الجزائر، مسار انتخابي أم انتحاري

لا أحد يستطيع التكهن بما ستؤول إليه الأمور بعد يوم 12 ديسمبر في الجزائر، موعد إجراء الانتخابات الرئاسية. نحن أمام انسداد لم تعرفه الجزائر قط منذ استقلالها. فلئن كان النظام مسيطرا على اللعبة منذ 1962، فإنه لم يعد منذ 22 فبراير الماضي قادرا على ترويض الجزائريين الذين باتوا يتحدونه في الشارع كل جمعة وكل ثلاثاء في أغلب مدن البلد وفي الخارج وبأعداد هائلة وبسلمية منقطعة النظير. ويرفعون شعارات واضحة تنشد هدفا واحدا هو الذهاب عبر مرحلة انتقالية إلى جزائر جديدة ذات حكم مدني عصري لا علاقة له بالحكم العسكري الذي أوصل البلد إلى هذا الوضع المزري سياسيا واقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا. “دولة مدنية لا عسكرية” هكذا تردد الملايين من الحناجر في كل ربوع الجزائر.

وعلى الرغم من إصرار المواطنين الجزائريين وثباتهم أكثر من 10 أشهر في المطالبة بالقطيعة مع أساليب الماضي في الحكم، تريد سلطة الأمر الواقع تمرير أجندتها عن طريق المكر الإعلامي ونكران الواقع، وتفعل كل شيء من أجل فرض انتخابات شكلية ترفضها الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري. وقد وصل الأمر بالسلطة إلى السيطرة على وسائل الإعلام العمومية والخاصة وإجبارها على نشر الأكاذيب. وقد وصلت بعض القنوات التلفزيونية إلى درجة تقديم صور جماهير الحراك على أنها صور من يتظاهرون لمساندة الجيش والانتخابات. “اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس” كان يقول غوبلز وزير هتلر للدعاية، وكذلك يقول رئيس السلطة الـ”مستقلة” للانتخابات محمد شرفي “مسيرات الداعمين للانتخابات أكبر من مسيرات الرافضين لها”. أما رئيس الأركان أحمد قايد صالح فيستمر في النكران قائلا في خطابه الأخير، إن “الصراع الحقيقي يدور اليوم بين الشعب الجزائري المسنود بالجيش الوطني الشعبي وخدام الاستعمار والعصابة”.

ومع اقتراب الموعد، ومن دون حدث كبير طارئ يبقى سيناريو واحد، هو إجراء الاقتراع مهما كان عدد الناخبين. ومن غير المحتمل أن تلغى هذه الانتخابات لسبب بسيط هو أن الجيش الجزائري هو الذي قرر برمجتها في هذا التاريخ ومن الثكنة على لسان قائد الأركان ذاته. ومن هنا فأي تراجع سيكون بمثابة الهزيمة السياسية والمعنوية له وللجنرالات الملتفين حوله، وهو ما لا يتحمّله هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء تاريخيين على الشعب الجزائري. وقد يعتبر قايد صالح تأجيل الاقتراع مساسا بإرادته شخصيا.

السلطة العسكرية تحاول استرجاع واجهتها المدنية التي أسقطها الحراك

ولكن ماذا تجني الجزائر من رئاسيات تجرى في هذا الجو المشحون وفي غياب أبسط توافق بين الشعب الثائر والسلطة المعاندة؟

يعتقد النظام أنه قد يتجاوز الفراغ الدستوري بإجراء الانتخابات الرئاسية ولكن العكس هو الصحيح، ومن البديهي أنه لا ينجر عن الانتخابات في هذه الظروف أي نتائج إيجابية لصالح الشعب ولا تحل مشكلة الشرعية، بل هي أصلا جعلت لغير ذلك إذ تحاول السلطة العسكرية من خلالها استرجاع واجهتها المدنية التي أسقطها الحراك.

سيعمّق هذا الاقتراع الابتزازي الفجوة بين الشعب المصمم على التغيير، والسلطة المتشبثة باستمرارية النظام القديم. هدف السلطة العسكرية هو تنصيب رئيس ضعيف فاقد للشرعية لتزيين الواجهة ولكي تستمر في تسيير البلد من خلف الستار كما كانت دائما منذ الاستقلال.

تحتاج سلطة الأمر الواقع إلى رئيس-دمية يوقّع لها في أقرب وقت ممكن على قانون طوارئ تأمل أن تقضي من خلاله على الثورة السلمية. ولكنها عاجزة عن الإدراك بأنه لا شيء قادر على إجهاض ثورة آن أوانها. قد يرفع كل ما تفعله السلطة من كلفة التغيير، ولكن لا يستطيع إيقافه أبدا لأن القطيعة قد تمت بين السلطة القديمة وبين الجيل الجزائري الجديد الذي لن يتركها تستنسخ نفسها مهما كان الثمن.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: