الجزائريون فقدوا الثقة في دعوة رئيسهم للحوار
أعادت دعوة الرئيس الجزائري المنتخب عبدالمجيد تبون لفتح حوار شامل مع الحراك الشعبي، أزمة البلاد إلى مربع الصفر، واستحضرت سيناريو المناورات التي انتهجتها السلطة في الأيام الأخيرة لحكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وأثناء الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية المنتظمة الخميس الماضي.
وحذر ناشطون في الحراك الجزائري من مغبة الارتماء العشوائي في أحضان دعوات الحوار التي أطلقها الرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون، واعتبرتها مناورة لتفكيك الشارع الجزائري، من خلال إعادة بعث إشكالية التمثيل واستغلال ورقة الافتقاد لقيادة معينة من أجل خلق صدامات بين مختلف الفواعل المكونة له.
ومع ذلك تبقى مطالب إطلاق سراح سجناء الرأي، وفتح حريات التعبير والإعلام والتظاهر، وحيادية الإشراف وإلزامية النتائج التي تتمخض عنه، قواسم مشتركة بين مختلف التيارات الفاعلة داخل الحراك.
وعبرت العديد من الجهات السياسية والشعبية في الجزائر عن مخاوفها من أن تكون دعوة الرئيس الجزائري الجديد عبدالمجيد تبون إحدى مناورات السلطة التي تستهدف من ورائها تفكيك الحراك الشعبي، على غرار الحوار السياسي الذي أدارته لجنة الوساطة بقيادة البرلماني السابق كريم يونس، وقبله الدبلوماسيان لخضر الإبراهيمي ورمطان لعمامرة.
يرتقب أن يباشر عبدالمجيد تبون حوارا سياسيا وإصلاحات دستورية عميقة تكون مدعومة باستفتاء شعبي كبير في غضون أشهر
ورغم إجماع غالبية القوى السياسية والشعبية على خيار الحوار للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها، إلا أن هواجس المناورة والتحايل تبقى أكبر عائق أمام الانخراط الطبيعي المرن في مسار تشاوري بين أطراف الأزمة، خاصة في ظل الشكوك المتنامية بسبب تراكمات عشرة أشهر من تسيير السلطة الفعلية للأزمة.
وتقاسمت جبهة القوى الاشتراكية اليسارية وجبهة العدالة والتنمية الإسلامية الشروط المسبقة مقابل الدخول في أي حوار جاد مع السلطة، وهو ما يتماهى مع خارطة طريق أطلقتها مجموعة العشرين منتصف شهر أكتوبر الماضي، والتي ضمنتها تنفيذ إجراءات تهدئة مسبقة لتأكيد نوايا النظام في حل مشترك للأزمة.
ويبدو أن المقاطعة الواسعة للانتخابات الرئاسية، ومحدودية الشرعية التي أفرزت عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد، حيث حاز على خمسة ملايين صوت من مجموع قرابة 25 مليون جزائري مدون على لوائح الاقتراع، فضلا عن الشبهات التي طالت الاستحقاق، هي التي تدفع الرجل إلى البحث عن تعزيز شرعيته بتنظيم استحقاق سياسي آخر ينخرط فيه المجتمع بشكل لافت.
واعتبر متابعون للشأن الجزائري أن انتخاب رئيس جديد للبلاد لم يتعد حدود ملء الفراغ المؤسساتي، بينما تبقى الأزمة قائمة في ظل رفض الشارع للسلطة وللانتخابات وللرئيس الجديد، وهو الموقف المعبر عنه خلال يومي الاقتراع (الخميس) والاحتجاجات الأسبوعية (الجمعة).
وترى في هذا الشأن المحللة السياسية لويزة آيت حمادوش أن “الانتخابات الرئاسية نجحت تقنيا وفشلت سياسيا، لأن السلطة نجحت في تنظيم الاستحقاق الرئاسي، لكنها لم تنجح في إقناع أغلبية المجتمع بجديته”.
واستدلت على ذلك بكون “الاستحقاقات الانتخابية والرئاسية تحديدا كانت تتم وسط عزوف شعبي صامت”، كتعبير عن رفض خيارات السلطة وآلياتها، بينما العزوف الغالب في الاستحقاق الأخير تم التعبير عنه بشكل واضح وصريح في يوم الاقتراع الشامل وفي اليوم الذي تلاه.
وظلت الأغلبية الصامتة محل تجاذب بين القوى السياسية الفاعلة في المشهد الجزائري، حتى خلال انتخابات مطلع تسعينات القرن الماضي، التي قاطعها 40 بالمئة من الجزائريين، وارتفعت النسبة إلى مستويات قياسية في الاستحقاقات الانتخابية التي تلتها.
وحاولت المعارضة المقاطعة الاستفادة منها لتعزيز مواقفها، لكن الأغلبية التي ظلت صامتة طيلة العقود الماضية يرجح أن تكون هي التي تغذي الحراك الشعبي الآن وتعبر عن موقفها بصوت عال منذ شهر فبراير الماضي، لاسيما وأنها وضعت السلطة والطبقة السياسية في سلة واحدة.
ويتجه الرئيس الجديد للبلاد إلى انتهاج خطة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، لما انسحب منافسوه الخمسة من السباق الرئاسي عشية انتخابات الرئاسة المنتظمة في أبريل 1999، واضطر للبحث عن شرعية جديدة عبر استفتاء الوئام المدني في نفس العام، لترقيع شرعيته الشعبية المهتزة في انتخابات الرئاسة، حيث يرتقب أن يباشر عبدالمجيد تبون حوارا سياسيا وإصلاحات دستورية عميقة تكون مدعومة باستفتاء شعبي كبير خلال الأشهر القادمة.
ومع ذلك يبقى هامش المناورة الضيق والخطوط التي رسمتها السلطة الفعلية على مدار الأشهر الماضية أكبر عائق في مسار الرجل الذي يزعم أنه رجل التغيير في البلاد، وأول تحد طرح عليه، مدى قدرته على إحداث تغيير في تركيبة ودور المؤسسة العسكرية، وهي التي مهدت له الطريق ليكون رئيس الجزائر الثامن، فضلا عن كيفية تعاطيه مع الملفات التي حسمتها السلطة خلال الأشهر الأخيرة، لما رتبت الوضع في السلك الدبلوماسي والقضائي والإداري والإعلامي، وهي التركيبة التي تدخل في صميم التغيير المرفوع من طرف الحراك الشعبي.