الجزائر: رئيس جمهورية أم مجرد واجهة مدنية؟
كما كنا نتوقع، فرض النظام الجزائري المرفوض من طرف جلّ الجزائريين، مسرحية انتخابية بالقوة يوم الـ12 من ديسمبر الماضي. لقد ضُخمت نسبة المشاركة بشكل مفضوح كالعادة إذ أوصلتها يد النظام إلى 41.07 بالمئة، في حين تتحدث مصادر صحافية عن أرقام مسربة من وزارة الداخلية تقول إن النسبة الحقيقية لم تتعدّ 8 بالمئة.
وفي سابقة لم يشهدها تاريخ الجزائر والعالم خرجت جماهير واسعة تندد بالمهزلة الجارية يوم الاقتراع ذاته، لتؤكد عدم اكتراثها بمناورات السلطة القائمة وبأن الأمر لا يعنيها من بعيد أو من قريب. وقد تم استعمال القمع البوليسي ضد المحتجين بشكل وحشي غير مسبوق منذ بداية الحراك الجزائري. هتف الجزائريون في كل المدن منذ إعلان قائد الأركان، أحمد قايد صالح، عن تاريخ إجرائها من الثكنة “لا انتخابات مع العصابات”. وفعلا لم تُجرَ انتخابات حقيقية يوم الـ12 من ديسمبر كما تريد العصابة الغالبة إيهام الرأي العام الدولي، بل تم كما كان منتظرا تعيين واحد من أعضائها تحت مسمى “انتخابات رئاسية”.
والهدف تغطية العسكري بالمدني، ولكن كما تغطّى الشمس بالغربال. وقد أبانت العصابة عن أنيابها المتعطشة للعض والنهش مباشرة غداة تلك المهزلة فمارست يوم الجمعة الـ13 من ديسمبر قمعا وحشيا على الحراكيين المسالمين في مدينة وهران، ولم ينجُ من الضرب والإهانة والاعتقال لا النساء ولا الأطفال ولا المسنون، كما تبين الصور والفيديوهات وشهادات الضحايا. وكان ذلك رسائل تهديد وتخويف موجّهة قصدا إلى كل المحتجين في المدن الجزائرية الأخرى مفادها أن النظام الحاكم يمتلك اليوم رئيسا شرعيا منتخبا، ومن هنا فصاعدا سيكون له شرعية استعمال العنف ضدهم وتفريق صفوفهم واعتقالهم.
وفي الحقيقة كانت لعبة انتخابية فريدة من نوعها، إذ لم يحدث أن مرت انتخابات من دون تقديم طعون حتى في الديمقراطيات العتيدة، وهو ما يبين أن كل شيء كان مرتبا ومحسوما سلفا وأن المرشحين الأربعة الآخرين كانوا هم أيضا متواطئين مع العصابة واكتفوا بقبول ما تكرم عليهم به النظام من نسب سخيفة. وهم جزء من المنظومة المتلاعبة بالبلد على كل حال.
وما يمكن أن ينسف تلك الانتخابات المزعومة من أساسها هو عدم مشاركة منطقة القبائل نهائيا إلى درجة أغلق فيها المواطنون مراكز الاقتراع كلها. ولا نملك سوى الإشفاق على الجزائر حينما نقرأ أن الفريق أحمد قايد صالح يقول في برقية تهنئة للرئيس، عبدالمجيد تبّون، الذي عيّنه “سيبقى الجيش الوطني الشعبي مجندا وداعما للرئيس الذي اختاره الشعب ولن يتخلى أبدا عن التزاماته الدستورية وسيظل بالمرصاد لأعداء الوطن”.
وبغض النظر عن كل هذا التدليس والتهديد، وإن سلّمنا فرضا بالأمر الواقع، فما جدوى تعيين هذا الرئيس؟ وهل هو قادر على استرجاع ثقة الأغلبية والبدء في حوار وطني جاد مع كل الطيف الجزائري للخروج من الأزمة المزمنة التي يعيشها البلد؟
لئن عبر عبدالمجيد تبون عن استعداده للتحاور مع الحراكيين، فهم يتساءلون عما إذا كان هذا الرجل يملك كل صلاحيات رئيس الجمهورية أم هو مجرد نسخة شبه شرعية من الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، أي رجل مدجّن لا يمكن أن يكون سوى وسيط أو ناطق رسمي مدني باسم قيادة الأركان؟
في الحقيقة لا يمكن أن يلدغ العسكر من الجحر مرتين، لقد لدغهم الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة الذي جاؤوا به هم أنفسهم في العام 1999 حينما تحرر من قبضتهم شيئا فشيئا، إلى أن تغلب عليهم واستفرد بالحكم وبدأ يسقط المناوئين له الواحد تلو الآخر. ولولا الحراك لما استطاع أحد أن يزعزعه حتى وهو على مشارف الموت، وهو الذي لم ينبس ببنت شفة طيلة عهدته الرابعة، وأرغم بمعية أخيه السعيد بوتفليقة قائد الأركان قايد صالح أن يبارك عهدته الخامسة ويصرح بأن الجيش الوطني الشعبي مستعد لضمان عهدة خامسة لرجل شبه ميت.
وهي التجربة التي لم يعد يرغب الجنرالات المتنفذون مكابدتها مرة أخرى مهما كان الثمن. ولذلك فلن يتركوا لعبدالمجيد تبون إلا هامشا ضيقا للمناورة. ولن تكون له حرية المبادرة خوفا من أن يكسب شرعية من خلال الممارسة السياسية وعلى الخصوص عبر التحاور وربط علاقات مع المجتمع المدني المعارض.
وهو ما أدركه الحراكيون الذين فهموا من الوهلة الأولى أن الانتخابات الرئاسية ما هي سوى الطريقة الأخيرة المتبقية في يد النظام للقضاء على ثورتهم السلمية. وما عبدالمجيد تبون سوى المنفذ المختار لخارطة طريق الجنرالات التي كانت، دائما وأبدا، استمرار النظام وبقاء الجيش مهيمنا على الحياة السياسية والاقتصادية في الجزائر.
لقد تعود النظام الدهس على الشرعية الشعبية بجزماته العسكرية منذ الاستقلال، وكانت مقاطعة الشعب لاستحقاقاته الشكلية صامتة، أما اليوم فهي مقاطعة صاخبة وتطالب في الشارع بشرعية شعبية حقيقية.
فهل دعوة الرئيس المعيّن إلى الحوار دعوة حقيقية أم هي خديعة لتفجير الحراك؟ وهل هي مناورة للسطو على الحراك من خلال اختيار محاورين على مقاس النظام؟