الجزائر تغازل ثورة الشارع بحملة لإطلاق معتقلين
أفرج القضاء الجزائري عن الناشط السياسي المعارض لخضر بورقعة، في خطوة جديدة من السلطة تستهدف امتصاص ثورة الشارع المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، والتوجه لغلق ملف سجناء الرأي الذي بات يؤرّق السلطة أمام الرأي العام الخارجي، ويزيد من حدة الضغوط المستمرة في الداخل.
وشمل قرار الإفراج عشرات السجناء من الناشطين والمعارضين السياسيين، من مختلف سجون البلاد، في قرار غير معلن، لكنه تجلّى بشكل واضح، الخميس، حيث استقبلت عائلات جزائرية ذويها الذين كانوا قيد السجن المؤقت أو السجن النافذ، وهو الأمر الذي أكده عدد من المحامين والناشطين الحقوقيين الذين اتصلت بهم “أخبارنا الجالية ”.
ونقلت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة) وتنسيقية الدفاع عن المعتقلين (مستقلة) أن عدة محاكم عبر البلاد أصدرت أحكاما بالجملة خلال الساعات الأخيرة بالإفراج عن متظاهرين ونشطاء أوقفوا خلال مسيرات الحراك منذ أشهر.
ولم يصدر أيّ تصريح رسمي في البلاد حول وجود توجه للإفراج عن المعتقلين خلال الأزمة، لكن تنسيقية الدفاع عن المعتقلين، ذكرت، في بيان لها، أن هذه القرارات جاءت بتوجيهات من الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون.
ويعد لخضر بورقعة أبرز المفرج عنهم وهو يمثل أحد رموز الحراك الشعبي في الجزائر، حيث التحق بالاحتجاجات الشعبية منذ الأسابيع الأولى، وتصدر طليعة المتظاهرين في شوارع وساحات العاصمة، قبل أن يتم توقيفه من طرف قوات الأمن وإحالته على السجن المؤقت، بتهمة تهديد الوحدة الوطنية وإحباط معنويات الجيش والمساس بمؤسسات الدولة.
ويعتبر الرجل أكبر المعتقلين سنا (86 عاما)، وهو أحد عقداء ثورة التحرير (1954 – 1962)، قبل أن يلتحق بالمعارضة السياسية بعد الاستقلال، وينخرط في حركة التمرد التي قادتها جبهة القوى الاشتراكية، وبقي وفيا لأفكاره لغاية بداية الحراك الشعبي في فبراير الماضي، أين التحق به منذ أسابيعه الأولى، وعرف عنه تصريحه “نحن قمنا بالثورة ضد الاستعمار، وهذه ثورة الشباب لاستعادة الجزائر إلى شعبها”.
وجاء قرار الإفراج عن بورقعة، في خضم ظهور بوادر لدى السلطة، من أجل تطبيق إجراءات تهدئة بغية احتواء الأزمة الداخلية، والسماح بإقناع الرافضين والمشككين في نواياها للذهاب إلى حوار سياسي، دعا إليه الرئيس الجديد للبلاد عبدالمجيد تبون، في أول خطاب رسمي له على هامش مراسيم اليمين الدستورية واستلام المهام.
وإذ كانت القوى السياسية السابحة في فلك السلطة قد رحبت بدعوة الحوار، وحتى الأحزاب البعيدة عنها لم تمانع في ذلك، فإن فعاليات الحراك الشعبي والأحزاب الراديكالية، رفضت الدعوة مبكرا على اعتبار ما تسميه بـ”عدم شرعية الرئيس الجديد وعدم اعترافها به”، فضلا عن الأجواء السائدة غير المساعدة على مد جسور الثقة بين أطراف الصراع.
وظلت حرية معتقلي الرأي، تقع في صلب المطالب السياسية المرفوعة في الشارع الجزائري، إلى جانب إجراءات تهدئة أخرى، تتمثل في رفع الحصار عن العاصمة يومي الثلاثاء والجمعة، ووقف الممارسات القمعية الأمنية، وتحرير الإعلام وتكريس حق التظاهر والتعبير.
ولم يستبعد مصدر مطلع، إمكانية صدور قرارات إفراج أخرى في القريب العاجل، من أجل طيّ ملف معتقلي الرأي، وفسح المجال أمام تسوية سياسية للأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ نحو سنة، لاسيما بعد إطلاق سراح الجنرال حسين بن حديد القابع في السجن منذ عدة أشهر بتهم مماثلة، ولأسباب تتعلق بسنه المتقدم وبظروفه الصحية الحرجة، فضلا عن الناشط السياسي سمير بلعربي.
وقضى العشرات من سجناء الرأي في الجزائر عقوبتهم في الأيام الأخيرة، وكان على رأس هؤلاء المناضلة الأمازيغية سميرة مسوسي، الأمر الذي أعطى الانطباع بأن السلطة تريد جس نبض الشارع عبر هذه الخطوة، فيما تحصي تنسيقية الدفاع عن المعتقلين أكثر من ألف موقوف ومسجون، منهم ناشطون ومعارضون سياسيون فاعلون في الساحة، على غرار كريم طابو، سمير بلعربي وفوضيل بومالة.. وغيرهم. وكان بيان ما يعرف بـ”مجموعة العشرين”، الصادر قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قد شدد على ضرورة فتح حوار سياسي جاد مع الفاعلين الحقيقيين، يكون تتويجا لجملة من الإجراءات يتوجب على السلطة تجسيدها لاستعادة ثقة الشارع وتأكيد على نوايا حقيقية في البحث عن حلول للأزمة.
وصرح الناشط الحقوقي والمحامي عبدالغاني بادي، أن “هناك توجه للتخلص من قضية مساجين الرأي والتهدئة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة”، في إشارة إلى إمكانية صدور قرارات مماثلة في حق باقي المعتقلين، لاسيما الجنرال المتقاعد المحبوس حسين بن حديد، الذي أحيل للمحاكمة الأربعاء، رغم أنها لم تكن مبرمجة من قبل في هذا التاريخ.
وتم، الأربعاء الإفراج عن رجل الأعمال يسعد ربراب، أغنى رجل في البلاد، بعد الحكم عليه بالسجن 6 أشهر نافذة، تم خصمها من فترة إيقافه، التي بدأت في أبريل 2019، حيث حوكم في قضايا فساد.
وجاءت قرارات الإفراج عن عدد كبير من المتظاهرين والشخصيات والنشطاء بالتزامن مع دعوات جديدة للتظاهر، اليوم، في الجمعة الـ46 للحراك الشعبي، الذي كانت أهم مطالبه خلال الأشهر الأخيرة “الإفراج عن المعتقلين”.