ملفات داخلية وخارجية ثقيلة أمام الرئيس الجزائري الجديد
أفرزت انتخابات الرئاسة الجزائرية المرشح المستقل عبدالمجيد تبون رئيسا للجمهورية، ليكون بذلك ثامن رئيس تعرفه البلاد خلال عقود الاستقلال، لكن الظروف والأوضاع التي جاء فيها الرجل إلى قصر المرادية تثير حوله الكثير من الاسئلة، لاسيما فيما يتصل بتعاطيه مع الملفات المطروحة داخليا وخارجيا.
وتتوجه الأنظار في الجزائر إلى ما يتضمنه أول خطاب لرئيس الجمهورية الجديد، والكشف عن معالم أجندة الرجل في المرحلة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية المتوترة، وكيفية التعاطي مع ثورة الشارع السائرة إلى المزيد من التشدد، فضلا عن الملفات الدبلوماسية واستراتيجية إعادة البلاد إلى أداء دورها الطبيعي، بعد غياب عن المشهد نتيجة الفراغ المؤسساتي والأوضاع الداخلية المتوترة.
وبعد رسوّ سفينة السلطة على أحد أبنائها، يعود الحديث مجددا على خطة تسربت على نطاق ضيق خلال الأسابيع الماضية تتضمن توظيف رئاسة عبدالمجيد تبون، في إدارة مرحلة انتقالية تنتهي إلى انتخابات رئاسية مبكّرة بعد ثلاث سنوات، تكون تتويجا لمسار انتخابي شامل ينهي المؤسسات القائمة، ويضع دستورا جديدا للبلاد، لكن لم يتضح من التسريبات إن كان الأمر يتعلق بمخطط إصلاحي شامل لميلاد جمهورية جديدة، أم تعزيز أركان السلطة بأسس جديدة.
وكما خرجت مسيرات حاشدة بالموازاة مع يوم الاقتراع الشامل في البلاد للتعبير عن رفض الانتخابات والتمسك بالمطالب الأساسية المتعلقة بسقوط النظام وإرساء انتقال سياسي شامل وجذري، فإن الشارع الجزائري لم يتأخر في التعبير عن موقفه من نتائج الاستحقاق الرئاسي يوم الجمعة للأسبوع الثالث والأربعين من عمر الحراك الشعبي.
وصدح المتظاهرون في أول تشكيل لمجموعاتهم بالعاصمة “الله أكبر، الفوت مزوّر (الانتخابات مزورة)” مما يوحي بقطيعة عميقة بين الشارع المنتفض وترتيبات السلطة، وأن استعادة الحياة العادية للجزائر في المدى القريب ستكون معقدة وشائكة أمام الرئيس الجديد.
ويبدو أن عبد المجيد تبون لن يتأخر كثيرا في الكشف عن أجندته السياسية، وسيعلن عن خطوطه العريضة حتى قبل تأكيد النتائج النهائية من طرف المجلس الدستوري بعد المهلة القانونية، واستلام مهامه، أملا في تفكيك كرة الثلج التي قد تعصف برأسه شخصيا، إذا لم يتصرف بدهاء مع الأوضاع الداخلية.
وسيكون الرئيس الجديد مطالبا بإرساء الانسجام داخل أركان حملته في ظل تناقض الرؤى داخل معسكره في التعاطي مع الملفات المفتوحة داخليا وخارجيا، ففيما تعهد تبون خلال حملته الدعائية بفتح حوار شامل مع الحراك الشعبي في حال تتويجه برئاسة البلاد، فإن تصريح طيب ينون رئيس الجبهة الجزائرية للتنمية والحرية والعدالة الداعمة لتبون يوحي بأن المرحلة الجديدة ستكون محطة من التعنت والمكابرة التي مارستها السلطة الفعلية منذ فبراير الماضي.
وصرح ينون، ردا على سؤال حول تعاطي مرشحهم مع القوى الشعبية الرافضة للانتخابات والمسيرات الحاشدة التي انتظمت يوم الاقتراع، بأن “ثقافة حفظ النظام العام لابد أن تجسّد، وأن الجزائر ليست العاصمة فقط، وإذا كان هناك رافضون، فهناك مسيرات مؤيدة للخيار الانتخابي وللمؤسسة العسكرية”، وهو تلميح إلى أن الرئيس الجديد سيمضي في نفس النهج الذي تبنته السلطة الفعلية منذ عشرة أشهر.
وسيجد الرئيس الجزائري الجديد نفسه أمام تركة ثقيلة تراكمت خلال فترة الحراك الشعبي، وحتى ما قبل ذلك، نتيجة الفراغ الذي كانت تعيشه الجزائر في هرم السلطة، بسبب الوضع الصحي للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، منذ إصابته في أبريل 2013 بجلطة دماغية أفقدته القدرة على إدارة شؤون البلاد.
ولأن الرئيس الجديد هو خريج الإدارة المتهالكة والنظام السياسي المرفوض، فإن أول تحدّ يكون أمامه هو مواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية في البلاد، فالرجل ينحدر من جيل بيروقراطي تدرج بين مختلف المسؤوليات والمناصب منذ أن كان رئيس دائرة “هيئة إدارية محلية تدير مجموعة من البلديات” في بداية مشواره المهني، إلى أن وصل إلى منصب رئيس وزراء في ربيع العام 2017، وقبلها كان وزيرا لأكبر القطاعات المستهلكة لمقدرات البلاد المالية وإحدى أوراق شراء السلم الاجتماعي، وهو قطاع السكن، وتحسب له برامج وصيغ سكنية أطلقها خلال مطلع الألفية ولم تنته إلى حد الآن.
وإذ كان تبون قد تبنى خيار التغيير ووضعه شعارا لحملته الانتخابية، فإن ثقل الملفات الإقليمية والدولية ستكون بنفس وزن الملفات الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية والدولية التي غابت عنها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، خاصة في المحيط الإقليمي للبلاد.
ويبدو أن الرئيس الذي تخلى عنه أحد كبار الدبلوماسيين في بداية مسار حملته الانتخابية، وهو السفير عبدالله باعلي الذي قرر الانسحاب من إدارة الحملة في الأيام الأولى لانطلاقتها، سيكون مجبرا على ترتيب أوراقه، خاصة أن تصريحات صدرت عنه صنّفت على أنها غير دبلوماسية في قضية الحدود المغرب.
وعكس باقي المرشحين الآخرين الذين أبدوا ليونة في التعاطي مع ملف العلاقات الجزائرية المغربية وألمحوا إلى ضرورة ترتيب الأوضاع الإقليمية في المنطقة المغاربية، فإن عبدالمجيد تبون كان في حملته الانتخابية أكثر تشددا وتمسكا بالرؤية التي تبنتها السلطات الجزائرية على مدار العشريتين الماضيتين، فيما يتعلق بالعلاقات المذكورة والحدود المغلقة.
ولا يستبعد أن تقوده أول زيارة خارجية إلى فرنسا، تلبية لدعوة مبكرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للمشاركة في ندوة دولية لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل، وهو ما يتنافى مع الخطاب السائد لدى تيار عريض مؤيد للسلطة وللجيش ولتبون شخصيا حول معاداة فرنسا والتيار الفرانكفوني.
ويبقى الملف الليبي والوضع في الجنوب هاجسا حقيقيا أمام الرئيس الجديد، بعد انحسار دور بلاده في المدة الأخيرة، خاصة في ظل اشتراكها في حدود برية تقدر بنحو ستة آلاف كيلومتر، مما يحتم عليها إعادة تفعيل دورها الدبلوماسي في المنطقة، بالموازاة مع جهودها في الحرب على الإرهاب وملاحقة الجماعات الجهادية في عمق الصحراء.