جنازة مهيبة لقائد عسكري انقسم الجزائريون على شخصيته
شيّع بعد ظهر الأربعاء جثمان قائد الأركان الجزائري الراحل الفريق أحمد قايد صالح الذي وافته المنية قبل يومين عن عمر ناهز80 عاما، في جنازة رسمية وشعبية مهيبة، فيما طرح رحيله تساؤلات بشأن مستقبل البلاد التي ما زالت تتخبط في أتون أزمة سياسية، حيث كان الجنرال الراحل بمثابة صمام الأمان لعبور البلاد من فوضى الاحتجاجات إلى شاطئ الشرعية بالانتخابات.
رافقت جموع حاشدة من الجزائريين، الرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية قائد الأركان الراحل الفريق أحمد قايد صالح، إلى مثواه الأخير في مقبرة العالية بضاحية الدار البيضاء بالعاصمة، في أجواء من الأسى والحزن، على الرحيل المفاجئ للرجل، في حين تمر البلاد بظروف سياسية صعبة، بسبب الأزمة العميقة بين المعارضين وبين السلطة الجديدة.
وُوري جثمان الجنرال أحمد قايد صالح، الثرى، ظهر الأربعاء، في مربع الشهداء والشخصيات البارزة بمقبرة العالية، في أجواء خيم عليها الحزن، حيث قدمت أعداد حاشدة من مختلف المدن والمحافظات لتوديع الرجل إلى مثواه الأخير.
ورحل الرجل وسط جدل قوي وشحن غير مسبوق، حول مستقبل البلاد والمؤسسة العسكرية في المستقبل، خاصة في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عشرة أشهر، ولم يمكّن انتخاب رئيس جديد للبلاد من استعادة الاستقرار إلى الشارع الجزائري.
وصنعت وفاة الجنرال الراحل أجواء مشحونة في الجزائر، بين أنصاره الذين أبدوا تعاطفا ورثاء شديدا للعائلة وللمؤسسة العسكرية، وحولوا الرجل إلى رمز قومي كبير، وبين خصومه الذين يحملونه مسؤولية تعقد الأوضاع السياسية في البلاد وتعطيل مسار الحراك الشعبي.
وفيما تنقلت أعداد غفيرة للعاصمة من أجل توديع الراحل، عمد أنصاره إلى إقامة خيم عزاء في بعض مدن ومحافظات البلاد، وسجل تعرض خيمة عزاء إلى الحرق والإتلاف في مدينة الأخضرية (50 كلم شرقي العاصمة)، من طرف جهات مجهولة، لكن يرجح أن تكون من فعل بعض خصومه، مما يكرس حالة الانقسام الشعبي داخل البلاد حول شخصية الرجل.
ووسط حضور رسمي ودبلوماسي، ومرافقة شعبية كثيفة لم تسجل خلال تشييع شخصيات رسمية سابقة، ودّعت الجزائر فقيدها وسط تساؤلات جوهرية حول ارتدادات الفراغ الذي سيتركه الجنرال، في المؤسسات الرسمية للدولة خاصة رئاسة الجمهورية والجيش.
وكان الجنرال أحمد قايد صالح، قد وافته المنية صباح الاثنين بعدما ألمت به أزمة قلبية بمقر إقامته في قيادة القوات البرية بضاحية عين النعجة في العاصمة، حسب الرواية الرسمية لوزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية.
في حين تحدثت مصادر أخرى، عن إصابة الرجل بنوبة غضب شديدة من بعض الجنرالات والضباط السامين في اجتماع عقد ليل الأحد لأركان المؤسسة، لبحث مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك على خلفية ما تسرب عن دعم بعض هؤلاء للمرشح عزالدين ميهوبي، في انتخابات الرئاسة، وهو ما أدى إلى تأجيل الاجتماع بعد النوبة التي أصابت الرجل.
وفيما أعلن الرئيس عبدالمجيد تبّون، فور الإعلان عن الوفاة عن تعيين الجنرال سعيد شنقريحة، خلفا للرجل في منصب قائد أركان الجيش بالنيابة، ذهبت مصادر متابعة إلى أن الضباط البارزين في المؤسسة هم من توافقوا على تسمية الرجل، وسلموا الاقتراح لرئيس الجمهورية من أجل الإعلان رغم أن الأمر جاء في صيغة بـ”النيابة”.
وقد تم الإسراع في ذلك من أجل قطع الطريق عن التأويلات أو أي دعاية مغرضة تستهدف المساس بتماسك المؤسسة العسكرية، خاصة في ظل الأحاديث المتداولة عن خلافات بين الجنرالات حول خلافة الرجل أو مرشح المؤسسة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
الأجواء المشحونة تعكس درجة الارتدادات التي خلفها رحيل الجنرال قايد صالح، خاصة في مؤسسة الرئاسة والجيش ومستقبل الحراك الشعبي
وخلفت وفاة الجنرال قايد صالح، حالة من الشحن الشديد بين الأنصار والخصوم، وظهرت بوادر أزمة اجتماعية عميقة، في ظل بروز معالم تفكيك غير مسبوق، في ظل التوظيف السياسي للحدث، عبر دعاية حاشدة تتهم الخصوم بالابتهاج لوفاة الرجل وعدم احترام مشاعر الآخرين، بينما تساءل الآخرون عن الغاية من حملة التجييش والافتراء عليهم، والخلط بين الوفاة وبين المواقف السياسية.
وتعكس الأجواء المشحونة درجة الارتدادات التي خلفها رحيل الجنرال، خاصة في مؤسسة الرئاسة والجيش ومستقبل الحراك الشعبي في ظل الغموض الذي يكتنف شخصية خليفته، رغم أن الأصداء الأولية تتحدث عن رجل مهني واحترافي وميداني، يتحفظ من الظهور الإعلامي والسياسي، وكان على خلاف مع سلفه حول تسيير بعض مفاصل الأزمة السياسية.
وتذكر مصادر مطلعة، أن القائد الجديد لأركان الجيش (74 عاما)، من المستبعد جدا أن يحمل صفة سياسية في الحكومة الجديدة، وهو من الجيل الثاني في المؤسسة لأنه لا ينتسب لأفراد جيش التحرير الوطني، وهو صاحب تكوين فرانكوفوني وعسكري في معاهد الاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا)، ويغلب عليه الطابع الانضباطي الميداني، ولا يولي اهتماما للشأن السياسي.
ويتوقع مراقبون أن ينجح سعيد شنقريحة في مهمته وسيعمل على التسريع بالخروج من الأزمة السياسية للبلاد، بالذهاب إلى حلول توافقية مع الفاعلين في الشارع.