احتجاجات الجزائر وأزمة الثقة أول تحد أمام تمرير التعديلات الدستورية
كلف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الأربعاء، لجنة خبراء مكونة من 17 عضوا بقيادة خبير في القانون الدولي، لإعداد مسودة دستور جديد للبلاد خلال ثلاثة أشهر، غير أن تواصل الاحتجاجات المنددة بالسلطة إضافة إلى التشكيك في نزاهة الانتخابات الرئاسية، يضعان تبون أمام تحد تمرير التعديلات الدستورية المقترحة.
يترقب الجزائريون نهاية أبريل القادم دعوة إلى استفتاء على تعديلات دستورية، تندرج في إطار العرض السياسي الذي تعكف السلطة الحالية على تجسيده، من أجل تنفيذ تعهدات الرئيس الجديد للبلاد عبدالمجيد تبون، واحتواء الاحتجاجات السياسية المستمرة منذ شهر فبراير الماضي.
وعين الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، أستاذ القانون في الجامعة الجزائرية، والعضو في اللجنة القانونية بالأمم المتحدة أحمد لعرابة، على رأس لجنة الخبراء التي تضطلع بإعداد تعديلات توصف بـ”العميقة” على الدستور، ليكون بذلك في صدارة القرارات السياسية التي يصدرها الرئيس الجديد، وأول خطوة في تنفيذ التعهدات التي أطلقها تبون خلال حملته الانتخابية.
وقال بيان للرئاسة إن تبون أصدر قرارا بإنشاء لجنة خبراء مكلفة بصياغة اقتراحات لمراجعة الدستور، مكونة من 17 عضوا هم أساتذة قانون في مختلف جامعات البلاد، إلى جانب رئيسها أحمد لعرابة، خبير القانون الدولي.
ويرتقب أن تسلم لجنة الخبراء، حصيلة عملها في تقرير ومشروع قانون دستوري، لرئيس الجمهورية، في أجل أقصاه ثلاثة أشهر، ابتداء من تاريخ تنصيبها، لتصدر آليا دعوة من الرئيس للجزائريين في أول استفتاء خلال عهدته الجارية، من أجل تزكية الدستور المنتظر.
وكان عبدالمجيد تبون، قد وضع مسألة تعديل الدستور، في صدارة التعهدات المذكورة، في خطوة لتجديد رداء السلطة ولاحتواء الاحتجاجات السياسية المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، إلى جانب مراجعات أخرى وعد بها في قانون الانتخابات وشتى النصوص التشريعية المتصلة بالحريات والنشاط السياسي والحقوقي.
وذكر بيان الرئاسة بأن “مشروع مراجعة الدستور بعد تسليمه من قبل اللجنة المختصة، والمشكّلة لهذا الغرض، سيكون محل مشاورات واسعة مع الفاعلين في المشهد السياسي والمجتمع المدني، قبل إحالته إلى البرلمان للمصادقة، ثم طرحه على الجزائريين من أجل الاستفتاء عليه”.
وشهد آخر تعديل للدستور العام 2016، أثناء قيادة عبدالعزيز بوتفليقة للبلاد، لكنه تم تمريره عن طريق البرلمان فقط، ولم يقدم أي حلول للأزمات التي تعيشها البلاد، قبل أن تندلع أحداث الحراك الشعبي، ويتنحى الرئيس صاحب التعديل وتدخل البلاد في مرحلة فراغ مؤسساتي طيلة ثمانية أشهر.
كما عرفت الوثيقة التشريعية الأولى في البلاد، تعديلين آخرين عامي 2002 و2008، سمحا بترسيم الأمازيغية كلغة وطنية، وفتحا العهدات الرئاسية بعدما كانت محددة في عهدة واحدة لخمس سنوات تتجدد مرة واحدة، وهو الأمر الذي أدخل البلاد في أزمة سياسية لم تخرج منها إلى حد الآن، وتكاد تقلب الطاولة على النظام برمته.
تبون يريد توظيف الاستفتاء الدستوري لاكتساب شرعية شعبية قوية، بعد نتائج الانتخابات غير المقنعة للرأي العام
وينتظر أن تشمل التعديلات الجديدة ما عادت إليه نظيرتها العام 2016 فيما يتصل بتحديد العهدات الرئاسية، وتجريد رئيس الجمهورية مما كان يوصف بـ”الصلاحيات الإمبراطورية”، بشكل يعيد التوازنات بين مؤسسات الدولة، ويفسح المجال أمام الانتخابات التشريعية لإفراز حكومة وعودة منصب رئيس الحكومة إلى الواجهة.
وأشار عبدالمجيد تبون، في تصريحات صحافية إلى أن “الدستور المنتظر سيضع حدا للانفراد بالسلطة، وتضمن الفصل الفعلي بين السلطات والتوازن بينها، فضلا عن إعادة الاعتبار للبرلمان في وظيفته الرقابية لعمل الحكومة”، وهي المحاور التي تمسكت بها مؤسسة الرئاسة خلال نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وتشمل التعديلات التي ستقترحها اللجنة أيضا، “تحسين الضمانات التي تكفل استقلالية القضاة، وتعزيز حقوق المواطنين، وضمان ممارستهم لها، وتدعيم أخلقة الحياة العامة، وإعادة الاعتبار للمؤسسات الرقابية والاستشارية”، وفق بيان الرئاسة.
وإذ ينتظر أن يوظف تبون، الاستفتاء الدستوري المنتظر، لاكتساب شرعية شعبية قوية، بعد نتائج الانتخابات الرئاسية غير المقنعة للرأي العام والطبقة السياسية، فإن هاجس “لكل رئيس دستور” بصدد العودة للمشهد، بشكل يعزز الشكوك حول جدوى الدساتير في ظل الاختراق المستمر لها من طرف السلطة نفسها.
وتجلت القضية بشكل واضح خلال أزمة الفراغ المؤسساتي في الأشهر الماضية، ففيما كانت تدفع السلطة وعلى رأسها قيادة الجيش لتنظيم الانتخابات الرئاسية بشتى الوسائل، كان الخرق مستمرا لبنود الدستور، لاسيما في ما يتعلق بالتجديد لرئيس الدولة المؤقت بعد سقوط موعد الرابع من يوليو الماضي، والنفوذ القوي للجيش في تسيير الأزمة الداخلية، حيث خاطب قائد أركان الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، الجزائريين من داخل الثكنات العسكرية نحو خمسين مرة، بينما لم تتعد خطابات رئيس الدولة المؤقت الخمسة خطابات.
وسيكون إقناع الطبقة السياسية والشارع المنتفض ضد السلطة، أول التحديات المرتقبة أمام اللجنة المختصة، في ظل أزمة الثقة العميقة بين السلطة والطبقة السياسية، وسقف الحراك الشعبي المرتفع، والمصمم على رحيل السلطة وتنفيذ تغيير سياسي شامل في البلاد.
ولا يستبعد أن يتلو خطوة التعديل الدستوري المنتظر، حل المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا، وتنظيم انتخابات مبكرة، وهو ما سيفضي إلى ضرورة التطابق مع الدستور الجديد، وفي مقدمة ذلك ميلاد حكومة جديدة، خلفا للحكومة الحالية التي يقودها عبدالعزيز جراد، فضلا عن المؤسسات الأخرى.
وكان الرئيس الجزائري الجديد أعلن، الأحد الماضي، خلال ترؤسه أول اجتماع لمجلس الوزراء عزمه “إجراء تعديل عميق للدستور وإعادة النظر في منظومة الحكم” في البلاد من أجل بناء جمهورية جديدة.