الناخب الجزائري في مواجهة مرشحي العسكر ؟
بعد 9 أشهر من استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، تجري الجزائر انتخابات رئاسية، وسط غموض غير مسبوق بشأن المرشح الأوفر حظا من بين المتسابقين الخمسة، الذين ينحدرون من مدرسة النظام. وتسود حالة من عدم اليقين، بشأن ما إذا كان التنافس سيحسم في الدور الأول أم سيمتد إلى دور ثان. ولم يسبق أن عاشت الجزائر، وضعا مشابها، من حيث صعوبة التكهن بنتائج الاقتراع، عكس الاستحقاقات السابقة التي كان المرشح الفائز فيها معروفا حتى قبل إيداع ملفات الترشح. وتأتي انتخابات 12 ديسمبر، بعد إلغاء سباقي أبريل ويوليو 2019. وتنظم هذه الانتخابات وسط انقسام في الشارع، واستمرار الحراك الذي بلغ شهره العاشر دون انقطاع.
هل تعيد الانتخابات الجزائرية رسكلة النظام القديم؟ حتى هذه اللحظة يصعب التنبؤ بمن سيكون رئيس الجزائر المقبل، إلا أن هذا لا يغير من الأمر شيئا، في مجتمع أكثر من نصف سكانه تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما، ويجد الناخب فيه نفسه أمام قائمة تضم خمسة مرشحين أصغرهم في السادسة والخمسين، هو المرشح عبدالعزيز بلعيد. وأكبرهم علي بن فليس، الأمين العام لحزب “طلائع الحريات”، وهو رئيس وزراء سابق من مواليد 1944.
وينحدر المتنافسون الخمسة من مدرسة النظام، وهم إضافة إلى المرشحيْن السابقين المذكورين: عبدالمجيد تبون، رئيس وزراء سابق، تم تداول اسمه في أروقة المحاكم، في قضية “مجمع الخليفة”، والأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، عزالدين ميهوبي (الحزب الذي كان يتزعمه رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى المسجون بسبب قضايا فساد)، ورئيس حزب حركة البناء الوطني (إسلامي)، عبدالقادر بن قرينة.
خمسة مرشحين تم انتقاؤهم بعناية ليجدد النظام القديم بهم نفسه.
الجيش الذي يدّعي الوقوف على الحياد، أعطى الحرية للناخبين ليختاروا الرئيس الذي يناسب تطلعاتهم. جاء ذلك في تصريحات على لسان قائد الجيش، أحمد قايد صالح، وصفت بأنها غير مسبوقة، أعلن فيها عن “نهاية عهد صناعة الرؤساء”. ليجد شباب الجزائر الذي فرض التغيير، نفسه مخيرا بين خمسة مرشحين توائم، فمن يختار؟
تجرى الانتخابات وسط عاصفة من الاحتجاجات الرافضة لإجرائها وأخرى مؤيدة لها، بعد تسعة أشهر من الاستقالة التي أكره عليها الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ودخول البلاد في مرحلة انتقالية. وعلى العكس من الاستحقاقات الرئاسية السابقة، التي كان المرشح الفائز معروفا فيها، حتى قبل إيداع ملفات الترشح، يصعب التكهن بنتائج الاقتراع الحالي. وتسود حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كان التنافس سيحسم في الدور الأول أم سيحسم في جولة ثانية.
ولم يُنه تعهد الجيش بعدم مساندة أي مرشح، والتأكيد على أن الشعب هو المسؤول عن اختيار الرئيس الجديد القادر على قيادة الجزائر، وأن هذا القرار لا رجعة فيه، حالة السلبية التي سادت البلاد، وعلى الخصوص في أوساط الناخبين الشباب، ولم تُبدَّد كذلك الشكوك حول دعم محتمل للمرشح عبدالمجيد تبون، من قبل المؤسسة العسكرية.
وهذا ما شجع المعسكر الداعم لإجراء الانتخابات على التأكيد بأنها تختلف هذه المرة عن جميع الانتخابات السابقة، مشيرا إلى غياب “مراكز الثقل المؤثرة”، خاصة المخابرات القديمة بزعامة قائدها السابق، محمد مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق “صانع الرؤساء”، وهو رهن الحبس حاليا.
هذا كله لم ينجح في إقناع الشباب بجدوى التصويت، خاصة بعد أن بدت حظوظ المرشحين الخمسة متقاربة جدا، عقب مناظرة تلفزيونية جرت الجمعة الماضية، قد أظهرت تشابها يصل حدّ التطابق في الطرح، وبالتالي تساويا في الحظوظ.
وزاد تقارب الأداء، خلال المناظرة، من فرص الذهاب إلى الدور الثاني، وهذا إن حدث سيشكل بالطبع سابقة تاريخية في الجزائر، ولكن ليس بالنسبة للشباب، الذين يرون أن الاختيار من بين المرشحين الخمسة يماثل الاختيار من بين “خمس قطع نقدية ذات قيمة واحدة”.
لن تستطيع الانتخابات أن تردم الهوة القائمة بين الشباب، الذين كانوا محرك الاحتجاجات الرئيس المطالب بالديمقراطية والحرية، وبين سلطة من “الديناصورات” تريد إعادة إنتاج نفسها، من خلال رموز حكمت خلال عهد الرئيس السابق بوتفليقة، الذي تشبث بالحكم رغم اشتداد المرض عليه، ورغم بلوغه سن الثانية والثمانين.
مستقبل الحكم في الجزائر لن يكون رهن من يفوز في الانتخابات الرئاسية اليوم؛ اختلاف الأسماء لن يعني شيئا طالما أن الشخصيات متشابهة. الحاكم الفعلي لن يتغير، وهو المؤسسة العسكرية التي ستحتفظ بحقها في ممارسة الرقابة على الرئيس المقبل للبلاد.
في مجتمع لم يأنس ممارسة الديمقراطية من قبل، فإن رقابة مثل هذه ليست بالأمر السيء. وبإمكان أيّ حكومة مستقبلية أن تكسب تأييد الشباب الجزائري، إن هي عملت على تحقيق مطالبه، بالحرية والتشغيل.
الانتخابات التي تجري اليوم في الجزائر، هي انتخابات غير عادية، الفائز فيها لن يحدّد مستقبل الجزائر، فمن سيحدد مستقبل البلاد هو المؤسسة العسكرية وحدها.