مغاربة يحاولون استعادة العصر الذهبي للصحافة الثقافية

تأسست الرابطة المغربية للصحافة الثقافية لتكون بمثابة مشروع يثري المشهد الإعلامي، ويحاول القائمون عليها رصد واقع الصحافة الثقافية اليوم، واستعادة ألقها الذي عرفته في سنوات ماضية، دشنت خلالها نقاشات وحوارات في قضايا مهمة أثْرت المشهد الثقافي المغربي.

أكد رئيس الرابطة المغربية للصحافة الثقافية، محمد جليد، أن الأزمة العميقة التي يشهدها الإعلام برمته والثقافيِّ منه على وجه الخصوص، باتت ذات وطأة ثقيلة، مشيرا إلى أن الصفحات الثقافية هي الأول التي تتم التضحية بها أمام الإعلان أو الملفات الطارئة أو الخاصة.

وجاءت كلمة جليد خلال افتتاح الرابطة المغربية للصحافة الثقافية، لموسمها الثقافي الأول، بالشراكة مع المكتبة الوطنية بالرباط، نهاية الأسبوع الماضي، والتي أسست حديثا للدفاع عن مكانة الثقافة في الممارسة الإعلامية، ووضع حد للمخالفات المهنية التي أخذت تهيمن على الإعلام عموما في الآونة الأخيرة.

وفسر محمد جليد تراجع اهتمام الصحافة بالجانب الثقافي، بدعوى أن الصفحات الثقافية لم تعد تساهم في المبيعات، ولا في ارتفاع منسوب القراءة، كما كان شأنها سابقا، وأكد أن هذه المقولة لا تستند إلى دراسة علمية، ولا إلى حجة منطقية، وإنما إلى مواقف اختزالية وأحكام عامة.

وأضاف جليد أن تأسيس الرابطة ليس ترفا إعلاميا، بل استجابة لنداء ملحّ منذ سنوات، للدفاع عن مكانة الثقافة في الإعلام، باعتباره الوسيط الأمثل للتعريف بالإبداعات الفكرية والأدبية والفنية، إذ بدفاعها عن الإعلام الثقافي، بكافة أشكاله وتعبيراته، تكون الرابطة قد ساهمت في إبراز الفكرة القائلة بمركزية الثقافة في أي مشروع تنموي، ومن ثم في مسيرة النهضة والتقدم.

وتم تكريم العديد من الأسماء البارزة في هذا المجال، اعترافا بدورهم ومسيرتهم المهنية، ومنهم المفكر محمد سبيلا لمكانته في الثقافة المغربية والعربية الحديثة والمعاصرة.

وقال جليد في تصريحات لـ”أخبارنا الجالية ”، إن “تكريم سبيلا هو اعتراف بفضله في تكوين جيل من أساتذة الفلسفة، وبمساهمته الكبيرة في إدخال فكر الحداثة، بمفاهيمها ونظرياتها المختلفة، إلى الحقل الفلسفي المغربي. إضافة إلى حضوره الدائم في الفضاء العمومي والإعلام المغربي ومشاركاته في تنشيط الحياة الثقافية المغربية”.

ووضع محمد سبيلا بصمة في المشهد الفكري بأعماله المتنوعة كمفكر وفيلسوف اشتغل على مفاهيم الحداثة، وتحدث خلال المناسبة عن التاريخ الطويل المضني للصحافة الثقافية بالمغرب وخاصة الملاحق الثقافية، مؤكدا أن الثقافة والصحافة توأمان يكملان بعضهما، فالصحافي الجيد لا يمكن أن يتطور إلا إذا كان ذا ثقافة عالية، ومن جهة أخرى فالمثقفون بالمغرب منفتحون إلى حد ما على الإعلام والصحافة وهذا اعتبره تفاعلا مهما.

الرابطة بمثابة مشروع سيثري الثقافة في المشهد الإعلامي، حسب التحولات التي يعرفها مع دخول شركاء جدد

وأكد سبيلا على الدور التنويري للصحافة حيث أن الإعلام الثقافي عند تتبعه للأحداث وتحليله للوقائع، لم يسقط يوما في التفسير الأسطوري، بل كان يميل إلى التفسيرات العقلانية لبعض الظواهر. وأشار إلى أن هذا ما لاحظه في عشرات الأحداث والوقائع منها “بويا عمر”، فالثقافة المكتوبة بشكل خاص تلعب دورا تنويريا في تاريخ الثقافة المغربية وانحازت إلى التفسيرات العقلانية ودعمتها وأشاعتها وبشّرت بها ولو ضمنيا.

وتساءل سبيلا، “لماذا لم تتطور الصحافة المغربية إلى الدرجة التي تنتج لنا فيها صحافيين كبارا؟” مشددا على “أن تاريخنا في هذا المجال فقير، إذا عدنا إلى سنوات الستينات والسبعينات كان هناك محمد باهي بمستوى الصحافي الكبير، فهل هذا يعود إلى مسؤولية الدولة أم مسؤولية مجتمع أو النخبة”.

وأضاف “ما السبب في هذا التعثر التاريخي بالمغرب الذي لم يتح هذه الفرصة لإنتاج قامات صحافية كبيرة؟” معتبرا أن الصحافي جزء من الحقل الثقافي.

ويحاول القائمون على الرابطة بلورة تصور شمولي لرصد واقع الصحافة الثقافية في المغرب في تعبيراتها التلفزيونية والإذاعية والورقية والإلكترونية، وكذلك طرح أسئلة راهنة حول تحولاتها ورهاناتها وتحدياتها.

وفي كلمة له، اعتبر محمد الفران، مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، أن المكتبة شريكة للرابطة، وأنها داعمة في المهام التي ستقوم بها الرابطة لاستعادة الأوج والألق التي عرفته الصحافة الثقافية في سنوات خلت دشنت خلالها نقاشات وحوارات في قضايا مهمة أثرت المشهد الثقافي المغربي.

كما تم تكريم الإعلامية المغربية البارزة فاطمة التواتي، صاحبة برنامج كمبيوتر 7 الثقافي، وأشار جليد في تصريحه لـ”أخبارنا الجالية ” إلى أن احتفاء الرابطة اليوم بالإعلاميين فاطمة التواتي وسعيد عاهد وإسمهان عمور هو احتفاء بتجارب متميزة في الحقل الإعلامي الراهن، مشيرا إلى أن هذه الأسماء قدمت خدمات جليلة للثقافة والإعلام المغربيين، حيث سلطت الأضواء على ظواهر ثقافية، وعرفت بالإبداعات الفكرية والأدبية والفنية المغربية، وساهمت في النقاش والتحليل والحوار من زوايا مختلفة.

من جهتها، اعتبرت الناقدة والأكاديمية زهور كرام، أن تأسيس الرابطة هو بمثابة مشروع ثقافي، سيثري بالتأكيد الثقافة في المشهد الإعلامي، حسب التحولات التي يعرفها مع دخول شركاء جدد إلى هذا المشهد وبالتالي أصبح من الضروري على المثقف المغربي والصحافة الثقافية أن تدشن عملها بأسئلة متجددة.

يشار إلى أن “الرابطة المغربية للصحافة الثقافية” تأسست في أبريل الماضي، جمعية مستقلة عن كل الهيئات الحزبية والسياسية والإدارية وغيرها، كما أنها منفتحة على كافة الصحافيات والصحافيين المغاربة والمهنيين المختصين في الشأن الثقافي، سواء الذين يعملون في منابر مغربية أو يراسلون مؤسسات إعلامية أجنبية انطلاقا من المغرب، بغضّ النظر عن اللغات التي يستعملونها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: