الصورة المزيفة لبلاد الحرمين… عزيزة جلال تصدم جمهورها… وقدر باطما ساقها للمحاكم عوض الحفلات!
احتفلت التلفزيونات العربية، كل واحد على طريقته، بنهاية عام 2019، فبثّتْ سهرات فنية، تنافست فيها على استدعاء العديد من النجوم، أملاً في استقطاب الجمهور الذي يتنقل من قناة إلى أخرى، ويبحث في الهواتف الذكية، بين الحين والآخر، على مستجدات شبكات التواصل الاجتماعي، دون أن ينسى تبادل بطاقات التهاني مع الأصدقاء والمقرّبين.
إنه مشهد مألوف ومعتاد منذ سنوات عدة، لكنّ غير المألوف هو المَشاهد التي تناقلتها قنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية وشبكات تواصل، حول ما عرفته العاصمة السعودية من حفلات تندرج ضمن “تسويق” الصورة الجديدة لبلاد الحرمين الشريفين، صورة الانفتاح والتحرر والقطع مع زمن التشدد والانغلاق. انطلقت الحفلات التي نظمتها “هيئة الترفيه” في الرياض منذ أكثر من أسبوع، وتضمنت مجموعة من الألعاب والاستعراضات والأغاني والرقصات وغيرها.
طبعًا، لا يمكن لأيّ امرئ حداثيّ إلاّ أن يكون مع مظاهر الفرح والاحتفال، التي تُعبِّـر عنها الشعوب بأساليبها الخاصة، فذاك ينسجم مع المنطق السليم والسجيّة الإنسانية.
لكنّ التحول الفجائي الذي يشهده المجتمع السعودي لا يجري بشكل سلسل وتدريجيّ، لكونه متحكمًّا فيه من فوق. فلا عجب إذن، أن تحدث وقائع صادمة وغير سليمة، من قبيل تدخين المخدرات، وتعمُّد التعري والسُّكْر الطافح، والتحرش بالفتيات والنساء… مثلما أكّد أبناء البلد قبل الأجانب.
السلطات السعودية تخصّص أموالا باهظة للترويج لتوجّه “الانفتاح” الذي يرعاه ولي العهد محمد بن سلمان، ويذهب جزء من تلك الأموال لمُدوّنين مُؤثّرين في شبكات التواصل الاجتماعي ولفنانين وفنانات وعارضات أزياء أجنبيات ممن تلقى حساباتهم على “إنستغرام” و”تويتر” رواجا كبيرا، أملاً في تلميع صورة السعودية في العالم. ونَقل موقع قناة “الحرّة” الأمريكية عن إحدى الكاتبات قولها إن “هؤلاء المؤثّرين ووسائل الإعلام (التي يصعب ذكرها لكثرتها) يستخدمون منصّاتهم للادّعاء بأنهم ينصرون حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية، لكنهم أيضا يَقبلون المال من السعودية”.
بيد أن الممارسات الناشزة التي تُرافق الحفلات في بلاد الحرمين الشريفين تضرب بكل تلك المساعي عرض الحائط.
والشاهد على ذلك، ما وقع أخيرا في مهرجان “ميدل بيست” الذي أقيم في العاصمة الرياض، فقد أورد أكثر من مصدر استياء الفتيات والنساء الحاضرات هناك (وضمنهن أجنبيات) بسبب تعرضهن للتحرش اللفظي والحركي من طرف شباب سعوديين. وفي هذا السياق، انتشر فيديو لفتاة أمريكية تقول فيه: “لقد كرهت الجمهور، مستوى التحرش الجنسي في الحفل كان سخيفا للغاية، لم يكن هناك سبب، كنت أؤدي حركات بسيطة، لا شيء مثيرا، مجرد أنني أرقص لأن هناك موسيقى تُعزف. لم أتمكن من مواصلة الرقص بسبب وجود أشخاص يزعجونني ويحاولون مغازلتي والتحرش بي. وحين تكون فتاة واقفة في أي مكان، ولو كانت مرتدية الحجاب، يأتي من يحاولون التحرش بها والتحسس بجسدها…”.
لم يعد يخفى على أحد أن الهدف من الترويج لصورة الانفتاح هو “تبييض” المشهد السعودي الذي تعتريه تجاوزات فظيعة في حقوق الإنسان، والسعي إلى صرف الانتباه عن أحوال السجناء والسجينات في المعتقلات السعودية، من دُعاة وإعلاميين ومعارضين سياسيين ونشطاء حقوق الإنسان وغيرهم.
في هذا الصدد، أورد موقع قناة “الحرة” عن مغرّدة غربية قولها: “اسمعوا، علينا أن ننبّه عارضات الأزياء والمؤثرين الذين يحاولون تحسين صورة السعودية، ليس فقط لأنهم قطّعوا صحافيا لأجزاء على أرض أجنبية (في إشارة إلى جمال خاشقجي)، بل أيضا لأن هناك ناشطات نسويات ومدوّنين مسجونين حاليا”.
هيهات، إذن، أن تُصْلِحَ عمليات “الْمَكْيَجة” هذه ما أفسدته الآلة القمعية في بلاد الحرمين الشريفين!
السهرة الصادمة!
من مظاهر عملية “المكيَجة” أيضا، محاولة استغلال أسماء فنية مرتبطة بعهود المجد الغنائي لتسويق صورة “السعودية ـ الجديدة”، من بينها المطربة المغربية المعتزلة عزيزة جلال التي ارتبط اسمها في الذاكرة بروائع غنائية ما زالت تأسر مُستمعيها إلى اليوم؛ فقد حرص منظمو مهرجان “شتاء طنطورة” في منطقة “العلا” السعودية على استدعاء عزيزة جلال، وإحياء حفلة لها نقلتها مجموعة من القنوات التلفزيونية، من بينها قناة “إم بي سي 5” التي تحاول جاهدة مزاحمة الفضائيات المغاربية في عقر دارها، دون أن توفّق في مسعاها.
بعد أكثر من ثلاثين سنة، إذن، غنّت عزيزة جلال من جديد. وليتها لم تفعل. ليتها احتفظت بتلك الصورة الجميلة التي ما زال الجمهور يتذكرها بها. فقد بَدَا صوتها ضعيفا جدا، وكانت تبذل جهدا واضحا في الغناء دون أن تصل إلى ذروة التطريب الذي اشتهرت به وهي شابة.
أسقط الكثيرون في أيديهم، وهم يرون عزيزة جلال في تلك الصورة المثيرة للشفقة، وزاد الاستياء منها حين ظهرت وهي تدعو لحكام السعودية الجدد.
كتب الشاعر المغربي عبد الناصر لقاح في صفحته “الفيسبوكية”: “أساءت عزيزة جلال لنفسها ولعشاقها، بعد أن غنت بأرض سلمان ودعت له، وبعد أن خاب وهج صوتها وتغير شكلها. خاب ظني كثيرا، وأنا من أشد المعجبين بتاريخها الفني المتميز. ولا مسوغ لديها، مهما يكن الأمر”.
وتساءل الصحافي العراقي كرم نعمة عن “مَن ورّط” عزيزة جلال؟” واستنتج في مقاله النقدي بموقع “ميدل إيست أون لاين” ما يلي: “لم يجد الجمهور غير صوت مصاب بالوهن والارتخاء، نسي لهجته المغربية الجميلة وهو يعيد جملا لحنية طويلة فقدت أهميتها منذ سنين”.
الاستنتاج نفسه ذهبت إليه المدونة المغربية سميرة القرطبي إذ كتبت: “ليتها ما عادت للغناء. فقد الصوت جماله”. كما “فَسْبَكَ” الشاعر المغربي نوفل السعيدي العبارات التالية: “تعود من جديد. ليتها تظلّ في جبة الماضي، ولا تفكّر في مسايرة الحداثة الفنية المقيتة”.
الظاهر أن “شيوخ” السعودية الذين أقنعوا عزيزة جلال بالابتعاد عن الغناء (أو تأثرت بفكرتهم في هذا المجال) وهي مُقيمة بين ظهرانيهم لأكثر من ثلاثة عقود متزوجة من أحد أعيان البلد، هم الذين أقنعوها اليوم بالعودة إلى الغناء، بعد رحيل زوجها من الدنيا.
بالأمس، كان الغناء حراما في عُرفهم، واليوم صار “أعزّ ما يطلب”!
بانتظار الكلمة الفصل!
الفنانة المغربية الوحيدة ـ تقريبًا ـ التي فوّتت على نفسها مُكرهةً الاستفادة من “كعكة” السهرات التلفزيونية الخاصة برأس السنة وحفلات أعياد الميلاد في أكثر من بلد عربي، ولا سيما بلدان الخليج، هي المطربة دنيا باطما المتزوجة بمُنتج فني من البحرين. والسبب ارتباط اسمها واسم أختها بقضية قضائية مثيرة أسهبت في تفاصيلها مختلف وسائل الإعلام. القضية فيها تهم بالابتزاز والاحتيال والقذف، مما جعل دنيا باطما ممنوعة من مغادرة الأراضي المغربية، بانتظار أن تقول المحكمة كلمتها الفصل.