عمار سعداني يخترق جدار الصمت الجزائري: الصحراء مغربية
كسر الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر عمار سعداني، جدار الصمت المطبق على أحد ثوابت بلاده، باعترافه الصريح بـ”مغربية الصحراء”، ليكون بذلك أول موقف لافت في المنظومة المحسوبة على السلطة في الجزائر، مما يمهد الطريق لإمكانية بروز تحولات جديدة في الملف خلال الأشهر القادمة.
وأكد سعداني أن الأجواء السائدة في المنطقة المغاربية تهيئ الظروف لبعث الاتحاد المغاربي المعطل منذ سنوات، وأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس، ونفس الاستحقاق المقرر بالجزائر قبل نهاية العام الجاري، فضلا عن تطورات المشهد الليبي، كلها عناصر تمهد الطريق لبروز قناعات تحث على إحياء الاتحاد المغاربي، وتجاوز العقبات التي أعاقته خلال العقود الماضية.
وذكر سعداني في التصريح الذي أدلى به الخميس “أنا في الحقيقة أعتبر من الناحية التاريخية، أن الصحراء مغربية، واقتطعت من المغرب في مؤتمر برلين، وفي رأيي أن الجزائر التي تدفع أموالا كثيرة للمنظمة التي تُسمى البوليساريو منذ أكثر من 50 سنة، دفعت ثمنا غاليا جدا دون أن تقوم المنظمة بشيء أو تخرج من عنق الزجاجة”.
وأضاف “العلاقة بين الجزائر والمغرب، هي أكبر من هذا الموضوع والآن الظرف مناسب، لأن هناك انتخاب رئيس جديد وتغييرا في النظام التونسي، والجزائر مقبلة على انتخابات وهناك تغير في النظام، كما أن ليبيا تعيش تحولا، وهذا يمكن أن يؤدي إلى إعادة إحياء المغرب العربي كما طالب به قدماء جبهة التحرير وأيضا الأحزاب الوطنية في كل من المغرب، الجزائر، تونس وشمال أفريقيا”.
ويصنع موقف سعداني الاستثناء ويثير الجدل في الجزائر، حول أقدم الثوابت التي تتبناها منذ منتصف سبعينات القرن الماضي.
ويتزامن هذا الموقف، الذي يمهد لإعادة الدفء في العلاقات بين الرباط والجزائر، مع موقف رسمي مغربي قوي بشأن النأي بالنفس عن تطورات الوضع في الجزائر، أو ما بات يعرف بالحراك الشعبي، وذلك في رد سريع على تصريحات لوزير الخارجية المغربي السابق صلاح الدين مزوار. الذي دفع إلى الاستقالة من رئاسته من الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
وشجب المغرب، الأحد، تصريحات مزوار التي أشاد فيها بالحراك الشعبي في الجزائر، معتبرا أنها “تصرف غير مسؤول وأرعن ومتهور”. جاء ذلك في بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، نشرته وكالة الأنباء الرسمية بالمملكة.
وأكد البيان أن “المملكة المغربية قررت التمسك بنهج عدم التدخل إزاء التطورات بالجزائر. إن المغرب يمتنع عن أي تعليق بهذا الخصوص. فهو ليس له أن يتدخل في التطورات الداخلية التي يشهدها هذا البلد الجار، ولا أن يعلق عليها بأي شكل كان”.
ولفت سعداني، في تصريحه لموقع “تي.أس.آ”، إلى أن “موضوع الصحراء يجب أن ينتهي وتفتح الحدود وتسوى العلاقات بين الجزائر والمغرب، لأن الأموال التي تُدفع لمنظمة البوليساريو، والتي يتجول بها أصحابها في الفنادق الضخمة منذ 50 عاما، فإن سوق أهراس والبيض وتمنراست وغيرها، أولى بها.. هذا هو موقفي سواء أغضب البعض أو لم يعجب البعض الآخر”، وذلك في إشارة إلى الغموض الذي يشوب أموال دعم الصحراويين في المخيمات.
ورغم أن الموقف يبقى خيارا شخصيا، إلا أن وزن ونفوذ الرجل سواء داخل الحزب الحاكم في البلاد، أو قربه من مراكز القرار لاسيما لدى السلطة الحالية، حيث يعتبر أحد المقربين من الرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية، يوحي بأن التصريح يمهد لبلورة جديدة للموقف بداية من العام القادم بعد انتخاب الرئيس الجديد للبلاد منتصف شهر ديسمبر المقبل.
ورافع عمار سعداني، بقوة لصالح المقاربة الدستورية والانتخابات الرئاسية التي تتمسك بها قيادة الجيش، رغم رفضها الشديد من طرف المعارضة والحراك الشعبي، حيث شدد على أن استمرار الاحتجاجات واستهدافها للجنرال أحمد قايد صالح، هو “مناورة لإفراغ المؤسسة من رجالاتها وتحجيم دورها في المجتمع”.
واعتبر الكاتب اللبناني المتخصص بالشؤون المغاربية خيرالله خيرالله أن سعداني قال أخيرا الحقيقة التي كان يجب أن يقولها أي مسؤول جزائري حريص فعلا على مصلحة بلده خصوصا، وعلى لعب دور إيجابي على الصعيد المغاربي عموما.
وقال خيرالله في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، “في النهاية، إن الصحراء قضية مفتعلة أصلا وهي مشكلة جزائرية – مغربية. لم تكن بوليساريو يوما سوى أداة استخدمتها الجزائر وما لبثت أن ارتدت عليها”.
وأضاف “لا يمكن فصل الانفتاح الداخلي في الجزائر، في حال حصوله، عن الانفتاح على المنطقة كلها، خصوصا منطقة شمال أفريقيا”. معتبرا مثل هذا الانفتاح دليلا على أن الجزائر ستكون قادرة أخيرا على تجاوز عقدة المغرب من خلال رؤية واقعية لما هي قضية الصحراء التي استخدمت طويلا، من دون تحقيق أي نتيجة، في ابتزاز المغرب.