هل تكسر رسالة العاهل المغربي جمود العلاقات المغربية – الجزائرية

بعد تنصيب عبدالمجيد تبون رئيسا جديدا للجزائر، جدد العاهل المغربي الملك محمد السادس في رسالة تهنئة، دعوته السابقة إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين.

وفي هذه الرسالة القصيرة، دعا محمد السادس إلى “فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين، على أساس الثقة المتبادلة والحوار البناء”، علما بأن أزمة الصحراء المغربية لا تزال موضع خلاف بين البلدين.

ويشير سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية، لـ”أخبارنا الجالية ” إلى أن “رسالة الملك ذات طابع بروتوكولي محض، استدعتها الأعراف الدبلوماسية وعلاقات الجوار بغض النظر عن الفائز في الانتخابات”، مستدركا أن “تأخر المغرب في الإعلان عن هذه التهنئة -مقارنة مع باقي الدول المغاربية- يحمل عدة دلالات، منها أن المغرب غير راض عن التصريحات المستفزة للرئيس الجزائري المنتخب ضد المغرب أثناء حملته الانتخابية”.

أما محتوى الرسالة، فلا يتضمن جديدا يذكر، فقد سبق للملك محمد السادس في مناسبات مختلفة أن وجه مثل هذه الدعوات لطي صفحة الماضي، وفتح الحدود والتطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين، حسب الصديقي.

وبالفعل حاول الملك محمد السادس فتح باب الحوار مع الجزائر عندما دعا القيادة هناك إلى حوار مباشر وصريح، مُعربًا عن تطلعه إلى تجاوز الخلافات ورغبته في تطبيع العلاقات بين البلدين، مقترحا في خطاب الذكرى الـ43 لـ”المسيرة الخضراء”، في نوفمبر 2018، إيجاد آلية سياسية مشتركة للحوار مع الجزائر من أجل “دراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات”، إضافة إلى دعوته إلى إحياء اتحاد المغرب العربي.

لا يمكن فك شفرة طبيعة العلاقات بين المغرب والجزائر، سواء مع الرئيس الجديد أو مع من قبله، دون التركيز على توازن القوى بين الجارين، في المنطقة المغاربية

وتأسفت الخارجية المغربية على بقاء دعوة المغرب للجزائر إلى “تجاوز الخلافات” معلقة ودون رد. وقد ربط المغرب وضعية الجمود التي يعرفها اتحاد المغرب العربي، منذ سنين، أساسا بالطبيعة غير العادية للعلاقات المغربية الجزائرية، والتي لا يمكن أن تعالج إلا في إطار حوار ثنائي مباشر دون وساطة.

ومنذ اعتلائه العرش في عام 1999، والملك محمد السادس يبعث رسائل مباشرة وإشارات في عدد من المناسبات رغبة منه في تطبيع العلاقات وحل القضايا العالقة مع الجارة الجزائر، لكن دون جدوى فالنظام هناك ما زال متشبثا بعقيدة الجفاء والعداء للمغرب.

وكان خطاب المسيرة الخضراء قبل عام بمثابة خارطة طريق ذكّر فيها العاهل المغربي بالتاريخ المشترك بين البلدين.

وبالعودة إلى رسالة تهنئة العاهل المغربي للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، نجدها قائمة على عنصري الثقة والحوار، وهذا يعني أن جوهر الأزمة بين البلدان المغاربية هو الشك والتوجس المتبادلين حسب الصديقي، مشيرا إلى أن إرساء آليات حوار مباشر من شأنه أن يبدد هذه الهواجس السلبية.

ويستبعد الصديقي أن يستجيب النظام القائم في الجزائر لهذه الدعوة، لأن لا شيء تغير في هذا النظام حتى يغير سياسته نحو المغرب، مضيفا أنه لا يمكن توقع تطبيع كامل للعلاقات بين الدولتين ما لم تتوفر شروط تزيل هذا الوهم، وتبدد الشك المتبادل بينهما.

وكانت زيارة سعدالدين العثماني، عندما كان وزير الخارجية في عام 2012، للجزائر فتحت بابا من الآمال حول تطبيع العلاقات الثنائية، والتعاطي مع بعض الملفات على أساس الوصول إلى تفاهمات معينة بخصوصها ومنها فتح الحدود، لكن بقي الحال كما هو عليه إلى اليوم.

وفي هذا الإطار أشار صبري الحو، الخبير في القانون الدولي وملف الصحراء، لـ”أخبارنا الجالية ” إلى أن “أفق التواصل بين المغرب والجزائر ظل حبيس رهانات اللاسلم واللاحرب التي كانت لصالح الفساد العسكري في دولة الجزائر التي تنكرت لكل ما قدمه المغرب لصالح ثورة الجزائريين ضد الاحتلال الفرنسي مع ما أصبح يميز الفضاء العمومي الجزائري من ديناميات اجتماعية بلغت درجة اعتقال صقور الرئاسة”.

ومع وصول عبدالمجيد تبون إلى كرسي الرئاسة، واستحضارا لما سبق أن صرح به حيال المغرب، يعتقد الحو “أننا أمام بوتفليقة قديم جديد، وقد يكون زمن بوتفليقة أرحم وأضمن لأنه فهم بشكل معين منطق التوازنات وكان يراعيها”.

حاول الملك محمد السادس فتح باب الحوار مع الجزائر عندما دعا القيادة هناك إلى حوار مباشر وصريح، مُعربًا عن تطلعه إلى تجاوز الخلافات ورغبته في تطبيع العلاقات بين البلدين

ولا يمكن فك شفرة طبيعة العلاقات بين المغرب والجزائر، سواء مع الرئيس الجديد أو مع من قبله، دون التركيز على توازن القوى بين الجارين، في المنطقة المغاربية.

ويلفت رضا الفلاح أستاذ العلاقات الدولية، لـ”أخبارنا الجالية ” إلى أن “الشغل الشاغل للجزائر منذ استقلالها هو أن تصبح القوة الإقليمية المهيمنة مغاربيا، لكن بالرغم من دعمها لكل ما يضعف المغرب وبالرغم من تراكم عائدات البترول والغاز وضخامة ميزانية الإنفاق العسكري، فإنها لم تتمكن من فرض هيمنتها على المغرب الكبير”.

والى جانب مسألة الحدود المغلقة منذ عام 1994 بعد هجوم إرهابي على مراكش تورطت فيه عناصر جزائرية، زادت العلاقات بين البلدين توترا منذ 40 عاما بسبب قضية الصحراء المغربية على اعتبار دعم هذه الأخيرة للانفصاليين منذ سبعينات القرن الماضي.

وتاريخيا دعم المغرب الثورة الجزائرية منذ اندلاعها سنة 1954، والتي أفرزت نظام الجنرالات الذي يحكم إلى حد الآن، إذ بعد استقلالها دخل النظام هناك في حرب مع المغرب في عام 1963 سميت بـ”حرب الرمال”، نتيجة مشكلة الحدود بين البلدين عندما تشبث النظام آنذاك بإبقاء الحدود الموروثة عن الاستعمار، ولم تستوعب القيادة الجزائرية الهزيمة التي منيت بها من طرف الجيش المغربي.

وفي هذا الصدد أوضح سعيد الصديقي “أن النظام الجزائري بني ما بعد الاستقلال، ولاسيما بعد حرب الرمال، على وهم وجود تهديد وجودي من قبل المغرب، واستثمرت المؤسسة العسكرية ملايين الدولارات في تكريس هذا الوهم، سواء في الإنفاق العسكري الكبير أو في الاحتضان الشامل والمكلف لجبهة البوليساريو على كل الأصعدة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: