مهرجان تطوان يحتفي بالذاكرة السينمائية ويبحث عن مستقبل جديد

اختار أصدقاء السينما في المغرب رئيسا شرفيا جديدا لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر المتوسط، وأعلنت مؤسسة مهرجان تطوان عن اقتراح اسم الفنان التشكيلي المغربي المهدي قطبي رئيسا شرفيا للمهرجان، بينما تشهد الدورة المقبلة من هذه التظاهرة السينمائية العديد من الفعاليات الفنية والتكريمات والندوات واللقاءات حول السينما في المغرب والفضاء المتوسطي، كما تعدنا الدورة بباقة من الفرجات الجميلة، حيث يعرض المهرجان آخر الأعمال السينمائية التي ظهرت، مؤخرا، في شمال المتوسط وجنوبه.

تحتفي السينما المتوسطية بربيعها السادس والعشرين، مع انطلاق الدورة المقبلة من مهرجان تطوان لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، خلال الفترة من 21 إلى 28 مارس 2020، وهو الذي يبقى في طليعة المهرجانات العربية المتوسطية التي احتفت بروائع السينما العربية واتجاهاتها وأساليبها ومبدعيها… من مخرجين وممثلين وباقي صناع ورسامي الشاشة الكبيرة.

وبعد الاحتفال باليوبيل الفضي خلال السنة الماضية، تراهن مؤسسة مهرجان تطوان على بداية جديدة لهذه التظاهرة السينمائية العريقة، التي انطلقت في ربيع 1985. واليوم، ها هو المهرجان يستأنف رحلة “الألف فيلم” برئيس شرفي جديد، قادم من حقل التشكيل، هو الفنان المهدي قطبي.

رئيس شرفي

وقع الاختيار على الفنان التشكيلي المهدي قطبي رئيسا شرفيا لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، وهو التشكيلي العالمي ورئيس مؤسسة متاحف المغرب، الذي أقام معارض مدهشة في مختلف أروقة ومتاحف التشكيل العالمية، مثلما جمعته مشاريع فنية بكبار المثقفين عبر العالم، في مقدمتهم الشاعر والروائي ميشيل بيتور، والشاعر ورئيس الحكومة الفرنسية الأسبق دومينيك دو فيلبان.

المهرجان اختار تنظيم لقاء حول التراث السينمائي المتوسطي كما اختار سفير الثقافة العربية في أوروبا المهدي قطبي  رئيسا شرفيا 

ويبقى عاشق الحرف العربي من أعلام التشكيل المغربي وعلاماته، منذ ستينات القرن الماضي، هو الذي منح الحرف العربي كونية بصرية، وامتدادا في الثقافات الإنسانية، خلال العقود الأخيرة.

وقد توشح هذا الفنان بعدد من الأوسمة الكبرى، في مقدمتها وسام الاستحقاق الوطني من درجة فارس بفرنسا، ووسام السعفات الأكاديمية، ووسام جوقة الشرف للجمهورية الفرنسية من درجة قائد، ووسام الاستحقاق المدني بإسبانيا، ووسام العرش بالمغرب، ووسام الاستحقاق من درجة قائد بهنغاريا، ووسام الاستحقاق بفرنسا.. وهو ما جعل منه أحد أبرز سفراء الثقافة المغربية والعربية في أوروبا، وواحدا من حراس الحوار الفني والإنساني بين الضفتين. ففي سنة 1991، أسس المهدي قطبي دائرة الصداقة المغربية الفرنسية، ثم دائرة الصداقة الأوروبية المغربية سنة 1998. كما أسس قطبي جمعية “صلة وصل – أوروبا المغرب” سنة 2000، مثلما تعبر عن ذلك إحدى لوحاته التي تجمع فيها الحروف بين القارتين الأفريقية والأوروبية. بينما سيقود المهدي قطبي اليوم أحد أعرق المهرجانات السينمائية على ضفاف البحر المتوسط.

لقد ذهب المهدي قطبي بالحروفية إلى أبعد مدى، وتوغل بها في تخوم الفن المعاصر عبر العالم، لما أقام معارض تشكيلية كونية من اليابان إلى الولايات المتحدة الأميركية. هو الذي جعل لوحاته تتحدث إلى الناس بلغة عربية فنية يفهمها الجميع، ويتذوقها أكثر الناس حظا في الجمال، على غرار ما يحدث مع روائع السينما.

مشروع جمالي

في مهرجان تطوان لم تعد السينما خيالا بالنسبة إلى المغاربة، بل صارت واقعا، يمكن أن نلتقي فيه بصلاح أبوسيف وعاطف الطيب ويوسف شاهين ونادية لطفي وفريد شوقي وأندري تشيني جياني أميليو وأنييس باردا وتورناتوري ولويس بيرلانكا وكلاوديا كاردينالي ومحمد ملص وآخرين وأخريات. إليهم تعرف السينمائيون المغاربة ومعهم ناقشوا أسرار الصناعة السينمائية، من نقاد ومخرجين وممثلين، ينتمون إلى مختلف دول المتوسط، وإلى أصقاع وجغرافيات سينمائية مترامية الأطراف، حتى لقد ساهم هذا المهرجان بشكل طلائعي في نهضة السينما المغربية، فمنه تخرج جل المخرجين المغاربة، وفيه لمع نجوم السينما في هذا البلد.

هكذا، شكل مهرجان تطوان مشروعا حداثيا استأنف مشروع التحديث الذي قاده الرعيل الأول من المثقفين الوطنيين، منذ الأربعينات وقبلها، في مجالات الإعلام والصحافة وراديو درسة، والآداب والموسيقى والتشكيل والسينما. هو مشروع حداثي، لأنه انتقل بالمغاربة من مستوى تلقي ومشاهدة الأفلام في الشاشات السينمائية الكبيرة إلى مستوى مناقشتها ونقدها ومساءلة مبدعيها خلال مختلف دورات المهرجان، ويتعلق الأمر بـ25 دورة كاملة، وخلال الأسابيع السينمائية التي كان أصدقاء تطوان يعقدونها بانتظام، حول السينما السوفييتية أو الإيطالية أو الجزائرية أو المصرية أو الإسبانية أو الإيطالية.. ومن خلال تظاهرات أخرى، ثم عبر مجلة “وشمة” التي يصدرها أصدقاء السينما منذ سنوات. وهو في النهاية، يبقى مشروع نضال جماليا مفتوحا، أمام استمرار جيوب الممانعة التي تعادي السينما لأنها تحرض على الحلم وتنشد الحرية، حين تصنع من الضياء صورا تفضح الظلام ودعاته.

ذاكرة سينمائية

يمثل مهرجان تطوان ذاكرة السينمائيين المغاربة، مثلما يمكن القول إن هذه التظاهرة قد عرضت روائع السينما المغربية على مدى خمسة وثلاثين عاما. واليوم، اختار أصدقاء السينما في تطوان تنظيم لقاء حول التراث السينمائي المتوسطي، في دعوة صريحة إلى واجب الحفاظ على المدونة السينمائية في بلداننا العربية، وفي هذا الفضاء المتوسطي الذي شكل فضاء أبديا للقاء بالآخر والتواصل معه والتفاعل مع إنجازاته السينمائية.

وخلال الدورة المقبلة من مهرجان تطوان، سيكون خبراء السينما العربية والمتوسطية، وصناع الفن السابع في الضفتين، على موعد مع نقاش عميق وجرد وتوثيق لذاكرتنا السينمائية، ولرصيدنا الفليمي وما تبقى منه. خاصة في منطقتنا العربية، حيث صارت مجموعة من الأفلام على وشك الضياع، على نحو ما حدث بالنسبة إلى سجلنا الغنائي وذاكرتنا الثقافية الحديثة والمعاصرة.

شكل مهرجان تطوان مشروعا حداثيا استأنف مشروع التحديث الذي قاده الرعيل الأول من المثقفين الوطنيين، منذ الأربعينات وقبلها

وإلى جانب هذا اللقاء المتوسطي، يشهد المهرجان تنظيم ندوة وطنية حول راهن السينما المغربية وانشغالاتها المحلية، من حيث التصوير والإنتاج والتوزيع والترويج، وكذا من حيث مضامين وأشكال الإبداع السينمائي، مثلما يواصل المهرجان تنظيم ورشات لفائدة الأطفال والشباب، يؤطرها صناع السينما المتوسطية، إلى جانب فقرات خاصة بتكريم أعلام السينما المتوسطية، فضلا عن العروض السينمائية التي تدخل غمار المنافسة على الجوائز الذهبية في صنف الأفلام الروائية والأفلام الوثائقية، إلى جانب الأفلام التي تعرض خارج أطوار المسابقة.

يذكر أن الأفلام المشاركة في مهرجان تطوان ستدخل سباق المنافسة على سلسلة من الجوائز. ففي صنف الأفلام الروائية الطويلة، يتنافس المشاركون على الجائزة الكبرى لمدينة تطوان “جائزة تمودة الذهبية” وجائزة محمد الركاب “جائزة لجنة التحكيم الخاصة”، وجائزة عزالدين مدور للعمل الأول، والجائزة الخاصة بأحسن دور رجالي، والجائزة الخاصة بأحسن دور نسـائي، وجائزة مصطفى المسناوي الخاصة بالنقد، والتي تمنحها لجنة متخصصة. أما في صنف الأفلام الوثائقية، فتجري المنافسة على الجائزة الكبرى لمدينة تطوان، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وجائزة العمل الأول.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: