“تهان غير حارة” توتر الأجواء بين فرنسا والرئيس الجزائري الجديد

دخلت العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، في حالة من الشك والريبة خلال الأيام الأخيرة، مما يؤكد أن باريس، التي دعمت السلطة الجزائرية في الخفاء منذ بداية التوتر السياسي بالبلاد شهر فبراير الماضي، باتت منزعجة من الوافد الجديد إلى قصر المرادية.

ولم يقلص الاتصال الهاتفي المعلن عنه في الجزائر بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وبين نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، من حدة التوتر المسجل في الآونة الأخيرة بين الطرفين، لاسيما بعد التصريح المثير لماكرون حول فوز تبون بالانتخابات الرئاسية بالجزائر.

وأعلنت جهات رسمية في الجزائر على لسان وسائل إعلام موالية للسلطة أن ماكرون أجرى “اتصالا هاتفيا مع تبون، دام ساعة من الزمن قدم له فيها تهانيه الحارة، وأعرب له عن نزاهة الاستحقاق الرئاسي المنظم في الجزائر”.

جاء ذلك غداة سجال تفجر في العاصمتين على خلفية التصريح الذي أدلى به ماكرون في نشاط رسمي للاتحاد الأوروبي ذكر فيه بأنه “أخذ علما بفوز تبون في الانتخابات الرئاسية الجزائرية”، ودون أن يصدر أيّ ترحيب أو تهنئة، دعاه إلى ” فتح حوار مع الجزائريين “، في إشارة إلى احتجاجات الحراك الشعبي المستمرة منذ عشرة أشهر.

لكنّ بيانا صادرا عن الإليزيه الأربعاء، بثته وكالة الأنباء الفرنسية، نفى ما تم تداوله في الجزائر من طرف الوكالة الرسمية وبعض وسائل الإعلام، حول “التهاني الحارة”، وشدد على أن “ماكرون هنأ تبون بفوزه في الانتخابات الرئاسية“، وأعرب له عن “وقوف فرنسا بجانب الجزائر في الظروف التاريخية التي تمر بها”.

ويبدو أن باريس لا تريد حتى إغماض عينيها عن بيان سياسي جزائري موجّه، وإحراج الرئيس الجديد، ومن ورائه القوى الداعمة له أمام الرأي العام، الأمر الذي يؤكد دخولها على خط الأزمة الداخلية وتوظيفها كورقة لتصفية الحسابات بين طرفي الصراع.

وطرح الموقف الفرنسي بقوة في التطورات السياسية التي تعيشها الجزائر منذ شهر فبراير الماضي، وتحوّلت إلى ورقة تجاذب بين طرفي الصراع، فكل طرف يتهم الآخر بالاستقواء بالفرنسيين من أجل ترجيح كفته، انطلاقا من النفوذ الذي تحظى به باريس في الجزائر.

وعادت بذلك أجواء الشكوك والريبة لتخيم على علاقات البلدين، مما يؤكد أن ثقل الملفات العالقة بينهما يبقى رهين مزاج تاريخي ونفسي، في ظل استمرار أحكام نمطية وظفت من طرف السلطة ضد المعارضة السياسية والحراك الشعبي، ومن طرف الأخير ضد السلطة.

ولم تتوقف أذرع الدعاية الموالية للسلطة الجزائرية عن نعت القوى المعارضة لها بأوصاف الخيانة والعمالة وخدمة الأجندة الخارجية لفرنسا تحديدا، استنادا إلى موروث تاريخي بين البلدين، واللعب على أوتار محددة لإثارة مشاعر التحرر من النفوذ الفرنسي لدى الجزائريين.

وفي المقابل لم يتوان المعارضون في توجيه تهم صريحة للسلطة بالخضوع لدوائر النفوذ الأجنبي خاصة في باريس، من أجل الحصول على دعمها للاستمرار في مواقعها، والمراهنة على أوراق سيادية، على غرار قانون المحروقات الجديد، الذي فصّل حسب هؤلاء، على مقاس إرادة الشركات العالمية، وعلى رأسها شركة طوطال الفرنسية.

ولم تخف باريس دعمها للنظام الجزائري في الأسابيع الأولى للحراك الشعبي، وأعربت عن دعمها للحلول التي اقترحها آنذاك الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، للخروج من المأزق، حيث عبر ماكرون وجون إيف لودريان، في أكثر من تصريح عن دعمهما للحوار السياسي ولمقترحات بوتفليقة.

إلا أن التصريح الذي أدلى به النائب البرلماني جون لاصال، في جلسة رسمية للجمعية الفرنسية، والذي عبر فيه عن مخاوفه من صعود تيار جديد داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية يعادي المصالح الفرنسية يؤكد وجود أكثر من رؤية داخل النخب الفرنسية الحاكمة حول الملف الجزائري.

علاقات باريس والجزائر محكومة بملفات ثقيلة

ويكون الدعم الذي وفرته السلطات الفرنسية لنظيرتها الجزائرية، وتأطير الأمن الفرنسي للجالية الرافضة للانتخابات بشكل لا يؤثر على عملية الاقتراع، وحتى مساعدتها على إسكات بعض الناشطين والمدونين ووسائل إعلام معارضة، أحد أوجه النوايا الفرنسية في استمرار النظام السياسي القائم بالجزائر.

وكان الناشط السياسي المعارض كريم طابو، المسجون على خلفية أحداث الجزائر، قد عبّر عن وجود “نخب فرنسية رسمية لا تريد للجزائر أن تتحرر أو أن تنهض كقوة إقليمية في المنطقة، وعن رأي عام فرنسي لا يهمه إلا التعايش السلمي بين البلدين والشعبين”.

وعلى النقيض من ذلك ذهب الرئيس الجزائري الجديد، خلال حملته الانتخابية، إلى القول بأن “مشكلة الجزائر ليست مع فرنسا الرسمية، وإنما مع بعض الدوائر المعادية لبلادنا”، وألمح إلى بعض الأحزاب السياسية والجمعيات وحتى البعض من وسائل الإعلام.

ويرى مراقبون أن علاقات البلدين محكومة بملفات ثقيلة، يتوجب الأمر الذهاب إلى ترتيبها، ففرنسا تضم جالية جزائرية تقدر بخمسة ملايين مهاجر على أراضيها، وقرابة نصف مليون جزائري متقاعد يحصل على منحة تقاعده من هناك، فضلا عن نحو 50 ألف مهاجر غير شرعي، وفي المقابل تعتبر الشريك الاقتصادي والتجاري الثاني للجزائر، ولها نحو 600 شركة عاملة فيها، زيادة على صفقات ضخمة لشركة طوطال النفطية.

وتمثل الدعوة التي وصلت الرئاسة الجزائرية من باريس قبل الانتخابات الرئاسية للمشاركة في ندوة دولية حول محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، الحتمية التي تفرضها المصالح الاستراتيجية بين الطرفين وضرورة خروجها من التجاذبات الهامشية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: