حكومة جزائرية جديدة دون تطلعات الخروج من الأزمة
كشفت الرئاسة الجزائرية عن تركيبة الحكومة الجديدة بعد أيام من الترقب والانتظار، لتكون بذلك أول جهاز تنفيذي تفرزه السلطة الجديدة في البلاد، تأمل من ورائه احتواء الأوضاع المتأزمة وإعادة الثقة للشارع المنتفض منذ قرابة العام، لكن الأصداء القادمة من عمق الحراك الشعبي، توحي بأن لعبة القبضة الحديدية بين السلطة والحراك ما زالت مستمرة.
وخرجت مظاهرات شعبية في العاصمة الجزائرية ومختلف مدن ومحافظات الجمهورية، الجمعة، للتعبير عن عدم الاعتراف بالمؤسسات المنبثقة عن الاستحقاق الرئاسي الأخير، وتجديد المطالب الأساسية للحراك الشعبي، المتمثلة في تنحي السلطة القائمة وتحقيق تغيير سياسي شامل في البلاد.
وبذلك تكون حكومة عبدالعزيز جراد، المعلن عنها ليل الخميس، من طرف رئاسة الجمهورية، قد تلقت أول رد فعل من طرف الشارع الجزائري المنتفض والرافض للمؤسسات المستحدثة، بداية من الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون، إلى حكومة عبدالعزيز جراد، وتدخل بذلك في أول التحديات التي واجهتها الحكومة السابقة بقيادة نورالدين بدوي.
ورغم حيازة البرلمانية عن كتلة جبهة المستقبل بسمة عزاور، على منصب وزير العلاقات مع البرلمان، وعودة بعض الوجوه المعروفة بانتمائها الحزبي، على غرار سيد أحمد فروخي، إلا أن الطابع التكنوقراطي غلب على الحكومة الجديدة، لاسيما في ظل استحداث حقائب وكتابات دولة ووزارات منتدبة، تتصل بالقطاعات الاقتصادية والتكنولوجية.
وظهرت نوايا الرئيس عبدالمجيد تبون في استرضاء الشارع القبائلي واضحة من خلال استقدام شخصيات ووجوه تنحدر من المنطقة لشغل مناصب مختلفة في رئاسة الجمهورية وفي حكومة عبدالعزيز جراد، إلا أن المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها العاصمة ومدن البويرة وبجاية وتيزي وزو، تؤكد أن القطيعة بين الطرفين لا رجعة فيها، وأن الشارع لم تعد تقنعه الأسماء الأمازيغية القريبة من السلطة أكثر من قربها من عمق المنطقة.
واعتمدت السلطة في تشكيلتها الحكومية على عدد من خبراء ومحللي البلاتوهات التلفزيونية ووسائل الإعلام، لشغل مناصب حساسة كما هو الشأن بالنسبة إلى كمال رزيق في التجارة وفرحات آيت علي في الصناعة والمناجم، وعبدالمنعم شيتور في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لكن تصريحاتهم ومواقفهم السابقة تبعتهم إلى مناصبهم الجديدة، خاصة بالنسبة إلى الأول والثاني اللذين كانا على خصومة جماعية أو جزئية مع الحراك الشعبي.
وكانت الحسابات الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي والأرقام الشخصية لهؤلاء أول ما تغير في المشهد الجديد، ليطرح بذلك إشكالية التواصل بين أفراد الحكومة والرأي العام، لاسيما وأن الناطق الرسمي لمؤسسة الرئاسة المعين حديثا محند سعيد أوبلعيد، بدا غير موفق في أول خروج له للكشف عن التشكيل الحكومي.
وإذا بدا التكوين الأكاديمي عاليا لدى معظم الطاقم الحكومي، إلا أن الكفاءات العملية تبقى غير مضمونة، في ظل فشل تجارب مماثلة سابقا، واختلاف الممارسة الميدانية عن التنظير الأكاديمي، فضلا عن المعوقات المنتظرة في طريق هؤلاء، خاصة فيما يتصل بالشرعية الشعبية واستمرار الاحتجاجات السياسية.
وكان تضخيم التعداد الحكومي إلى 39 حقيبة بين وزراء ووزراء منتدبين وكتاب دولة، أول انتقاد وجه لحكومة عبدالعزيز جراد، فضلا عن الاحتفاظ أو عودة بعض الوجوه المحسوبة أو المعروفة بولائها المطلق لشخص الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
واحتفظ رئيس الوزراء بعدد من وزراء الحكومة السابقة، على غرار وزير الطاقة محمد عرقاب، في رسالة لطمأنة الشركاء الأجانب بالتزام الجزائر بقانون المحروقات الذي استحدث خلال الأسابيع الماضية، ووزير الخارجية صبري بوقادوم لرصيده الدبلوماسي في الأمم المتحدة واطلاعه على مختلف الملفات.
إلا أن اللافت هو استغناء حكومة عبدالعزيز جراد عن منصب نائب وزير الدفاع الوطني، لأول مرة منذ استحداثه عام 2004، ليبقى منصب وزير الدفاع من نصيب رئيس الجمهورية بموجب نصوص الدستور، وهي الخطوة التي ألمحت إلى إبعاد شكلي للجيش عن الواجهة السياسية، بعد اللغط الكبير الذي أحاط بنفوذ العسكر في السلطة، خاصة لما كان نائب وزير الدفاع الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، هو الفاعل الأساسي في السلطة والعسكر خلال الأشهر التي أعقبت تنحي بوتفليقة عن الرئاسة مطلع أبريل الماضي.