محاولة تبون لا تسكت الشارع الجزائري

عادت المظاهرات في عدة مدن جزائرية، للمطالبة بالتغيير الجذري في الجمعة الـ44 للحراك، وذلك غداة تنصيب الرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون، وعلى الرغم من خطابه الذي رآه البعض مغازلا لعامة الشّعب، إلا أنه لم يهدئ من غضب الحراك الشّعبي، الذي يرى في تبون مجرد واجهة مدنية خاضعة لتوجهات المؤسسة العسكرية ذات النفوذ القوي بالبلاد.

لاحت بوادر قطيعة بين الشارع الجزائري والسلطة الجديدة في البلاد، بقيادة الرئيس المنتخب حديثا عبدالمجيد تبون، بعدما تجددت الاحتجاجات السياسية الرافضة للحوار، وغير المعترفة بالانتخابات الرئاسية، والمشددة على مطالب رحيل النظام القائم وتحقيق تغيير سياسي شامل.

وتجددت المظاهرات الاحتجاجية في الجزائر، ضد السلطة الحاكمة في أول رد فعل ميداني لها، على العرض السياسي الذي قدمه الرئيس الجديد للبلاد، مما يوحي بأن القطيعة مستمرة بين الطرفين، وأن أزمة الثقة المتراكمة على مر الأشهر الماضية لم تتفكك برسائل الغزل.

وفي أول خطاب له، جدد تبون دعوته إلى الحوار من أجل تحقيق التغيير المطلوب، في دعوة خلفت انقساما وسط الحراك بين من رفضها بدعوى أنها من نظام غير شرعي وبين آخرين قدموا شروطا للمشاركة في الحوار مثل إطلاق سراح معتقلين خلال الأشهر الماضية.

ورفعت في الجزائر العاصمة وعدد من مدن ومحافظات البلاد، على غرار وهران وبجاية والبويرة وقسنطينة، الجمعة، شعارات رافضة لأي حوار مع السلطة، واعتبرت الرئيس عبدالمجيد تبون، هو واجهة مدنية للسلطة العسكرية بقيادة الجنرال قايد صالح.

وتعد الاحتجاجات استمرارا لحراك متواصل منذ 22 فبراير الماضي، لكنها تأتي هذه المرة بعد يوم واحد من تنصيب الرئيس الفائز بانتخابات جرت في 12 ديسمبر الجاري وقاطعها معارضون.

Thumbnail

ودخلت الاحتجاجات السياسية في الجزائر شهرها الحادي عشر، بالوصول إلى الجمعة الرابعة والأربعين، التي خرجت فيها أعداد غفيرة من المحتجين، للتعبير عن تمسكها بالمطالب الأساسية للحراك الشعبي، ورفضها لما وصف بـ”مناورات” تبون، لتفكيك الشارع المنتفض عبر الدعوة إلى حوار سياسي مباشر معه.

وفيما راهنت السلطة والمؤيدون لها، على خطاب عبدالمجيد تبون، لتهدئة الشارع وإعادة المحتجين إلى بيوتهم، فإن الاحتجاجات الجديدة، والشعارات الصريحة ضد تبون، لم تتوقف خاصة في ما يتعلق بنجله المتواجد في السجن، بتهمة الضلوع في فضيحة شحنة الكوكايين.

واستعمل المتظاهرون غبرة القمح الصلب، في تلميح أو كناية عما أسموه بـ”نظام الكوكايين”، بعد ثبوت ضلوع مسؤولين كبار في الدولة من وزراء وأقارب لهم، وضباط وإداريين ورجال قضاء، في فضيحة شحنة الكوكايين، التي ضبطت سنة 2018 بميناء وهران.

ويبدو أن تأخر رسائل الطمأنة التي أطلقها الرئيس الجديد، خلال حملته الانتخابية أو في خطابه الرسمي الأول، على هامش مراسيم أداء اليمين الدستورية واستلام المهام، ما زالت محتشمة أو متحفظا عليها، مما سار في اتجاه تعميق أزمة الثقة بين الطرفين.

وتكون عقوبات السجن الصادرة في حق الناشط والشاعر الشعبي محمد تاجديت من العاصمة، والطالبة نور الهدى في تلمسان، وقبلهما الفنان نيم بوهران، قد غطت على إطلاق سراح العديد من الموقوفين في المسيرات الأخيرة، وعلى رأسهم المناضل المسن حميدو قاريدي من العاصمة.

وفيما كانت مراسيم اليمين جارية أمس الأول في قصر المؤتمرات بالعاصمة، نطقت محكمة سيدي امحمد بالعاصمة بحكم 18 شهرا سجنا نافذا في حق الناشط محمد تاجديت، وأحال القضاء الطالبة نور الهدى على السجن المؤقت في تلمسان، مما جعل الغموض والشكوك تلف تعهدات عبدالمجيد تبون بخصوص هذا الملف.

المعارضة تتطلع إلى خطوات عملية من طرف السلطة الجديدة، لتأكيد نوايا حلحلة الأزمة خاصة في ما يتعلق بمعتقلي الرأي

وعلى عكس الدعوات المطالبة بضرورة تحرير الإعلام والحريات واحترام حق التظاهر، فإن التعتيم المسجل، الجمعة، على المسيرات الاحتجاجية من طرف غالبية وسائل الإعلام المحلية، واستمرار نشاط الحرب الإلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي ضد الاحتجاجات، يعطي الانطباع بأن أزمة الثقة في الجزائر لا تزال تأخذ شكل كرة الثلج، في ظل استمرار نفس ممارسات السلطة المؤقتة.

وتتطلع المعارضة السياسية في البلاد، وما بات يعرف بالحراك الشعبي، إلى خطوات عملية من طرف السلطة، لتأكيد نوايا حلحلة الأزمة القائمة، خاصة في ما يتعلق بإطلاق سراح معتقلي الرأي، وعلى رأسهم المناضل التاريخي لخضر بورقعة، كريم طابو، فضيل بومالة، وسمير بلعربي.

وتحصي تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي، نحو ألف موقوف في السجن المؤقت، منذ بداية الاحتجاجات السياسية في البلاد، منهم 200 تم الحكم عليهم بعقوبات السجن النافذ، فضلا عن ممارسات قمعية سجلت قبيل الانتخابات، في المسيرات الشعبية بمدن غرب البلاد، خاصة مدينة وهران، وهو ما دفع الناشطين إلى تعبئة الشارع والتنقل إلى مدينة وهران للتعبير عن التضامن والدعم بين جميع مدن البلاد.

وظهرت هاشتاغات وشعارات على شبكات التواصل الاجتماعي، كـ”كلنا وهران”، و”وهران برافو (شكرا) عليكم.. الجزائر تفتخر بكم”، وهو نفس الشعار الذي تم تداوله ورفعه في مختلف المدن، لرفع معنويات سكان مدينة أو منطقة معينة تتعرض للقمع أو التشويه كما يحدث لمنطقة القبائل.

وفيما أبدت العديد من القوى السياسية الموالية أو القريبة من السلطة، عن استعدادها لمباشرة حوار سياسي مع السلطة، فإن مواقف المعارضة الحزبية أو المستقلة ما زالت تتراوح بين الرفض والتحفظ، حيث عبر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عن رفضه الانخراط فيما أسماه بـ”مناورة إعادة إنتاج النظام”، أما جبهة القوى الاشتراكية، فقد وضعت “شروطا مسبقة” مقابل الذهاب للحوار مع السلطة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: