حكومة تناقضات للنهوض باقتصاد جزائري متهالك
اتسع الجدل داخل الأوساط الجزائرية بعد الكشف عن التشكيل الحكومي، حيث اعتبرت الأوساط الاقتصادية أن تشكيلة الحكومة المُعلنة تعكس رؤية اقتصادية وسياسية لا تتماشى مع أولويات البلاد في المرحلة المقبلة.
عزّز اختيار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لفريقه الحكومي التوجّهات المعلنة للحكومة منذ أشهر، حيث كشفت عن معالم السياسة الاقتصادية التي ستعمدها البلاد في إطار فتح السوق المحلية للنفط على الشركاء الأجانب، وتفعيل قطاعات الزراعة والتكنولوجيات الرقمية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وأحدث إعلان مستشار الإعلام في الرئاسة والناطق الرسمي باسمها محند سعيد أوبلعيد، عن استحداث وزارة “الحاضنات”، جدلا واسعا لدى الرأي العام المحلي، بسبب دخول المصطلح لأول مرة للتداول في البلاد.
وتختص وزارة الحاضنات في تكوين الشباب أصحاب المشاريع ويعوّل عليها لقيادة خطط الدولة في خلق القيمة المضافة وتصدير خدماتها للخارج وجلب العملة الصعبة وتوظيف اليد العاملة.
ولكن هذه الخطة اصطدمت بتداخلها في صلاحيات وزارة المؤسسات الصغيرة والناشئة واقتصاد المعرفة مما خلّف موجة من التساؤلات والمخاوف داخل أوساط الأعمال.
وفي المقابل خيّر الرئيس تبون المنتخب مؤخرا بالجزائر الإبقاء على حقائب وزارية ثقيلة كالنقل والأشغال العمومية والتهيئة، فيما قام بتجزئة وزارات إلى حقائب متعددة، في وقت ترتفع فيه الانتقادات عن جدوى خطاب في تعزيز الحوكمة وترشيد الإنفاق الحكومي.
ولم يستوعب الجزائريون التفريق بين دور التربية التحضيرية للأطفال، وبين التعريف العلمي للمصطلح ودخوله في اختصاصات تكنولوجيا الاتصال.
وأدّى ذلك إلى صدام بين طموحات السلطة في ولوج عوالم متطورة، مقابل مجتمع يرزح تحت أمية إلكترونية كبيرة.
وكان تصنيف جديد لمؤسسة دولية مختصة، قد وضع الجزائر في المرتبة ما قبل الأخيرة في لائحة تتكوّن من 128 دولة في مجال إنترنت الهاتف الجوّال، وضمن الخمسة الأواخر في لائحة تتكون من 178 دولة في مجال إنترنت الهاتف الثابت.
وصرّح مسؤول سابق في وزارة البريد وتكنولوجيا الاتصالات، رفض الكشف عن هويته، لـ”أخبارنا الجالية ”، بأن “النطق السليم كان يتوجب ذكر الحاضنات التكنولوجية”، لتوضيح الأمر للرأي العام، بما أن الأمر يتعلق بأحد تخصصات التكنولوجيات المذكورة.
وأضاف “استحداث وزارتين منتدبتين للوزارة الأم (البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيات الرقمية) يعكس توجه السلطة إلى الخوض في تطوير هذا القطاع المتخلّف”.
وحذّر المتحدث من أن “تجرّ المسألة إلى تداخل في الصلاحيات واصطدام في النشاط بين الحاضنات التكنولوجية وبين الوزارة المنتدبة للمؤسسات الناشئة”.
وفي ظل تواصل تجاهل وزارة التخطيط، فإن السلطة عادت لبعث وزارة منتدبة للاستشراف والإحصائيات، التي أوكلت للخبير الاقتصادي والوزير السابق بشير مصيطفى، وهو ما وصفه مصدر “العرب” بـ”الارتجال والعشوائية”، بسبب ما أسماه بـ”العودة إلى تصميم الرئيس السابق للحكومة”.
وأدان المتحدث على الرئيس عبدالمجيد تبون، تضخيم الطاقم الحكومي إلى 39 حقيبة بين وزير ووزير منتدب وكاتب دولة، وهو التعداد الذي يفوق غالب الحكومات في العالم.
واعتبر أن هذا العدد لا يعكس الحوكمة الراشدة في تسيير مقدرات الشأن العام، قياسا بما تتطلبه كل حقيبة من إمكانيات بشرية ومادية ولوجستية، في حين تتخبّط البلاد في أزمة خانقة.
ومن جهة أخرى وبما أن السلطة حسمت مسألة قانون المحروقات أسابيع قبل الانتخابات الرئاسية، بشكل يزيح كل إمكانيات تعطيله، فإنها أبقت على وزير الطاقة محمد عرقاب على رأس القطاع.
ويرى خبراء أن هذه الخطوة تهدف إلى تهيئة المناخ أمام الشركاء الأجانب، وإضفاء الاستقرار بعد المراجعات الجذرية التي أدرجت عليه، خاصة في ما يتعلق برفع الأعباء الجبائية والجمركية وزمن الاستكشاف والاستغلال وغيرها من المحفزات.
ورغم محدودية هامش المناورة لحكومة عبدالعزيز جراد، بالنظر إلى الظروف السياسية المحيطة بالبلاد، إذ يرتقب ألا يتجاوز عمرها عاما واحدا، فإنه ينتظر أن تنزل ببرنامجها إلى البرلمان خلال الأيام القليلة المقبلة، أملا في الحصول على تزكية سريعة تسمح لها بمباشرة أعمالها.
وبالنظر إلى إمكانية حلّ المجالس المنتخبة خلال الأشهر القادمة، وتنظيم انتخابات تشريعية ومحلية في غضون العام الجاري أو بدايات العام القادم، فان الأنظار بدأت تتوجه إلى حكومة سياسية تتجاوز الحكومة الحالية الموصوفة بـ”التكنوقراط”.
وسيؤدي ذلك إلى تكريس محدودية هامش طاقم عبدالعزيز جراد، ويجعله تحصيل حاصل لتوجهات اقتصادية واجتماعية برمجتها السلطة خلال الأشهر الماضية.
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون، قد ألمح في أول خطاب رسمي إلى معالم برنامجه الاقتصادي والاجتماعي، بالتركيز على النهوض بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة.
وتحصّل قطاع المؤسسات على وزارتين جديدتين، فضلا عن قطاع الزراعة الذي أُفرد له حقيبتان منتدبتان، وهو ما يحيل إلى نموذج زراعي مماثل ذهاب للنموذج الأميركي في الجنوب الصحراوي، بهدف استدراك النقص المسجل في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المقدّر بنحو مليوني مؤسسة.
ويظهر اعتماد الحكومة على عدد من الخبراء والمختصين في المجالات الاقتصادية، مؤشرا على الطابع التكنوقراطي لحكومة تعول عليها السلطة لاحتواء التوترات الاجتماعية، خاصة في ظل الاختلالات الكبرى التي يعاني منها الاقتصاد المحلي.
ومع ذلك تبقى طبيعة البرنامج الحكومي المنتظر في شقيه الاقتصادي والاجتماعي، محل استفهام قياسا بالتوجهات والرؤى المتضاربة للخبراء المذكورين، فقد سبق لوزير الصناعة لفرحات آيت علي ووزير الاستشراف والإحصاء بشير مصيطفى، أن أدليا بتصريحات متضاربة في لقاءات سابقة مع “أخبارنا الجالية ”، عن السياسية المالية والصناعية المنتهجة من طرف الحكومات السابقة.
وتلفّ الضبابية البرنامج الحكومي حيث يتساءل الجزائريون عن أولوياتها، هل ستكون في تنفيذ برنامج حكومة الرئيس أم للتصورات التي يحملها الوزراء للاقتصاد المحلي.
وتواجه الجزائر تحديات كبيرة على المدى القريب، بسبب تآكل رصيد النقد الأجنبي إلى حوالي 50 مليار دولار، الأمر الذي يغطي احتياجات أقلّ من سنتين.
ويشكّل استنزاف مخزون العملة الصعبة هاجسا وضغطا على الحكومة وهو ما يبرّر توجّهها إلى فتح مجال الاستكشاف والاستثمار في مجال الطاقة، وحتى الغاز الصخري، رغم الجدل الذي يحيط به من طرف المعارضين.