخرطة في دعم جهود التسوية السلمية بضرورة أن “تراهن على العلاقة مع عموم الشعب الليبي”.

وقبل ذلك قال رئيس مجلس الدولة خالد المشري “بدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ تنتهي الخطوة الأولى، أما الثانية فعودة قوات حفتر إلى أماكنها ما قبل 4/ 4، ثم نبدأ الحديث عن الثالثة”.

ويردد الإسلاميون هذا الشرط منذ بدء الجيش معركة السيطرة على طرابلس، وهو الشرط الذي يهدف إلى تجريد الجيش من انتصاراته قبل الدخول في أي محادثات، في حين يعتبر البعض أن الإسلاميين لم يبق لهم سوى رفع سقف شروطهم لتقوية موقفهم التفاوضي.

ورحبت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا بوقف إطلاق النار.

وقالت السفارات في بيان مشترك الأحد “نحث الأطراف على اغتنام هذه الفرصة الهشة لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيسية التي تكمن وراء الصراع”.

مهمة تركية في ليبيا لتثبيت حكم الميليشيات

ولعبت أنقرة دورا كبيرا في إقناع روسيا بضرورة وقف إطلاق النار حيث أرسلت وفدا إلى موسكو نهاية ديسمبر الماضي، وينظر إلى إرسالها جنودا إلى ليبيا ورفع دعمها العسكري لميليشيات حكومة الوفاق على أنه مجرد تهديد للجيش الهدف منه إنقاذ أذرعها من الإسلاميين وضمان بقائها في الحكم في إطار تسوية سياسية جديدة.

وتنظر تركيا بقلق إلى الوضع في شمال أفريقيا، ولدى أردوغان مخاوف جدية من أن يواجه سيناريوهات تشبه تراجع حظوظ المشروع الإيراني في المنطقة خصوصا أمام تقدم قوات حفتر عسكريا وسيطرتها على سرت وخسارة النهضة لفرصة تشكيل حكومة تونسية بمرجعية تميل للإسلاميين.

ويقارن أردوغان بشكل متواصل تجربته بالتجربة الإيرانية ويتصرف بعقلية تشبه العقلية الإيرانية.

وسجل مراقبون قلقه من تراخي القبضة الإيرانية على مشروعين مواليين في العراق ولبنان بما يذكره بطموحه في ليبيا وتونس.

والتقى، الأحد، أردوغان بفايز السراج في إسطنبول وسط أنباء عن وصول نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق وفتحي باش آغا إلى إسطنبول. ولم يستبعد مراقبون أن تكون لزيارة رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي إلى تركيا علاقة بما يجري في ليبيا.

ويرى هؤلاء أن أردوغان يراهن على دعم تونس للضغط من أجل فرض تسوية تمنع خروج الإسلاميين من المشهد في ليبيا بعد ما باتوا محاصرين في مصراتة وأجزاء من طرابلس.

وزار أردوغان خلال الفترة الماضية تونس حيث التقى الرئيس قيس سعيد وأثارت زيارته جدلا واسعا ومخاوف من دفع تونس للعب دور يخرجها عن موقف الحياد الذي التزمت به خلال السنوات الماضية.

وعزا مراقبون هدف زيارة أردوغان إلى تونس إلى استخدام عضوية تونس في مجلس الأمن لإدانة الجيش الليبي، وهو ما يبدو أن تونس استجابت له حيث قامت بعد أيام قليلة بالدعوة لعقد جلسة طارئة في مجلس الأمن. وتواترت الأنباء عن فشل تونس وبريطانيا في إصدار قرار يدين الجيش الليبي بسبب الرفض الروسي.

أما الهدف الثاني للزيارة فيتوقع مراقبون أن يكون عسكريا من دون استبعاد فرضية طلب إقامة قاعدة جوية تركية جنوب تونس.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: