الروتيني اليومي مسلسل التفاهات على اليوتوب لكسب المال

روتيني اليومي هو جديد مسلسل التفاهة في هذا البلد السعيد، كل شيء جائز من أجل رفع نسب المشاهدة وخلق “البووز” ودخول “الطوندونس” وغيرها من أحلام العالم الافتراضي. ولأجله تتناسل قنوات اليوتيوب كل يوم وتظهر منها أسبوعيا مئات تعرض نساء من ربات البيوت اللواتي قررن الخروج من عزلة المطابخ وظلمة غرف النوم ليعرضن مسلسل حياتهن اليومية البسيطة على الجمهور.

نساء في مقتبل العمر يضعن كاميرات مثبتة ليشرعن في أشغال البيت الروتينية من تنظيف وطبخ وترتيب للأثاث، أو يقدمن وصفات لأكلات أو تجميل أو موضة.

إلى حدود هذه الأنشطة يبدو المحتوى عاديا مادام عالم اليوتيوب يعج بمختلف الفيديوهات التي تعرض ما لا يمكن تخيله. ومن الطبيعي أن يكون للأنشطة المنزلية نصيبها في هذا الفضاء الشاسع.

رائدات روتيني اليومي لم يخترعن العجلة، لقد اقتبسن تجارب لمحتويات سابقة اشتهرت في كثير من بلدان العالم وخصوصا في الولايات المتحدة وأوربا.

في أمريكا، بلاد “اليوتيوب” و”غوغل” تحولت حياة آل كارداشيان إلى مسلسل طويل يتابعه الملايين عبر إنستغرام ويوتيوب منذ سنوات، وتحقق من خلاله “كيم كارداشيان” بطلة العائلة ونجمتها أرباحا بالملايير من خلال عرض “مؤخرتها” الشهيرة، أو أجزاء من جسدها في صور أو فيديوهات ينتظرها المتلهفون من جمهورها الواسع في أمريكا والعالم.

والظاهر أن بعض ربات البيوت أو الفتيات يحاولن في تجربة مغربية خاصة تلطيف هذا المحتوى سعيا وراء المشاهدات والمنخرطين في صفحاتهم وقنواتهم.

” كنعرف غير روتيني اليومي ”

“ما مانتازلاش ما منتازلاش..هادشي اللي كنعرف ندير”، هكذا ترد إحدى رائدات روتيني اليومي من الجيل الجديد على منتقدي الفيديوهات التي أطلقتها مؤخرا على قناة dounia beauty vlog.

وبسذاجة تعبيرية واضحة يرافقها غنج ودلال في لباس اعتبره الكثير من المعلقين مثيرا، تحاول أن تبرر طريقة تصوير روتينها الذي لا يخرج عن دائرة الحركة داخل صالون بيت متواضع مع الحرص على الاستدارة لإظهار مفاتن الجسد أمام الكاميرا المثبتة.

“أنا كنعرف غير روتيني اليومي .. واليوم جيتكم بروتين جديد” تضيف دنيا في قناتها التي خلقت مؤخرا جدلا كبيرا بعد ظهورها بلباس يحجم جسدها ويظهر مفاتنه.

والروتين اليومي المقصود ليس سوى التنقل بين مرافق البيت من الصالون إلى الحمام إلى المطبخ بحركات راقصة مع حرص كبير على إبراز الجزء الخلفي من الجسد للمشاهدين والمشاهدات.

في أسفل الفيديوهات وبالضبط في خانة التعليقات، تقرأ أحد المشاهدين يقول ” كملي، زيدنا من روتيني اليومي “، وتقرأ تعليقا آخر يقول “لعنة الله عليك” وثالثة تضيف “تبارك الله عليك عندك مع الروتين”..عشرات التعاليق تظهر انقسام المجتمع الافتراضي حول مضمون هذه الفيديوهات المتهمة بتهمتين رئيسيتين: التفاهة والإباحية أو الميوعة.

تحقق هذه القنوات نسب متابعة جد عالية في إحصائيات “الطوندونس” على الصعيد الوطني. بعضها سبق أن حصل على الدرع الذهبي من اليوتيوب. وهذا يثير حفيظة واستغرب الكثيرين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي.

فبالنسبة لهؤلاء يبدو المضمون سطحيا وتافها إلى أبعد الحدود ومن المستغرب أن يستولي على عرش المتابعات بينما لا تحظى المحتويات الأخرى ذات المضمون الجاد أو الثقافي بأدنى مشاهدة.

هذه التجربة قام بها شاب من مدينة الدار البيضاء يدعى حميد كان طموحها الدائم هو خلق قناة على اليوتيوب بمضمون مؤثر يفيد المجتمع.

بعد تخرجه وحصوله على فرصة الالتحاق بمهنة التدريس خلق قناة على اليوتيوب لعرض محتوى دراسي خاص بمادة الفلسفة التي يدرسها، وكان يأمل فعلا أن يطور تدريس المادة باعتماد التكنولوجيا الحديثة، لكن بعد سنة من إعداد المحتوى ونشره وتنقيحه وتطويره، لم يتجاوز عدد المتابعين لصفحته 320 متابعا، رغم كل حملات الدعم الإشهاري التي قام بها.

كرر العملية بمحتوى آخر يتعلق بعرض القضايا المجتمعية بقراءة فكرية وفلسفية للارتباط بالواقع لكن تأثير قناته ظل محدودا.

في المقابل تحظى صفحات ” روتيني اليومي ” بمتابعات تتعدى الملايين رغم بساطة محتواها بل وسطحيته وميوعته أحيانا. بعض المؤثرات من صاحبات الروتين السباقات إلى هذا المجال استطعن تجاوز سقف المليون متابع، ومن أشهرهن “أسماء بيوتي” أو “سارة أبو جاد”، وأقلهن حظا لا يقل عدد متابعي صفحتها عن 50 ألفا.

ويتواصل الإقبال من النساء والفتيات على خلق قنواتهن الخاصة على اليوتيوب بعد النجاح والاكتساح الذي حققته السابقات. وتعتبر الباحثات الجدد عن شهرة اليوتيوب من المتابعات لقنوات “روتيني اليومي”.

فهذه القنوات تجد صدى كبيرا لدى ربات البيوت على الخصوص اللواتي استبدلن البرامج الإذاعية الصباحية بمتابعة هذه الصفحات التي يجدن فيها أنفسهن وذواتهن.

هكذا تبرر فاطمة إدمانها على متابعة قنوات ” روتيني اليومي ” وهو أم لثلاثة أطفال تقضي يومها وهي تضع السماعات على أذنيها وتشاهد قنواتها المفضلة على اليوتيوب. تقول فاطمة “عزيز علي نتفرج فالروتين حيث كنكون حتى أنا كندير الروتين ديالي وكنلقى راسي بحالي بحالهم وأنا مكرهتش ندير شي قناة حتى أنا”.

لكن ما يمنع فاطمة عن خلق قناتها الخاصة على اليوتيوب لعرض روتينها هو رفض زوجها الذي يبرر ذلك بالسمعة السيئة التي أصبحت تلحق بهذه القنوات بعد أن اكتسحها جيل جديد من النساء اللواتي لم يعدن يعرضن محتوى “الروتين” دون الظهور أمام الكاميرات، بل على العكس أصبحن يحرصن على اتخاذ موقع استراتيجي يظهر كامل أجسادهن ويكشف هويتهن.

مثل دنيا، هناك قنوات كثيرة لخولة وياسمين وفتيحة وغيرهن. نساء من أعمار مختلفة وبلكنات متنوعة ومن طبقات متباينة، وبمستويات تعليمية متعددة. لكن قاسمهن المشترك هو “الجرأة” في تقديم المحتوى المعنون ب”روتيني اليومي”، لكنه يخفي وراءه أهدافا قريبة نوعا من فيديوهات الإباحية والتعري.

وعلى الرغم من أن الجرأة لا تصل إلى هذه الدرجة، لكن هذا الجيل الجديد من رائدات “الروتين” يخلق اليوم جدلا كبيرا بعد أن بدأ المتابعون يشككون في نوايا المعروض والعارض.

“نينا” على سبيل المثال يوتوبرز تقيم خارج المغرب، لديها “مؤهلات” جسمانية حسب تعليق أحد متابعيها، تحاول باستمرار أن تضع نفسها في قلب حركة الكاميرا. تبدأ الفيديو بالقول “أنا جيتكم بفيديو جديد، باش تستافدو”.

لكن مضمون ما تعرضه لا يعد محتوى خارقا أو جديدا قد يفيد المتابعين والمتابعات بشيء جديد، مما يؤكد أن المعروض ليس هو المحتوى المعلن بقدر ما هو تلك “المؤهلات” التي ركز عليها المتابع.

تفطن إحدى متابعات صفحة “نينا” إلى المقلب فتعلق دون تردد وبعفوية قائلة “أويلي على الجفاف، من صباح وانتي كادوري شي شقا حار ما شفناه”.

كانت “نينا” تدعي أنها ستعرض أمام المشاهدات والمشاهدين بعض التقنيات والأساليب الخاصة باستعمال قطعة “الجفاف” بطريقة ناجعة وفعالة، لكن الذي ظهر أكثر في الفيديو هو انحناءاتها المصطنعة، وتأواهاتها المبالغ فيها، وسروالها الضيق الذي لا يصلح إلا لغرفة النوم.
هذا النوع من المحتوى ينقل فيديوهات “الروتين” من مستوى التفاهة والسطحية إلى مجال اتهامات أخرى أخطر تتعلق بالسعي وراء الإثارة الجنسية المجانية من أجل اجتذاب المزيد من المتابعين وحصد ما يقابلهم من أرباح ومداخيل.

يتندر أحد المتابعين لهذه الصفحات على إحدى عارضات هذا المحتوى وهو يقول “خاصك غير راجل تبارك الله الحداكة باينة”، ومن المثير أن جمهور هذا الجيل الجديد من رائدات “الروتين” لا يقف عند الحدود المغربية، فكثير من المعلقين والمتابعين يقرون بأنهم من جنسيات عربية مختلفة ولا يخفون إعجابهم بما يعرض في إشارة ملمحة للجوانب الإغرائية لهذه الفيديوهات.

ويظهر عموما بالنسبة لهذا المحتوى الذي يهيمن على قنوات الروتين أنه يعكس فراغا كبيرا تعيشه رائداته اللواتي حكمت الظروف على بعضهن بالجلوس في البيت بدل السعي في المجتمع لتحقيق الذات في العمل أو الدراسة.

وفي ظل المجال الحر والواسع الذي يتيحه يوتيوب فإن هذا المحتوى يتيح لهؤلاء النسوة والفتيات الفرص للظهور والبحث عن ذلك الاعتراف المفقود للمجهود الذي تقوم به المرأة داخل البيت وغالبا ما ينكره المجتمع ولا يعتبره مجهودا ذا قيمة لأنه لا يدر دخلا ماديا معينا.

هذا و طالب عدد من المواطنين المغاربة بتقنين موقع “اليوتوب” خصوصا، و شبكة الأنترنيت على وجه العموم، بغية تحسين جودة المحتويات التي تعم بالنفع، و التي تحترم ذوق المشاهد الالكتروني، علاوة عن تعبيرهم عن سخطهم  إثر الوضع الذي آلت إليه الشبكة العنكبوتية و تحولها من فضاء لاكتساب المعرفة إلى آخر مليء بـ” التفاهة”، بالإضافة إلى مطالبتهم الجادة في اتخاذ إجراءات قانونية صارمة في حق منتجي الفيديوهات المخلة بالحياء، حسب تعبيرهم.

و حسب ما أوضحه أحد المحامين بهيئة الدار البيضاء، أن القانون الجنائي المغربي يعاقب بشكل عام في الفصل 483 كل من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء وذلك مثل العري المتعمد أو البذاءة في الإشارات أو الأفعال: بالحبس من شهر واحد إلى سنتين و بغرامة من 120 درهم إلى 500 درهم.وأضاف المحامي، قائلا: “أمام هذه الموجة، ومع الثورة الرقمية الراهنة في شقها السلبي، أصبحنا في حاجة إلى [مدونة رقمية] تستجيب للتحديات المطروحة وتواكب التغييرات السريعة.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: