تحقيق : دكتوراه ابراهيم ليتوس ضمن شهادات الوجبات السريعة
مجدي فاطمة الزهراء
مادام يستمر الفاسدون والانتهازيون والمنافقون بين الجالية ، من الصعب الحديث عن الأمل والتغيير. وحتى لا نكون مثاليين، فإن الحياة اليومية ببلجيكا عمومًا بطبيعتها تتحمل المناورة والكذب أحيانًا، والازدواجية، لكن الموضوع عندنا زائد وكثير، وتخطى كل المسموح به عالميًا ومحليًا، فطبيعى أننا لا نمسك للناس مقصلة أو نحاكم النوايا، لكن الحقيقة أن هناك فاسدين بإجماع الآراء، وانتهازيين باتفاق الأدلة، يتسللون ويقدمون أنفسهم في ثياب الدكاترة ، فالدكتور ابراهيم ليتوس الذي أصبح يقدم نظريات فى الدين و السياسة و الحلال و الحرام ، ويطالب بالتطهير والمكاشفة، بينما أول مكاشفة تعنى أن يحاكم ، بعدما أوى في بيته عبد القادر بلعيرج المتهم بتزعم خلية إسلامية متشددة وبارتكاب ست جرائم قتل في بلجيكا نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات ومازال مستمر في إيواء زوجته و ابنائه يعنى ضياع أي إمكانية للتغيير..
فالجامعة الدولية للصحافة بلاهاي التي يزعم ابراهيم ليتوس خريجها أصبحت موئل كل فاشل وخائب بين الجالية المغربية ببلجيكا. ويتسابقون على شراء مؤهلات علميّة “وهميّة” من الجامعة الهولندية المسماة “بالاسم فقط” التي تزعم تقديم التعليم الإلكتروني عن بُعد والتي لا تعترف بمؤهلاتها أيّ دولة في العالم بما في ذلك بلدها المضيف هولندا. كما لا تمتلك اعتماداً من قبل أية جهة حقيقية مخولة رسمياً بالاعتماد الأكاديمي.
لا تنكر الجامعة ذلك؛ فهي تقرّ في موقعها الرسمي بأنها “مؤسسة قانونية هولندية لا تعادل وزارة التعليم الهولندية شهاداتها“. فكيف تصطاد زبائنها إذن؟ ببساطة، تقول لهم ـــ بحسب الموقع أيضاً ـــ إنها “عضو في اتحاد الجامعات العالمي(WAUC). لكن ما هو هذاالاتحاد بالضبط الذي تمتلك عضويّة فيه؟ بالبساطة نفسها، لا شيء. هو ليس سوى موقع وهمي آخر لهيئة غير معروفة من أي جهة رسمية علمية في العالم. أنشأ (World Association of Universities and Colleges) أساسًا لأغراض اعتماد شهادات جامعات غير معتمدة منتشرة بكثرة على الإنترنت، وغالباً تشرف عليه هذه الجامعات غير المعتمدة أصلاً. لكن حتى موقع هذا الاتحاد الاحتياليّ قد أغلق أيضاً. إذ لم يعد متاحاً على الشبكة. فيما تواصل الجامعة المذكورة “الفشخرة” به على موقعها كجهة اعتماديّة لمؤهلاتها.
العملية هي كالتالي: أنشيء جامعة غير معتمدة. ثم أنشيء ـــ أنت نفسك ـــ جهة اعتماد تعتمد شهادة الجامعة غير المعتمدة. الأمر لا يتطلب سوى حجز نطاق على شبكة الإنترنت للجامعة الاحتيالية ولجهة الاعتماد الاحتيالية معها. هذه كل القصة؛ نطاقان على الشبكة العنكبوتية! وكمواصلة في الالتفاف على الطرق الصارمة المعروفة للاعتماد الأكاديمي تلجأ جامعة “لاهاي” إلى الحيلة المكمّلة الأخرى وهي حيلة “كاتب العدل“.
إذ تقنع ضحاياها بأنهم يستطيعون “تصديق شهاداتهم عند كاتب عدل في ألمانيا وهولندا“. وهي تعترف بأن ذلك “هو أعلى توثيق رسمي يمكن الحصول عليه“. فما هو كاتب العدل؟ إن آلية عمل كاتب العدل هي المصادقة على إجراء تمّ أمامه لا المصادقة على مضمونه. ولايتضمّن تصديقه اعترافاً أو اعتماداً من أيّ نوع لمضمون الشهادة. على هذا فإن الشهادة الممنوحة تظلّ غير معتمدة وليس معترفاً بصدورهاعن أي مؤسسة أكاديمية.
رغم ذلك فإن جامعة “لاهاي العالمية” وأكاديمية “لاهاي الدولية” وجامعة “لاهاي للصحافة والإعلام” وجامعة “لاهاي للعلوم التطبيقية” و“الجامعة الحرة” في هولندا والتي تقدم التعليم عن بعد بشكل موجه للعرب خصيصاً تواصل اصطيادها الطلبة الباحثين عن مؤهلات على طريق الوجبات السريعة (Diploma Mills) والقادرين على الدفع. تدار جميع هذه الجامعات الوهميّة من قبل شبكة واحدة تتألف من عرب عراقيين مقيمين في هولندا كرجل الأعمال مجيد خليل الذي أسس جامعة لاهاي الدولية في مدينة دينهاخ وتدرّ عليهم الملايين مقابل منح ضحاياها شهادات لا يعتد بها من قبل أي جهة كما لا تؤهل حامليها الانتقال أومواصلة الدراسة في أيّ مؤسسة تعليميّة حكومية ولا تلك المعترف بها عالميّاً.
مكتب ليس سوى اسم وإيميل مجاني
لقد عرّفت وزارة التعليم الأمريكية (U.S. Department of Education) الشهادات التي تقدم بطريق الوجبات السريعة بأنها “عروض لرسوم أو شهادات أو دبلومات أو درجات جامعية تعرض على العامة بما يفيد أن الشخص المالك للدرجة العلمية أو الدبلوم أو الشهادة قدأكمل فيها أحد برامج التعليم العالي أو برامج التدريب. وقد يطلب من الأفراد دراسة منهاج صغير أو قد لا يطلب أي دراسة للحصول على مثل هذه الدرجات العلمية أو الدبلوم أو الشهادات. هذه البرامج أو الشهادات تقدم من قبل مؤسسات يعوزها الاعتماد من قبل وكالة أو هيئة اعتمادية مخوّلة بمنح الاعتماد الجامعي للمؤسسات التعليمية“.
لو أردنا توصيفاً دقيقاً لأنشطة جامعة “لاهاي” وملحقاتها فهو ببساطة هذا التوصيف المذكور بالضبط على موقع وزارة التعليم الأمريكية.
يشير عنوان جامعة “لاهاي” المدوّن في موقعها الرسمي على الإنترنت إلى مبنى شقق سكني في هولندا (الصورة من غوغل). لايحوي المبنى أيّ لافتة أو إشارة توحي بأنه يحتضن المقر الرئيسي لمؤسسة علميّة تتفاخر بأنها تمنح “الشهادات الأكاديمية ابتداءً من الدبلوم ذي السنتين بعد الثانوية العـــامة والبكالوريوس والدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه وشهادات الدبلوم المهنية والتدريبية“.
غالباً، هي تمتلك شقة سكنية في هذا المبنى. أو لعلّها غرفة فقط لاستيفاء متطلبات الحصول على عنوان للسجل التجاريّ.
موقع جامعة “لاهاي” الدوليّة في عمارة سكنية بعد وضع عنوانها المدرج في صفحتها على موقع خرائط “غوغل.
دكتوراه التعليم عن بعد والنظامي “في الهوا سوا“
لا تشير جامعة “لاهاي” في شهاداتها الممنوحة إلى أسلوب التعليم الذي اتبعه الطالب في تحصيل مؤهله، وهو التعليم عن بعد أو التعليمالإلكتروني والذي عادة ما يقتصر على أسابيع قليلة لا يجاوز مجموعها الشهرين أو الأربعة أشهر على الأكثر (انظر صورة المؤهل). هي تكتفي بمنحه مؤهلاً عامّاً ـــ كالدكتوراه أو الماجستير ـــ يوازي ذلك المؤهل نفسه الذي قضى فيه طالب نظاميّ جادّ في جامعة مرموقة سنوات من عمره.
نموذج لإفادات التخرج التي تمنحها جامعة “لاهاي” حيث تخلو من أيّة إشارة إلى نيلها عن طريق نظام التعليم الإلكترونيّ عن بعد
لقد أصبحت هذه الجامعة الاحتيالية التي أنشأت في سنة 2007 بهولندا بدون أي إعتماد أو إعتراف من الدولة الهولندية فقط تسجيل بإسم “الجامعة الدولية بلاهاي “ من طرف رجل الأعمال مجيد خليل تحديداً بكلّ موبقاتها المذكورة أعلاه وسيلة الترقّي العلميّ المعتمدة لمسئولي الدّولة الفاشلين دراسيّاً. أشخاص كإبراهيم ليتوس و ما أكثرهم يظهرون فجأة على وسائل الإعلام وفي مواقع عملهم معمّدين بحرف الدال “د.” بين يوم وليلة. متى فعلوا ذلك؛ لا أحد يعلم. كان يكفي وزارة التربية والتعليم كمسئولة عن النظام التعليمي “دعسة” واحدة في محركات البحث لتبان لها خلفية هذه الجامعة وقصّتها الكاملة مع كثرة الإعلانات في الجرائد عن الدكاترة المتخرجين منها. لكنّها آثرت الصّمت عن كلّ ذلك كأنّ الأمر لا يعنيها.
كيف يمكن تصديقهم وهذا أثر مزاميرهم؟
يمثل منح “الدكتوراه الفخرية” للمسئولين والشخصيات العامّة أحد أساليب الاحتيال المتبعة من قبل كافّة الجامعات الوهمية وغير المعتمدة للتغطية على افتقارها إلى الاعتماد الأكاديمي. في العام 2012 منحت جامعة “لاهاي” الدكتوراه الفخرية في القانون لرئيس مجلس النواب البحرينيّ السابق خليفة بن أحمد الظهراني. وقد كان رئيس الوزراء نفسه أول من يبرق له بالتهاني. جاء في برقية التهنئة له “يطيب لنا أن نُعرب لكم عن تهانينا بمناسبة منحكم الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة لاهاي الدولية (…) حيث يعد هذا التكريم تقديراً لعطاء وجهد بذلتموه في خدمة الوطن“.
نماذج من تهنئات مسئولين بحرينيين كبار لموظفين في الدولة حاصلين على شهادات زائفة
في العام 2012 أيضاً منحت الجامعة نفسها “لاهاي” عضو مجلس النواب البحريني السابق الشيخ جاسم السعيدي شهادة الدكتوراه. مرّة أخرى حُملت له كلمات التهاني والتبريكات الرفيعة على رقاع الصّحف؛ لكن هذه المرّة على لسان وزير الداخلية السابق راشد بن عبدالله آل خليفة. وقد هنأه على حصوله “على هذه الدرجة العلمية العالية“، مشيدا بـ“موضوع الرسالة والمضامين الجيدة التي احتوتها“. ربما كان ذلك قبيل المجاملات المتعارفة بين سياسيين يتخادمون فيما بين بعضهم البعض.
ومن الطبيعي بعد هذه المهزلة لدكتوراه ليتوس التي تدخل ضمن الوجبات السريعة و التي من المفروض ان توجد نسخة للبحث العلمي للدكتوراه في خزانة الجامعة و صفحة خاصة للدكتور في موقع الجامعة تحوي جميع المعطيات عن الدراسة و البحث أن يؤخذ الدين في عقيدته وشريعته ومفاهيمه من أهل الاختصاص، عملاً بالقاعدة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم، والتي أرشد إليها القرآن بقوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].
إلاّ أنّ واقع الجالية مغاير لذلك تماماً، حيث نشهد فوضوية شاملة في هذا المجال، فالكل يتكلم باسم الدين، سواءً مَن كان أهلاً لذلك أو مَن ليس أهلاً له، وهكذا يكثر المفتون والناطقون باسم الإسلام، وأخطر ما نواجهه في هذا المجال تصدّي ما يسمي نفسه دكتور ليتوس (لاهاي).
لاسيّما من ذوي النزعات التكفيرية للإفتاء في صغار الأمور وكبارها، فتراه يُحلّل ويُحرّم ويكفر ويضلّل ويهدر دماء الأعداء والأصدقاء، المجرمين والأبرياء متجاوز بذلك أكابر الفقهاء وذوي الحلّ والعقد، وبذلك أدخل الجالية في نفق مظلم لا يعلم منتهاه إلا الله.
ولهذا، يكون لزاماً على كلّ الحريصين على الإسلام السعي لوضع حدٍّ لهذا الفلتان وهذه الفوضى، والعمل على تثقيف الأُمّة على احترام التخصّصات، لأنّ الأُمّة التي لا تحترم التخصّصات العلمية هي أُمّة لا تحترم نفسها، ولن توفّق في عملية النهوض، وكيف تنهض أُمّة يغدو كلّ فرد من أفرادها فقيهاً و دكتورًا و صحفيا وطبيباً ومهندساً وفلكياً .. في آنٍ واحد، على الرّغم من اتجاه العالم إلى التخصّص حتى في فروع محدّدة من كلِّ علم من العلوم المذكورة، لصعوبة الإلمام بجوانب كلّ هذا العلم!