هل اقترب “الطلاق” بين “التوحيد والإصلاح” و”العدالة والتنمية”؟

بعد تعميق طابعها الدعوي في ميثاقها الجديد المصادق عليه في مؤتمرها العام الأخير، تنخرط حركة “التوحيد والإصلاح”، الذراع الدعوية لحزب “العدالة والتنمية” (إسلامي)، قائد الائتلاف الحكومي بالمغرب، في تقييم شراكتها مع الحزب.

منذ مدة تطرح “التوحيد والإصلاح” مراجعة علاقتها مع “العدالة والتنمية” على طاولة البحث، والاتجاه الغالب داخل الحركة، خلال المرحلة المقبلة، هو مزيد من التعميق، للتمايز إلى أبعد مدى ممكن.

وينذر هذا النهج، وفق مراقبين، باحتمال اقتراب “الطلاق” بين الحركة، التي تعود إرهاصات ميلادها إلى سبعينيات القرن العشرين، والحزب، الذي يتصدر المشهد السياسي في المملكة منذ عام 2011.

ثنائية الدعوي والسياسي

نشأت حركة “التوحيد والإصلاح” في أواسط سبعينيات القرن العشرين، من خلال فعاليات كانت تقيمها جمعيات إسلامية.

وتحققت وحدة اندماجية بين الحركة و”رابطة المستقبل الإسلامي”، في 31 غشت 1996، لتولد رسميا الحركة باسمها وصيغتها الحاليتين.

ومنذ ميلادها، أعلنت الحركة تبنيها خيار التمايز بين ثنائية “الدعوي والسياسي”.

ويقوم خيار التمايز، وفق أدبياتها، على شراكة استراتيجية بين الهيئتين الدعوية (الحركة) والسياسية (حزب العدالة والتنمية)، باعتبارهما شريكين في مشروع إصلاح واحد، والتمايز يشمل الوظائف ومجالات العمل والخطاب والرموز.

تطليق السياسة

في غشت  2018، صادق المؤتمر العام للحركة، وهو يضم ممثلين عن كل فروعها، على تعديلات في ميثاقها المؤسس، الذي يحدد أهدافها وبرامجها، تدعو إلى “تطليق” السياسة وتعميق طابعها الدعوي.

من أهم التعديلات في ميثاقها هو إحلال قسم باسم “مداخل الإصلاح ومجالات عمل الحركة” محل قسم “مجالات العمل”، والتخلي عن “المجال السياسي”.

وأصبحت الحركة تحدد “مجالات العمل” في: الدعوة، التربية، التكوين، والمجال العلمي والفكري.

أما “العمل السياسي” فجعلته الحركة مدخلا من مداخل الإصلاح، وفق ميثاقها.

وتقصد بالعمل السياسي “مختلف الأعمال والمهام الرامية إلى التزام المؤسسات والممارسات السياسية بمبادئ الإسلام وأحكامه وقيمه، وأن تكون منضبطة بالتوجهات الإسلامية التي تؤطر مجال العمل السياسي”.

وكان الميثاق المؤسس للحركة، المعتمد منذ 1998، يحدد “المجال السياسي” ضمن عشرة مجالات للعمل هي: الدعوة الفردية، الدعوة العامة، العمل الثقافي والفكري، والعمل العلمي التعليمي.

إضافة إلى المجال التربوي والتكويني، والاجتماعي والخيري، والمجال السياسي، والمجال النقابي، والمجال الإعلامي، والمجال الاقتصادي.

وكان يحدد ثلاث وسائل للمجال السياسي هي: تأصيل العمل السياسي بالدراسات والأبحاث، توفير الآليات المشروعة اللازمة للعمل السياسي، والعمل على تقديم صورة جديدة للممارسة السياسية الراشدة والنظيفة.

تغييرات في الحركة

تعتبر حركة “التوحيد والإصلاح” أن توجهها الجديد بعدم الاشتغال بالسياسة كشأن حزبي “نابع من قناعة فكرية واجتهاد في العمل الإسلامي مغاير لما اعتمدته أغلب الحركات الإسلامية الحديثة”، وفق رئيس الحركة، عبد الرحيم شيخي، في 2018.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه هو تدقيق في هوية الحركة، وخطوة استباقية لما قد تنتهي إليه تجربة حزب “العدالة والتنمية” في الحكومة.

وغادر حزب “التقدم والاشتراكية” الائتلاف الحاكم، في 2019، محذرا من تداعيات ما قال إنها صراعات مستمرة بين مكونات الائتلاف، قبل انتخابات برلمانية وبلدية في 2021.

وذهبت تقارير إعلامية إلى صعوبة حصول “العدالة والتنمية” على المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة، بينما ترى أخرى أن الإسلاميين سيتصدرون الانتخابات، في ظل عدم وجود أحزاب سياسية بديلة قوية.

كما يهدف التوجه الراهن داخل الحركة، وفق المراقبين، إلى مزيد من الوضوح في مسألة التمايز بين الدعوي والسياسي، خاصة أن البعض يصف الحركة بالذراع الدعوية للحزب، وآخرون يصفون الحزب بالذراع السياسية للحركة.

وتأسس “العدالة والتنمية” في 1967، على أيدي المقاومين للاستعمار الفرنسي عبد الكريم الخطيب، وابن عبد الله الكوتي، باسم “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية”.

وفي 1996 عقد الحزب مؤتمرا استثنائيا لتمكين قيادات من حركة “التوحيد والإصلاح” من الحصول على عضوية أمانته العامة.

وللمرة الأولى في تاريخه، تصدر الحزب، في 2011، الانتخابات البرلمانية، ليترأس حكومة، قادها عبد الإله بن كيران من نوفمبر 2011 إلى مارس 2017، بعدما تصدر انتخابات 2016.

وفي مارس2017، عيّن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة، خلفا لعبد الإله بنكيران، بعدما تعذّر على الأخير تشكيل الحكومة.

ويستمر العثماني، الأمين العام لـ”العدالة والتنمية” الحالي، في رئاسة الحكومة، بعد تعديل حكومي جرى في 9 أكتوبر الماضي.

 

انتهاء ازدواجية العضوية

من الخطوات التي تؤكد أيضا التوجه نحو فك الارتباط نهائيا بين الحركة الدعوية والحزب السياسي هو إبعاد قيادات ووزراء الحزب من المكتب التنفيذي للحركة، بعد أن كانت بعض القيادات تجمع بين عضويتيهما.

وقبل مؤتمرها العام كان ثلاثة أعضاء في المكتب التنفيذي للحركة يمتلكون عضوية في الأمانة العامة (الهيئة التنفيذية) للحزب، أبرزهم محمد الحمداوي، منسق مجلس الشورى (أعلى هيئة في الحركة).

كما أن عضوين في المكتب التنفيذي للحركة كانا وزيرين في الحكومة، هما: محمد يتيم الوزير السابق للشغل (العمل) والإدماج المهني، ومصطفى الخلفي، الوزير السابق المنتدب المكلف بالمجتمع المدني، المتحدث السابق باسم الحكومة.

وخلت اللائحة الحالية لأعضاء المكتب التنفيذي (أعلى هيئة) للحركة من أي اسم من وزراء “العدالة والتنمية” أو أعضاء أمانته العامة، بمن فيهم محمد الحمداوي، الذي ترأس الحركة لولايتين (2002-2014)، وتفرغ للعمل في قيادة الحزب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: